لن يكون الحزب معنيّاً بإصدار أيّ موقف، ولو تلميحاً، مرتبط بالوضع الداخلي الحزبي للتيّار الوطني الحرّ. لكن بالتأكيد ما يحصل داخل أروقة الحزب من خضّات كبيرة سينعكس بشكل مباشر على مآل العلاقة بين جبران باسيل والضاحية على أبواب استحقاقات مفصليّة ستُفتَح دفاترها فور وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان.
شكّل حديث رئيس الجمهورية السابق ميشال عون قبل أيام لجريدة “الأخبار” منصّة إطلاق رسائل متعدّدة وجهتها الأساسية حارة حريك:
– في الموضوع الإقليمي تأكيد عون على تعارض التوجّهات مع الحزب في حرب إسناد غزة “حيث أعطيناهم مَمسَكاً علينا حين بدأ الحزب المعركة”، وتشكيك كبير في موازين القوى في ظلّ الدعم الدولي لإسرائيل الذي توّج باستنفار الأساطيل الأميركية بخلاف حرب 2006، إضافة إلى عدم مشاركة الدولة اللبنانية في قرار الحرب، والتشكيك الأكبر في قدرة الحزب على حسم المعركة لمصلحته بسبب التفوّق العسكري الإسرائيلي.
لن يكون الحزب معنيّاً بإصدار أيّ موقف، ولو تلميحاً، مرتبط بالوضع الداخلي الحزبي للتيّار الوطني الحرّ.
– تمرير رسالة تستهدف الحزب الذي غطّى مع الرئيس نبيه برّي التمديد السابق لقائد الجيش العماد جوزف عون حيث أكّد عون أنّ هذا التمديد “خَرَبَ” الجيش فيما هناك 20 ضابطاً أفضل منه، والأهمّ ما جاء بين السطور من توجيه تهمة “سرقة المؤسّسة العسكرية” للقيادة الحالية!
– تأكيد عون مرجعيّته الأساسية، إلى جانب باسيل، و”مباركته” لقرارات الفصل والاستقالات داخل التيّار. لكن من ضمن النواب الأربعة الياس بوصعب وآلان عون وسيمون أبي رميا وإبراهيم كنعان تشكّل “حالة” نائب بعبدا آلان عون “وجعة رأس” حقيقية لميشال عون وباسيل في الانتخابات المقبلة. وقد أثار تسريب التسجيل الصوتي لعون حول الدعم الحتميّ لحركة أمل والحزب له في الانتخابات المقبلة بلبلة كبيرة زادت في غموض صورة التحالفات بين الثنائي الشيعي وباسيل ليس فقط في بعبدا بل في كلّ المناطق المشتركة.
هنا للأرقام دلالاتها: خرج التيار من انتخابات 2022 بـ 21 نائباً تحت مسمّى تكتّل لبنان القوي: التيّار (17 بمن فيهم فريد البستاني غير الحزبي) الطاشناق 3 ومحمد يحيى. اليوم بعد مغادرة محمد يحيى ونائب الطاشناق وزير الصناعة جورج بوشكيان أصبح عدد نواب “التكتّل” 15 (التيّار 13 والطاشناق 2).
آخر اتّهامات عون وباسيل للحزب استمراره في تغطية ارتكابات حكومة نجيب ميقاتي بالتعاون والتنسيق مع الرئيس بري ووليد جنبلاط
لكن ضمن 13 نائباً للتيّار هناك 3 نواب في البقاع و2 في عكّار و2 في الشوف-عاليه ونائب في بيروت الثانية، وجميع هؤلاء بحاجة إلى حلف مع الثنائي الشيعي و8 آذار كي يفوزوا أو من يدعمهم باسيل. وإذا لم “يَركب” هذا التحالف أو تَخلخَل قبل الانتخابات المقبلة يصبح فريق عمل باسيل “الخاص ناص” يتوقّف على خمسة نواب فقط، مع رسم علامة استفهام كبيرة حول موقف الحزب من انتخابات بعبدا بعد فصل النائب آلان عون من “التيّار”.
