أربعون مليون إنسان شاركوا في إحياء أربعينيّة الإمام الحسين مشياً إلى كربلاء. الرقم مبالغ فيه كثيراً. ولكنّ الثلاثة مليارات دولار أميركي التي أنفقها العراق من أجل إحياء تلك المناسبة هي رقم واقعي وصحيح ولا مبالغة فيه.
لا يعتبر النظام السياسي في العراق زيارة ضريح الإمام الحسين بالذات نوعاً من السياحة الدينية. في المقابل فإنّ مدينة مشهد الإيرانية تعيش وتنمو وتزدهر اقتصادياً بسبب السياحة الدينية التي عنوانها زيارة ضريح الإمام الرضا. وهو ثامن أئمّة الشيعة.
الغباء السياسي العراقي المبطّن بالسذاجة الشعبية واضح حين تتمّ المقارنة بين الحالتين. لقد سبق لأحد النواب العراقيين أن تساءل عن فداحة الخطأ في إنفاق ثلاثة مليارات على مناسبة دينية مليونيّة ينبغي أن تثري اقتصاد البلد وتنعش سوقه السياحية، من خلال الفنادق والاستراحات والنقل والمقاهي والمخازن والهدايا، كما يحدث في دول العالم الأخرى، فضُرب بسؤال صاعق: “هل الثلاثة مليارات أهمّ من سيّد الشهداء الحسين؟”.
لا يعتبر النظام السياسي في العراق زيارة ضريح الإمام الحسين بالذات نوعاً من السياحة الدينية
الكرم العراقيّ في أكثر صوره بلاهة
في أربعينية الحسين التي صارت الدولة تشرف عليها منذ عام 2003 كلّ شيء مجّاني.
دخول العراق مجّاني ومن غير الرسوم التي تجبى في الحالات الاعتيادية. النقل مجّاني حيث خصّصت الدولة حافلات لنقل الزوّار ليل نهار. كما أنّ في إمكان الزائر أن يأكل في أيّة لحظة طعاماً ساخناً وبالمجّان على طول الطريق التي تبدأ من بوّابات الدخول مع الكويت والسعودية حتى كربلاء. وهناك أيضاً أماكن للإيواء يمكن استعمالها من غير مقابل. إضافة إلى كلّ ذلك يمكن أن تكون مثل تلك المناسبة المليونيّة فرصةً للتسلّل إلى العراق والبقاء فيه في انتظار الحصول على الإقامة ثمّ البطاقة الوطنية التي تمهّد للحصول على الجواز العراقي.
سبق لباكستان رسمياً أن أعلنت ضياع خمسين ألفاً من مواطنيها في العراق. ذلك رقم ليس إلّا. كم هو عدد الإيرانيين والأفغان والإندونيسيين والفلبينيين واللبنانيين والأذربيجانيين الذين يتمتّعون بالكرم العراقي؟
عام 1980 كان عدد سكّان العراق 13 مليوناً. بعد حوالي ثلاثين سنة صار عدد سكّانه 40 مليوناً. أمّا اليوم فتجاوز الرقم 45 مليوناً.
تغيير ديمغرافيّ تحت راية الحسين
عام 1980 كان عدد سكّان العراق 13 مليوناً. بعد حوالي ثلاثين سنة صار عدد سكّانه 40 مليوناً. أمّا اليوم فتجاوز الرقم 45 مليوناً. وكما أتوقّع فإنّ عدد سكّان العراق سيصل إلى مئة مليون في غضون سنوات قليلة إذا ما استمرّت المقاومة الإسلامية في حكم العراق والهيمنة على مقدّراته.
ليس العراق دولة لجوء. أكثر من خمسة ملايين من سكّانه تمتّعوا وما زالوا يتمتّعون بحقّ اللجوء في الدول الغربية التي حصلوا على جوازاتها. معظم سياسيّي العراق ممَّن يشغلون مناصب حسّاسة في الدولة سبق لهم أن كانوا لاجئين.
لكنّ العراق هو الدولة الوحيدة في العالم التي تمنح المواطنة لمن يتسلّلون إليها علناً تحت شعار الطقوس الحسينية. لسان حال الطبقة السياسية الحاكمة يقول: “إنّهم يحبّون الحسين ولذلك يستحقّون المواطنة. ذلك ما يجعلهم قريبين من حبيبهم الحسين”. وكما أتوقّع فإنّ الدولة العراقية تخصّص رواتب شهرية لكلّ المستضعفين الشيعة الذين لجأوا إليها حبّاً بالحسين. أمّا المواطنون العراقيون الأصليون فإنّ حبّهم للحسين لن ينقذهم من الفقر والجوع وإذلال البطاقة التموينية.
كلّ ما يُسمّى بالشعائر الحسينية قد تمّ إفراغه من محتواه الديني المسالم ليتحوّل إلى تظاهرات سياسية يتمّ توظيفها لأغراض حزبية عنوانها الرئيس “الطائفية”
لكم الحسين ولنا المال
العراق بلد استثنائي في فساده. غير أنّ تحويل الفساد للعراق إلى كذبة يستفيد منها المنافقون القادمون من مختلف أصقاع الأرض فتلك فجيعة ستصدم حتى أولئك الذين وجدوا في العراق الجديد فرصة لتجريب مواهبهم الانتهازية في الإثراء السريع.
في كلّ الأحوال فإنّ كلّ ما يُسمّى بالشعائر الحسينية قد تمّ إفراغه من محتواه الديني المسالم ليتحوّل إلى تظاهرات سياسية يتمّ توظيفها لأغراض حزبية عنوانها الرئيس “الطائفية”. وهو عنوان غطس في وحوله العراقيون الفقراء والبسطاء من غير أن ينتبهوا إلى أنّ هناك مَن يستعملهم سدّاً بشريّاً لإخفاء جرائمه الاقتصادية الكبرى التي تستنزف ثروة بلد سقط أكثر من ثلث سكّانه في هاوية الفقر المدقع.
ما صار العراق يشهده سنوياً من هيجان طائفي تشارك فيه جماعات قادمة من شتّى أنحاء الأرض لن يسمح على الإطلاق بقيام دولة فيه. ذلك ما يحقّق لفاسدي الطوائف مآربهم في الاستمرار في السطو على أموال الشعب العراقي تحت شعار “لكم الحسين ولنا المال”.
ما صار العراق يشهده سنوياً من هيجان طائفي تشارك فيه جماعات قادمة من شتّى أنحاء الأرض لن يسمح على الإطلاق بقيام دولة فيه
الفساد في التّباكي وإقامة الشّعائر
يعتبر أصحاب العمائم وأعضاء الأحزاب الدينية أنّ أداء الشعائر الحسينية بما فيها اللطم وضرب الرؤوس والظهور بالسكاكين وسواها هو في حدّ ذاته انتصار يستحقّون عليه مكافأة الاستحواذ على أموال العراقيين. هذه المعادلة سبق للكثيرين أن تحدّثوا عنها علناً لا لشيء إلّا لأنّهم يعتبرون ثروات العراق من ممتلكات الإمام الغائب الذي أوهموا الجمهور الباكي بالدعاء للتعجيل في ظهوره. وما الفساد الذي يستحوذون من خلاله على تلك الثروات إلا محاولة يسندها فقههم لتسريع الزمن وصولاً إلى قيام الساعة. حينها يقيم الإمام المنتظر دولته العادلة.
إقرأ أيضاً: العراق: قانون الأحوال المدنيّة.. كاتبه يحمل شهادة لبنانية مزوّرة
هذه الخرافة يدفع العراقيون وحدهم ثمنها في ظلّ عمليات نهب منظّم تبخّر أموال النفط لتمطر غيومها ذهباً على إيران التي لا تخسر شيئاً وهي تموّل أذرعها في سوريا واليمن ولبنان. فالكلّ ينعم بأموال صاحب الزمان الذي سيطول انتظاره حتى بعد أن تنفد ثروات العراق النفطية. أمّا العراقيون المسحورون بمرثيّات الرادود باسم الكربلائي الطائفية فليس لهم سوى أن يردّدوا مع ناظم الغزالي: “أرد أبكي بالعباس، وألطم بالحسين”.
في كلّ لحظة بكاء مجّاني يفقد العراق مليارات مضافة من الدولارت الأميركية يلتهمها وحش الفساد.
*كاتب عراقي