إعلام الغرب يواجه السّعوديّة… هل تنقذها “الدراما”؟

مدة القراءة 7 د

منذ عملية طوفان الأقصى، انقسم العالم العربي بين جناحين. جناح أقلع منذ زمن طويل عن الوقوع في فِخاخ اللغة الأيديولوجية والشعبويّات وكلّ ما يلهج العواطف. وهو الجناح الذي يتمثّل بدول الاعتدال العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي لا تزال تتمسّك بالمبادرة العربية للسلام وقوامها حلّ الدولتين وإقامة دولة مستقلّة للفلسطينيين الذين تجب حمايتهم في أراضيهم وعدم تهجيرهم أو تقتيلهم ليتمكّنوا من بناء دولتهم. وجناح آخر لا يزال يرتكز على التلاعب بعواطف الشعوب، بخطاب شعبوي، يعد بتحرير القدس عبر الكفاح المسلّح، ولا ينتج غير واحد من اثنين: تدمير المجتمعات العربية بالأنظمة الأمنيّة، والمشاهد المنبعثة من غزة، حيث تدمَّر فلسطين ومحيطها العربي بحجّة تحريرها. وها هي الضفّة الغربية تدخل مرحلة أوّلية من الحرب. وهو ما قد يقضي على القضية الفلسطينية برمّتها، بسبب الخطاب الشعبوي الذي تغذّيه إيران.

 

على مدى عقود، التهبت الجماهير العربية في مناصرة القضية الفلسطينية. وكان هناك دائماً من يأتي ليوهم العرب بأنّ في استطاعتهم هزيمة أميركا وأوروبا وإسرائيل.

هكذا تنقّلت هذه الشعوب من نكبة إلى نكسة وهزائم تلو هزائم على أرض الواقع. في مقابل تقديم خطاب دعويّ يغرف من ادّعاء الانتصار، لكنّه يراكم الخسائر البشرية والجغرافية.

لا تزال هذه الأيديولوجية الثورية فاعلة في أيّامنا هذه، وشاعت أكثر بعد عملية طوفان الأقصى التي فجّرت قماقم كثيرة كانت مكبوتة، تعتبر ما جرى انتصاراً طال انتظاره. وتنساق إلى هذه السردية دول، وفصائل، وتنظيمات وفرق متعدّدة، لا تقف عند حدود العبث بالجغرافيا الفلسطينية والديمغرافيا، وينساق الناس إلى خطابات الانتصار على العدوّ، في حين أُبيدت غزّة، وجاء الدور على الضفّة الغربية.

على مدى عقود، التهبت الجماهير العربية في مناصرة القضية الفلسطينية. وكان هناك دائماً من يأتي ليوهم العرب بأنّ في استطاعتهم هزيمة أميركا وأوروبا وإسرائيل

الهجوم على دول الاعتدال

من لوازم الحروب التي تخوضها القوى ذات الخطاب الأيديولوجي الحملات المركّزة التي غايتها تهشيم صورة القوى الواقعية أو الخطاب المعتدل، الذي يسعى إلى الاستثمار بالاستقرار أو التنمية. وهو في أيامنا هذه المشروع السعودي المعلن الذي لا يزال يحقّق التقدّم، لا سيما أنّ تلك الواقعية السعودية هي التي أجرت مصالحة مع إيران وخفّفت من منسوب التوتّر الإقليمي كخطوة على طريق الاستثمار في المصالحات لتحقيق التنمية وتعزيز النموّ.

لقد عملت السعودية على تحييد نفسها عن مساحة الاستهداف الأمنيّ أو العسكري للتفرّغ للمشاريع الاقتصادية. فإذ بالقوى الأخرى تضعها على جبهة استهداف إعلامي وثقافي وسياسي. لذلك تتعرّض السعودية لحملة ممنهجة بسبب موقفها، ويذهب البعض إلى تحميلها مسؤولية ما يجري، علماً أنّها لم تدّعِ يوماً سعيها العسكري أو إيمانها بطريق العمل المسلّح أو دعمها لجهات مسلّحة لتحرير فلسطين.

لا تبدو السعودية مستهدفة من أصحاب الأيديولوجيات فقط، بل أيضاً من قبل القوى المناهضة لها، لا سيما بعض الدول الغربية أو الجماعات الضاغطة فيها

الاستهداف الغربيّ أيضاً

لا تبدو السعودية مستهدفة من أصحاب الأيديولوجيات فقط، بل أيضاً من قبل القوى المناهضة لها، لا سيما بعض الدول الغربية أو الجماعات الضاغطة فيها. ولطالما شرعت هذه الجماعات الضاغطة في شنّ حملات مركّزة على السعودية منذ أحداث 11 أيلول إلى حقبة الربيع العربي وحرب اليمن وصولاً إلى استهداف كلّ محاولات التطوير التي تقوم بها السعودية منذ عام 2015 بناء على رؤية 2030.

من أسباب استهداف المملكة موقفُها الوسطيّ بين الشرق والغرب، وتحسينُ علاقاتها مع روسيا والصين، وإصرارُها على شرط قيام دولة فلسطينية قبل التطبيع مع إسرائيل، مقرون بإجماع عربي رافض لمشروع تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار.

على وقع كلّ هذه التطوّرات والضغوط التي تحاول أن تنال من عزيمة السعودية ومشروعها، تزامن نشر عملين أحدهما “وثائقي” والآخر عمل درامي، غايتهما النيل من السعودية أو التشويش عليها في إطار حملات التشويش المتعدّدة التي تتعرّض لها، فأصبح التشويش يتوزّع على نقاط عديدة:

1- تشويش على موقف السعودية واتّهامها بالتخلّي عن الفلسطينيين وعدم تقديم الدعم لهم، علماً أنّ السعودية هي التي قادت مساراً عربياً وإقليمياً وشكّلت وفداً وزارياً جاب دول العالم للعمل على وقف الحرب وإيجاد حلّ نهائي للقضية.

2- تشويش يطال كلّ مسار الإصلاح الذي تسلكه السعودية منذ سنوات، وذلك من خلال استضافة أو إبراز معارضين سعوديين للتصويب على المملكة وقيادتها.

3- تشويش يطال الواقع الاجتماعي السعودي ومعارضة نظام الكفالة.

لطالما راهنت دول كثيرة على نشر “ثقافتها” بالأعمال الدرامية، لا سيما أنّ القنوات العربية تضجّ بالأعمال المدبلجة من اتّجاهات مختلفة

الحرب النّفسيّة.. والرّدّ بالدراما

تبدو هذه النقاط إضافاتٍ جديدةٍ على مقوّمات الحرب السياسية، النفسية، والمعنوية التي تخاض ضدّ السعودية، وهدفها التطويع السياسي للمملكة. وذلك يفرض على السعودية تحدّياً جديداً للردّ بالوقائع لكن وفق الطريقة الملائمة لإيصال ما يجب إيصاله. إذ بالنظر إلى التطوّر المذهل الذي تعيشه السعودية تراثياً وإنمائياً، وفي الكشف عن مسارات حاضرة مبحرة في التاريخ، يتشكّل توق لدى جموع العرب في العودة إلى استرجاع هذا التاريخ والتطلّع إليه.

لطالما راهنت دول كثيرة على نشر “ثقافتها” بالأعمال الدرامية، لا سيما أنّ القنوات العربية تضجّ بالأعمال المدبلجة من اتّجاهات مختلفة، وهو ما يشكّل إمّا نوعاً من غزو ثقافي، أو من غزو سياحي مثلاً. قد يكون قاسياً الانطلاقة إلى ثورة في عالم الدراما أيضاً، اجتماعياً وتاريخياً، مبنيّة ومتركّزة على الأعمال المشتركة، التي تضمّ كتّاباً ومؤلّفين وممثّلين ومخرجين من العالم العربي أجمع. وذلك لإخراجها من الإطار السعودي أو الخليجي فقط. وهذا يحمل في طيّاته قدرة هائلة على الانتشار ونشر الفكرة ووضع الناس أمام حقائق مجهولة، أو متروكة لروايات الآخرين.

التّاريخ يدافع عن الحاضر… ويبني المستقبل

ما يصبو إليه المرء في إطار الثورة التقنيّة التي تعيشها المملكة، هو انتظار مثل هذه الأعمال التي يمكن أن يخلّدها التاريخ وتتناول موضوعات أساسية بقيت مجهولة للكثيرين من العرب. إذ لطالما لعبت الدراما دوراً أساسياً في الإضاءة على التاريخ وجعل الشعب العربي على قدر من المعرفة تجاهها. في السعودية تاريخ غير محكيّ أو روايات كثيرة غير مرويّة، منذ ميثاق الدرعية مثلاً وحكاية تأسيس الدولة السعودية، إلى نضالات الملك عبد العزيز من أجل توحيد المملكة التي خاضها على وقع تحوّلات عالمية وفي ظلّ متغيّرات إقليمية.

إقرأ أيضاً: السّعوديّة بمواجهة عدوانٍ ثلاثيّ: بريطانيّ فرنسيّ هنديّ

السعودية دائماً تصنع القطار، وتقوده انطلاقاً منها، وهي القبلة المستقبلية، إلى الدول العربية المختلفة بأعمال مشتركة، بعضها يحاكي التاريخ السعودي وأهمّ المعارك أو المحطّات الأساسية التي خاضتها المملكة لتثبيت موقفها وموقعها وإبداء حرصها على العالم العربي، وبعضها الآخر يحاكي العلاقات السعودية مع الدول العربية الأخرى، أو بإنتاج أعمال درامية عن حقب الملوك وأهمّ محطّات عهودهم بتحوّلاتها وتطوّراتها على صعيد المنطقة العربية والعالم. لا بدّ لذلك أن يؤدّي إلى إعادة إنتاج ثقافة عربية غايتها الإبحار في الماضي للتعلّم منه والبناء عليه من أجل المستقبل وفق قاعدة معرفية تحيط بالمعطيَين السياسي والاجتماعي معاً، في إطار دمج العقل الجمعي العربي وتقريبه بدلاً من الغربة التي يعيشها أو يستشعرها.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…