– تأكيد الرئيس عون انقطاع التواصل بينه وبين الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله “لأنّ وضعه لا يسمح”. لكنّ معلومات “أساس” تفيد بأنّ التواصل الهاتفي بين الجنرال والسيّد منقطع منذ ما قبل حرب غزة واستعيض عنه بلقاءات محدودة بين الطرفين كان أهمّها الزيارة التي قام بها وفد من الحزب برئاسة النائب محمد رعد لعون في الرابية في 2 شباط 2023، وخلاصته توجيه اتّهام صريح من الرئيس السابق لحليفه بأنّه كان المُساهِم الأكبر في “إضعاف عهده” بسبب عدم وقوفه إلى جانبه في الملفّات المالية ومحاربة الفساد وإقرار الكابيتال كونترول وتغطية ممارسات الرئيس نبيه بري الذي خطّط لإنهاء عهدي قبل أوانه، كما قال عون يومها لرعد.
عملياً، آخر اتّهامات عون وباسيل للحزب استمراره في تغطية ارتكابات حكومة نجيب ميقاتي بالتعاون والتنسيق مع الرئيس بري ووليد جنبلاط، ولم يتردّد عون بالحديث عن “تحالف رباعي” يتجدّد ضدّه وضدّ باسيل بعد نحو 19 عاماً. هنا تردّد أوساط عليمة بأنّ “الحزب سيعمل مع باسيل في المرحلة المقبلة على القطعة. لا تحالف عابراً للمناطق ولا تعامل مع نائب البترون كأنّ ميشال عون لا يزال رئيساً للجمهورية”. هنا يسجّل بدء باسيل تنشيط زياراته للمناطق كافّة لاستنهاض قواعد حزبه.
آخر لقاءات الحليفين فترجمت من خلال زيارة وفد الحزب برئاسة النائب محمد رعد الرئيس عون في آذار الماضي في الرابية بمهمّة محدّدة
آخر لقاءات الحليفين
أمّا آخر لقاءات الحليفين فترجمت من خلال زيارة وفد الحزب برئاسة النائب محمد رعد الرئيس عون في آذار الماضي في الرابية بمهمّة محدّدة هي توضيح موقف الحزب من حرب إسناد غزة. لكن بعد أيام قليلة من اللقاء أعلن عون في أحاديث إعلامية بأنّ “وجهة النظر التي سمعتها ضعيفة غير مقنعة. أنا أعتبرها معركة خاسرة، وأخشى من النتائج لأنّ موازين القوى ليست في مصلحته ولا مصلحة البلد. التبريرات التي نسمعها هي بمنزلة أعذار بعدما تحوّل الجنوب إلى غزة ثانية”.
قطبة مخفيّة
يؤكّد مطّلعون على مآل العلاقة بين باسيل والحزب أنّ القطبة المخفيّة التي نقلت تفاهم مار مخايل من مكان إلى آخر هي اتّهام عون وباسيل الحزب صراحة بالانقلاب على الحلف الثنائي يوم انفرد الحزب بترشيح النائب السابق سليمان فرنجية خلافاً لوعد قطعه للاثنين بالتوافق المسبق بين الطرفين على اسم الرئيس المقبل.
عند هذا الحدّ لا حرب غزة ولا ملفّات الفساد ولا الكابيتال كونترول كان يمكن أن تقف عائقاً أمام سقوط الحلف. هنا تحضر مفارقة لافتة في السياسة حيث انبرى الرئيس عون شخصياً، بعد سلسلة تسريبات صحافية، لاتّهام نائب التيار “السابق” رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان “بلعب دور مع آخرين في عدم إقرار قانون الكابيتال كونترول، وهو ما أدّى إلى تهريب ثروات وحُمّلنا وزر ذلك شعبيّاً”.
إقرأ أيضاً: دروس من انتفاضة جعجع لرفاق باسيل
اتّهام بهذه الخطورة كان يجب، برأي أوساط سياسية، أن يدفع عون حين كان لا يزال رئيساً، أو بعد انتهاء ولايته، إلى إجراء محاسبة داخلية قبل أن يفتح النار ضدّ خصومه والحزب. مع العلم أنّ كنعان ردّ بالوقائع والتفاصيل في شأن دوره كرئيس للجنة المال حيال كلّ الملفّات التي فتحها بوجهه عون وباسيل. فيما تبقى للقضاء الكلمة الفصل في هذا الاتّهام الخطير.
لمتابعة الكاتب على X: