لم تُسجِّل جولة المفاوضات التي عُقِدَت في العاصمة المصريّة القاهرة أيّ خرقٍ جدّيّ للذّهاب نحوَ إبرام صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس. الجديد في هذه الجلسة كانَ المُقترحات والأفكار الأميركيّة الرّامية لحلّ مسألة الانسحاب الإسرائيليّ من محور “فيلادلفي”.
طرحَ الأميركيّون أفكاراً، منها ما يتضمّن انسحاباً إسرائيليّاً جزئيّاً، ومنها ما يتضمّن إنشاء أبراج مُراقبة مُشتركة. لم تصل الأفكار الأميركيّة الجديدة إلى مرحلة يُمكنُ أن تتحوّل فيها إلى حلولٍ جدّيّة لمسألة “فيلادلفي”. فكلا الجانبيْن مُتمسّكٌ بشروطه ويُجادِلُ على “الفاصلة والنّقطة” حول الاتفاق… فما هو “أرنب” واشنطن الجديد؟ وهل هناك حلّ لمحور نتساريم؟
في المعلومات حول مفاوضات القاهرة بين حركة حماس وإسرائيل أنّ مُنسّق الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القومي الأميركيّ بريت ماكغورك ومدير وكالة الاستخبارات المركزيّة (CIA) وليام بيرنز حملا مُقترحات وخرائطَ لمحاولة التّوصّل إلى “حلٍّ وسط” بين الطرفين إسرائيل وحركة حماس لحلّ الخلاف حول محور فيلادلفي في الدّرجة الأولى، ومحور نتساريم – صلاح الدّين ثانياً.
لم تُسجِّل جولة المفاوضات التي عُقِدَت في العاصمة المصريّة القاهرة أيّ خرقٍ جدّيّ للذّهاب نحوَ إبرام صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس
من المعروف أنّ “محور فيلادلفي” هو الذي يربط قطاع غزّة بمصر، في حين أنّ “محور نتساريم” هو خطّ يربط الجانب الإسرائيلي، في غلاف غزّة، بالبحر، ويشقّ القطاع نصفين. ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يريد أن تبقى قوّاته على طول هذا الخطّ في “اليوم التالي”.
بدأت المُناقشات حول المقترح الأميركي يوميْ الجُمعة والسّبت، بحضور رؤساء الأجهزة الأمنيّة من مصر والولايات المُتحدة وقطر وإسرائيل. وذلك قبل جلسة المُفاوضات الموسّعة التي حصلَت الأحد.
ما هو المقترح الأميركيّ؟
أحد المُقترحات الأميركيّة الأكثر جدّيّة يقوم على الآتي:
– ينسحبُ الجيش الإسرائيليّ من نقطةٍ واحدة على محور فيلادلفي تزامناً مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من المُقترح الإسرائيليّ (مُقترح الرئيس الأميركي جو بايدن) التي تتضمّن الإفراج عمّن بقي من الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس، تحديداً من النّساء وكبار السّنّ والأطفال.
– ينسحبُ الجيش الإسرائيليّ من المناطق المُكتظّة نحوَ شرق قطاع غزّة، من دون أن يخرج بشكلٍ كامل. وتتوقّف الطّلعات الجويّة الاستطلاعيّة ما بين 10 و12 ساعة يوميّاً.
بدأت المُناقشات حول المقترح الأميركي يوميْ الجُمعة والسّبت، بحضور رؤساء الأجهزة الأمنيّة من مصر والولايات المُتحدة وقطر وإسرائيل
– أثناء تطبيق المرحلتيْن الأولى والثّانيّة (84 يوماً) ينسحبُ الجيش الإٍسرائيلي تدريجيّاً من محور فيلادلفي، على أن يُتمَّ انسحابه مع إنجاز تبادل الأسرى من مستوطنين ومُجنّدين محتجزين لدى حماس.
– في حال إنجاز تبادل الأسرى قبل نهاية العام الجاري، ينسحب الجيش الإسرائيلي من منطقة الحدود مع مصر.
لم يلقَ هذا المُقترح رفضاً مصريّاً كما هو حال المُقترحات الأميركيّة السّابقة، والتي تتضمّن بقاءً ولو رمزيّاً للجيش الإسرائيليّ في منطقة الحدود مع مصر. إذ إنّ الجديد في هذا المُقترح أنّه يضمن انسحاب إسرائيل بشكلٍ كامل قبل نهاية السّنة، وهذا يُلبّي مطالبَ مصر وحماس أيضاً.
أين المشكلة إذاً؟
اصطدم المُقترح بعقبات إسرائيليّة و”حمساويّة” عنوانها الآتي:
– كانَ الوفدُ الإسرائيليّ، الذي تقدّمه رئيس الموساد ديفيد برنياع، حضرَ جلسة القاهرة مُكبّلاً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي لم يُوسّع صلاحيات الوفد قبل توجّهه إلى العاصمة المصريّة.
