السّعوديّة بمواجهة عدوانٍ ثلاثيّ: بريطانيّ فرنسيّ هنديّ

مدة القراءة 7 د

فجأةً، ومن دون سابق إنذار، وكلّما تقدّمت المملكة العربية السعودية على سلّم المنطقة، وارتفع شأنها، وتطوّر اقتصادها، وثبّتت حضورها، يحاول بعض الغرب شنّ حملاتٍ عليها. الطريف في الحملات أنّها تفتقر إلى “العروبة”. فيحصل التسلّل إلى الرأي العامّ العالمي والعربي بلغاتٍ عديدة، المشترك أنّها ليست عربية. وجديدها “فيلم هندي” بكلّ ما تعنيه هذه الجملة من “خرافات” و”مبالغات” بوليووديّة، وفيلم بريطاني يدّعي أنّه “وثائقي”، وإعادة توزيع وثائقي فرنسي عمره 4 سنوات، لتصير المملكة أمام “عدوان ثلاثيّ”.

 

 

كان لا بدّ من حملة إعلامية ضخمة للتسويق لفيلم هندي يحاول الاعتداء على المملكة العربية السعودية من خلال تصوير نظام الكفالة على أنّه نظام عبودية واسترقاق. في حين أنّ الفيلم يتحدّث عن رجل هندي خطفه رجل سعودي في المطار، وأجبره على العمل لسنوات، قبل أن يهرب. وهذا الرجل ليس “الكفيل”. وبالتالي فهو يروي ما ادّعى أنّه “قصّة حقيقية” عن حكاية اختطاف رجل هندي ذهب ليعمل في السعودية.

كلّما تقدّمت المملكة العربية السعودية على سلّم المنطقة، وارتفع شأنها، وتطوّر اقتصادها، وثبّتت حضورها، يحاول بعض الغرب شنّ حملاتٍ عليها

في أوساط متابعي السينما بالعالم العربي، وحتّى في اللغات المحكيّة المشرقية والمغربية والخليجية، حين يُقال “فيلم هندي” يكون المقصود أنّ الحكاية فيها الكثير من المبالغة والكذب. وهذا تماماً ما يخرج به من يشاهد فيلم “The Goat Life”، أو “حياة الماعز”، خصوصاً بعد قراءة عشرات المقالات ومئات وآلاف التغريدات من ضمن حملة منظّمة كان هدفها التسويق للفيلم باعتباره “يكشف حقيقة النظام السعودي”، لكن تبيّن أنّه فيلم عاديّ، مملّ بسبب طول مدّته (3 ساعات تقريباً). وهي تترافق مع حملة من نوع آخر تستهدف دول الاعتدال العربي، عبر الشتائم والتخوين على مواقع التواصل الاجتماعي.

في أوساط متابعي السينما بالعالم العربي، وحتّى في اللغات المحكيّة المشرقية والمغربية والخليجية، حين يُقال “فيلم هندي” يكون المقصود أنّ الحكاية فيها الكثير من المبالغة والكذب

ما الهدف من الفيلم؟

كان الهدف من الفيلم حرف الأنظار عن كلّ النجاحات والتطوّرات التي شهدتها المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، خصوصاً منع رجال الدين من التدخّل في شؤون المواطنين، والسماح للمرأة بحرّيّات كثيرة، سواء في العمل والتنقّل والاختلاط، كانت مستحيلة وممنوعة سابقاً، وانفتاح المجتمع السعودي على الفرح والفنون والآداب… وذلك بهدف تشويه صورة المملكة وتصويرها على أنّها صحراء فقط، كما يرينا الفيلم في ساعاته الثلاث، صحراء مليئة بالرجال الخاطفين الجلفين المجرمين الخالية قلوبهم من الرحمة، الذين يستعبدون الهندي بطل الفيلم وزميله، خصوصاً أنّ الفيلم المشغول بصريّاً بحرفة كبيرة تقوم حبكته الدرامية على حكاية الاختطاف في صحراء بعيدة عن المدن والأرياف وحتّى عن البدو المقيمين في الصحراء. والخاطف يعيش وحيداً مع المخطوف. وبالتالي لا وجود لـ”المجتمع” السعودي ولا وجود لـ”المدينة” السعودية، ولا وجود لكلّ أشكال المشاهد الاجتماعية.

BBC على الخطّ: اتّهامات سياسيّة

يصير المشهد أكثر وضوحاً حين تنشر BBC في أسبوع إطلاق هذا الفيلم، فيلماً آخر تقول إنّه “وثائقي”، بعنوان “The Kingdom: The World’s Most Powerful Prince”، أو “المملكة: أقوى أمير في العالم”. وهو فيلم يتناول جانباً آخر أكثر مباشرةً. إذ يتّهم وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشتّى الاتّهامات السياسية، لكن مع وجوه مكشوفة ومصادر مكتومة.

لتكتمل نظرية “العدوان الثلاثي”، كان لا بدّ من توزيع فيلم “وثائقي” فرنسي قديم، عمره 4 سنوات، بعنوان “محمد بن سلمان أمير المملكة العربية السعودية”

“المصادر” يستند إليها المشاركون في الفيلم باعتبارها “موثوقة” و”مؤكّدة” و”عليمة”، وعلى أساس أنّ “BBC تحدّثت إلى عدد من المسؤولين السعوديين”، على طريقة الصحافة في بلدان العالم الثالث. أمّا الوجوه المكشوفة فهي لشخصيات بريطانية، لا علاقة لها بالحكم في المملكة، أو لصحافيين مثل “إياد البغدادي”، مع التعريف به بأنّه “صحافي استقصائي”، باستثناء معارِض سعودي مطلوب إلى القضاء، كان مستشاراً في وزارة الداخلية، وسبق أن هاجم السعودية مراراً على شاشات غربية.

تجديد توزيع فيلم فرنسيّ

لتكتمل نظرية “العدوان الثلاثي”، كان لا بدّ من توزيع فيلم “وثائقي” فرنسي قديم، عمره 4 سنوات، بعنوان “محمد بن سلمان أمير المملكة العربية السعودية”، كان نشر في عام 2020، ويتضمّن اتّهامات مشابهة، ومحاولات تشويه مشابهة لتلك التي يحاولها الفيلم البريطاني، وذلك الهندي.

يأتي هذا في سياق ضرب صورة المملكة التي تشترط قيام “الدولة الفلسطينية” للتطبيع مع إسرائيل، والتي وسّعت اقتصادها ونفوذها، وأقامت للمرّة الأولى في تاريخها توازناً على صعيد العلاقات الدولية بين الشرق والغرب، فانفتحت على الصين وأقامت شراكة مع روسيا، ولعبت دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا من دون استعداء أميركا.

السعودية قادرة على المواجهة، خصوصاً بأدواتها الإعلامية وقوّتها في عالم الفنّ وصناعة الدراما والسينما، وعبر منصّاتها الكثيرة، وأبرزها “شاهد”

السّعوديّة تدفع ثمن فلسطين

بالتالي تجد المملكة نفسها أمام حرب سياسية وإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي صحف ومواقع غربية وعربية، هدفها تشويه إنجازاتها أمام الرأي العام العالمي والعربي. وأهمّها:

  • موقف متّزن في علاقات المملكة الدولية بين الشرق والغرب.
  • تحسين العلاقة مع روسيا والصين والإستعداد للدخول إلى مجموعة بريكس.
  • رفض الإنسياق خلف سياسة يُراد رسمها وفقاً لمصالح غير سعودية تتصل بأسعار النفط والموقف الذي اتخذته السعودية في منظمة أوبك بلس.
  • إصرار السعودية وتمسكها بحلّ الدولتين وبالتالي حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
  • التمسك بقيام الدولة الفلسطينية هو قرار لم تتراجع عنه السعودية على الرغم من كلّ الضغوط والإجراءات، وهو يتعزّز بموقف سعودي وعربي جامع رافض للمشروع الإسرائيلي في تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار.
  • إصرار السعودية على تأجيل أيّ اتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية أو اتفاق مع إسرائيل، إلى ما بعد ضمان الحصول على موقف وتعهّد وإقرار رسمي بالإلتزام بإقامة “حلّ الدولتين”.

كان لا بدّ من حملة إعلامية ضخمة للتسويق لفيلم هندي يحاول الاعتداء على المملكة العربية السعودية من خلال تصوير نظام الكفالة على أنّه نظام عبودية واسترقاق

  • على الرغم من كلّ الإغراءات الأميركية والموافقة على كلّ الشروط التي تقدمت بها السعودية للولوج إلى توقيع الإتفاق الإستراتيجي بين الجانبين، إلا أنّ السعودية تربط التوقيع بالوصول إلى حلّ حول القضية الفلسطينية.

لكنّ السعودية قادرة على المواجهة، خصوصاً بأدواتها الإعلامية وقوّتها في عالم الفنّ وصناعة الدراما والسينما، وعبر منصّاتها الكثيرة، وأبرزها “شاهد” وغيرها من الهيئات المعنية، التي غيّرت وجه المملكة ونقلتها إلى مرحلة متقدّمة على صعيد إنتاج الفنون.

إقرأ أيضاً: ميليشيات إيران: ضرب تل أبيب… والسّعوديّة

كلّ هذه الحملات بدأ تحضيرها وجرى تنفيذها ويتمّ تسويقها في لحظة إصرار المملكة وأميرها الشابّ على “دولة فلسطينية”، وهو موقف صلب لا تراجع عنه. وها هي الأقلام والأفلام التي تحاول أن تجعل الأمير محمد يدفع ثمن التمسّك بهذا الموقف في زمن المجزرة الإسرائيلية بحقّ غزّة وأهلها، وفي زمن محاولة قضم الضفة الغربية بالمستوطنات لقتل الدولة الفلسطينية قبل أن تُولَد.

لمتابعة الكاتب على X:

@mdbarakat

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…