– أبلغَ الوفد الإسرائيليّ الوسطاء أنّ نتنياهو استخلصَ من اتصاله مع الرّئيس الأميركيّ جو بايدن أنّ على إسرائيل الانسحاب من نقطةٍ واحدة من محور “فيلادلفي” لتسهيل إنجاز الاتفاق، ولم يُناقش معه أيّ مسألة تتعلّق بالانسحاب التدريجي قبل نهاية العام.
في حال إنجاز تبادل الأسرى قبل نهاية العام الجاري، ينسحب الجيش الإسرائيلي من منطقة الحدود مع مصر
– اطّلعَ وفدُ حماس الذي كان يرأسه نائب رئيس الحركة الدّكتور خليل الحيّة على المُقترح الأميركيّ المُعزّز بخرائط نقلها الوسطاء إلى وفد الحركة. حاولَ الوسطاء إقناع وفد الحركة الموافقة على المُقترح على اعتبار أنّه يضمن انسحاباً كاملاً لقوّات الاحتلال من محور فيلادلفي، كما تُطالب الحركة. لكنّ الحيّة أبلغَ الوسطاء أنّ حماس وافقَت في الأساس على مُقترح بايدن الذي يدعو إلى سحب القوّات الإسرائيليّة شرقاً نحوَ حدود غزّة في المرحلة الأولى، وأنّ على الاحتلال الانسحاب بشكلٍ كامل وليسَ تدريجيّاً.
– قال وفد حماس للوسطاء إنّ عليهم الحصول على موافقة نتنياهو على الانسحاب التدريجي بدايةً، وأن يكونَ الانسحابُ مضموناً بشكلٍ رسميّ من الرّئيس الأميركيّ برسالةٍ خطّيّة، حاله حال وقف إطلاق النّار. وقال وفد حماس إنّ الحركة قدّمت تنازلات أساسيّة بقبولها مُقترح بايدن الذي يرفضه نتنياهو، وعليه فإنّ الحركة لن تُقدّم أيّ التزامٍ قبل الحصول على إجابات واضحة من نتنياهو.
حماس تتحسّب من “مراوغة” نتنياهو
– كذلك كانَ وفدُ الحركة يقول للوسطاء إنّ موافقة نتنياهو على الانسحابِ من موقعٍ واحد “مُراوغة”، وإنّه سيُخلّ بتنفيذ ما بقي، إن وافقَ أصلاً. إذ إنّ تصريحاته يومَ الإثنين الماضي لا تدلّ على أنّ الرّجلَ سيقبل بما حمله الأميركيّون إلى القاهرة.
قالت مصادر الوسطاء لـ”أساس” إنّ جواب حماس فيه قبول بالمُقترح الأميركيّ. لكنّ هذا القبول مرهونٌ بالتزام نتنياهو بالانسحاب التدريجي من محور “فيلادلفي”، خصوصاً أنّ الوفد الإسرائيليّ قال في المفاوضات إنّه لا مانع عسكريّاً ولا أمنيّاً لتنفيذ هذا الانسحاب، لكنّ الأمر مرهونٌ بموافقة رئيس الوزراء عليه.
كانَ الوفدُ الإسرائيليّ، الذي تقدّمه رئيس الموساد ديفيد برنياع، حضرَ جلسة القاهرة مُكبّلاً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي لم يُوسّع صلاحيات الوفد
كما كشفت المصادر أنّ واشنطن تُحاول الضّغط بشكلٍ جدّيّ على نتنياهو لقبول هذا المُقترح الذي يُعتبر حلّاً وسطاً يُرضي الطّرفيْن. لكنّ موافقة نتنياهو، وإن كانت مُستبعدة حتّى السّاعة، لا تعني أنّ الاتفاق أُنجِزَ. إذ لا تزال عقبات كثيرة تنتظرُ الحلول، وإن كانَت عُقدة “فيلادلفي” هي أهمّها. وهذا لا يعني أنّ حلّ ما يتعلّق بصيغة “وقف الحرب وإطلاق النّار” أو التفاوض على تفاصيل الانسحابِ الإسرائيليّ من داخل القطاع وإعادة تشغيل معبر رفع وغير ذلك… ستكون نقاطاً سهلة التنفيذ.
إلى ذلك ليس من مقترح لحلّ الخلاف حول محور نتساريم.
ما هو Plan B؟
ماذا لو لم تنجح محاولات التّوصّل إلى صفقة قبل موعد الانتخابات الرّئاسيّة في الولايات المُتحدة؟
يعملُ الوسطاء على خطّة بديلة في حال لم تنجح الجهود في التّوصّل إلى اتّفاقٍ بين حماس وإسرائيل. العنوان الأساسيّ لـPlan B هو منع توسّع الحرب وضبط إيقاعها على مستوى مُعيّن، تماماً كما حصلَ عشيّة الرّدّ الإيراني على إسرائيل في 13 نيسان الماضي، أو ردّ الحزب من لبنان على اغتيال قائده العسكريّ فؤاد شُكر.
تتضمّن الخطّة البديلة تثبيتاً لقواعد “حرب الاستنزاف” المُندلعة على الحدود بين لبنان وفلسطين المُحتلّة. وتدخلُ في هذا الإطار الزيّارة التي قامَ بها رئيس هيئة الأركان المُشتركة الأميركيّة سي. كيو. براون للمنطقة قبل وأثناء نهاية الأسبوع.
تتضمّن الخطة “ب” أيضاً محاولة التوصّل إلى هدنة أسبوعٍ في غزّة، في حال لم تنجح المفاوضات الحاليّة، وذلكَ لإدخال كميّات كبيرة من المساعدات الغذائيّة والطّبيّة وموادّ التعقيم واللقاحات إلى القطاع، حيث بدأت الأوبئة تنتشر وسطَ سُكّانه. كما يُعتقد أنّ الهدنة قد تساعد الاستخبارات الأميركيّة والإسرائيليّة في محاولة تحديد أماكن وجود الأسرى الإسرائيليين في القطاع.
الهدفُ من وراء “الخطّة ب” هو عينه الذي يقف خلف محاولة واشنطن التّوصّل إلى اتفاق، وهو الانتخابات الرّئاسيّة. إذ تسعى الإدارة الأميركيّة إلى القول إنّها نجحت في منع توسّع الحرب في الشّرق الأوسط كبديلٍ عن الإقرار بفشلها بسبب عدم التّوصّل لاتفاقٍ لوقف إطلاق النّار في غزّة وجنوب لبنان.
تكشف مصادر “أساس” أنّ زيارة براون للمنطقة جاءَت بعد مؤشّرات وصلت إلى الأميركيين عن اقتراب موعد ردّ الحزب على اغتيال شُكر
ماذا حصل في جنوب لبنان الأحد؟
تكشف مصادر “أساس” أنّ زيارة براون للمنطقة جاءَت بعد مؤشّرات وصلت إلى الأميركيين عن اقتراب موعد ردّ الحزب على اغتيال شُكر. أدارَ الأميركيّون الأحداث التي شهدها جنوب لبنان وشمال فلسطين فجر الأحد، على طريقة win – win situation، أي أنّ الجميع كانَ رابحاً:
1- أعطى الأميركيّون الضّوءَ الأخضر لنتنياهو ليأمرَ بتنفيذ ضربات على مواقع مختلفة في جنوب لبنان، تركّزَ معظمها في الوديان ومناطق خالية، ليستطيع القول إنّه وجّه ضربةً استباقيّة عنيفة للحزب وأحبطَ هجوماً كبيراً على العمق الإسرائيليّ.
2- كانَ الأميركيّون يعرفون طبيعة الهجوم الذي سيقوم به الحزب، خصوصاً أنّه لن يُؤدّي إلى سقوط مدنيين، أو يستهدف منشآت ذات طابع مدنيّ أو يدخلَ حدود تل أبيب الفعليّة. وهذا ما يُعطي الحزب أن يقولَ أمام بيئته إنّه ردّ على اغتيال شُكر، على الرّغم من الاستنفار الإسرائيليّ – الأميركيّ في المنطقة.
إقرأ أيضاً: ماذا بعد معادلة “ضاحية تل أبيب” مقابل “ضاحية بيروت”؟
3- كذلك إعلان الحزب استهداف منشأة الوحدة 8200 التّابعة للاستخبارات العسكريّة في منطقة غليلوت شمال تل أبيب يُعفي نتنياهو من الإحراج الدّاخليّ. إذ إنّ من غير الممكن عمليّاً أن يُثبِتَ أحدٌ من داخل إسرائيل إذا ما كان الحزبُ نجح فعلاً في إصابة الهدف، وذلكَ لسببيْن:
– الأوّل: بُعد المنشأة عن أماكن سكن المستوطنين، وبالتّالي لا يستطيع أحد أن يُوثِّقَ الإصابة بتصويرها كما يحصلُ عند استهداف الشّمال.
– الثّاني: يُفسح نوع الهدف وبعده عن السّكن المجال لحكومة نتنياهو لتقول إنّ الحزبَ لم ينجح، وتُعلِنَ بالتّالي نجاح “ضربتها الاستباقيّة”.
لمتابعة الكاتب على X: