تأرجح لبنان أمس على حافة حرب حقيقية في اليوم العسكري الأعنف منذ إطلاق الحزب حرب إسناد غزة في الثامن من تشرين الأول الماضي. عدّة محاذير سقطت فجر 25 آب وما تلاه من تطوّرات تلت ردّ الحزب على اغتيال قائدها العسكري فؤاد شكر ومعمعة “الضربة الاستباقية” الإسرائيلية، لكنّ اللعبة بقيت ضمن “حدود المسموح” ولم تخرج عن إطار كان يرسم بدقّة أكبر على طاولات مفاوضات هدنة غزة في القاهرة مروراً بالدوحة وصولاً إلى واشنطن و”حربها الرئاسيّة“.
بين الاجتماع الأمنيّ المصغّر والاجتماع الطارئ للحكومة الإسرائيلية والاجتماع الطارئ للّجنة الوزارية في منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “مع دعوة لمن تَسمَح ظروفه بالحضور”، ارتسمت بروفا صغيرة من مشهد حرب لم يحن أوانها بعد على الرغم من إعلان حالة الطوارئ لمدّة 48 ساعة في كيان الاحتلال وإلغاء عشرات شركات الطيران رحلاتها إلى مطار بن غوريون وحديث الجيش الإسرائيلي عن عملية “مركّبة ومركّزة في جنوب لبنان” وفرض قيود صارمة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من منطقة الحدود حتى منطقة غوش دان في الوسط وتل أبيب، وفق تأكيدات الإعلام الإسرائيلي.
ميقاتي على خطّ النّار
لبنان المحروم من الكهرباء والمياه بحثت حكومته أمس الخدمات الطارئة على الصعد الصحّية والإيوائيّة والتموينية والغذائية والمحروقات وجهوزية خلايا الطوارئ ونتائج الاتصالات مع المنظّمات المعنية بتنفيذ خطّة الطوارئ، فيما اكتفى ميقاتي بطمأنة اللبنانيين إلى “إجرائه اتّصالات مع أصدقاء لبنان لوقف التصعيد” مع تأكيد أولويّة “وقف العدوان الإسرائيلي أوّلاً ثمّ تطبيق القرار 1701”.
وفيما كانت الحكومة اللبنانية طوال الأسابيع الماضية “على أعصابها” مخافة وقوع المحظور وانفلاش رقعة الحرب في الوقت الذي تعاني فيه من أزمة كهرباء ومياه خانقة ورعب من عدم إقدام المجتمع الدولي حتى الآن على تقديم ما يفترض من “سلفات” ماليّة على الحساب تقي لبنان من تداعيات حرب قد لا يكون أحد قادراً على توقّع تبعاتها على بلد منهار أصلاً، بدت لافتةً الإجراءات الاستثنائية التي اتّخذها الجيش قبل يومين تحسّباً لأيّ طارئ.
علم “أساس” من مصدر رسمي، إصدار قيادة الجيش قراراً يوقف منح المأذونيّات السنوية إلى خارج البلاد للعسكريين كافّة
من ضمن هذه الإجراءات، كما علم “أساس” من مصدر رسمي، إصدار قيادة الجيش قراراً يوقف منح المأذونيّات السنوية إلى خارج البلاد للعسكريين كافّة “نظراً للوضع الأمنيّ والاقتصادي الراهن”، كما جاء في البرقية، حيث تعتبر كلّ المأذونيّات السنوية إلى الخارج الموقّعة بحكم الملغاة، مع منع رفع طلب بأيّ مأذونية حتّى إشعار آخر. مع العلم أنّ مركزاً للجيش في علما الشعب تمّ استهدافه أمس بقذيفتين من دون وقوع إصابات.
في الإطار نفسه، سَرَت تسريبات ليل السبت في الضاحية عن نصائح بتوخّي الحذر وإذا أمكن المغادرة، غير أنّ المعطيات الأمنيّة لم تسجّل حالات مغادرة جماعية من داخل المربّع الأمنيّ للحزب.
“فجر الرّدّ” بين حدّين
أعلن الحزب بداية عن “الانتهاء بنجاح كامل من المرحلة الأولى للردّ على اغتيال شكر”، ثمّ بادر الجانب الإسرائيلي إلى الإعلان عن انتهاء عمليّاته العسكرية (استمرّ القصف على المناطق الحدودية) وتوجّه وفد العدوّ إلى القاهرة للمشاركة في مفاوضات الهدنة.
فعليّاً، تراوحت معادلة “فجر الردّ” أمس بين حدّين:
1- تأكيد العدوّ الإسرائيلي نجاحه في اعتراض الأهداف المعادية التي انطلقت من جنوب لبنان و”تسويقه” للضربة الاستباقية وتطويقه المنطقة الحدودية الجنوبية وعمقها بزنّار ناريّ لم يصل إلى الضاحية ولا مثيل له منذ انطلاق العمليات العسكرية. الأهمّ حديث الإعلام الإسرائيلي عن محاولة الحزب استهداف مقرّ الموساد ووحدة 8200 الاستخبارية شمال تل أبيب وإحباطه هذه المحاولة وتكبير حجر الاستهداف الإسرائيلي لمنصّات صواريخ الحزب وتدمير آلاف الصواريخ العائدة للمقاومة، وهو ما شكّل محطّ سخرية أمس لدى بيئة المقاومة، فيما بقي “سرّ” المواقع الحسّاسة والنوعية التي يفترض أنّ الحزب قد استهدفها قائماً إلى حين أوان خطاب الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله.
برأي مصادر قريبة من الحزب، نجاح الردّ الأوّلي للحزب الذي تخلّله هجوم جوّي بعدد كبير من المسيّرات نحو العمق الإسرائيلي
لاحقاً أكّد نصرالله في كلمته أنّ الهدف النوعي “هو قاعدة الإستخبارات العسكرية أمان ووحدة 8200 في غليلوت قرب تل أبيب”، وشدّد على أن “العدو لم يكن يمتلك أي معلومات إستخبارية وغاراته التي سبقت العمل بساعة كان نتيجة الحركة الطبيعية للمجاهدين”. وكان لافتاً قوله: “إذا كانت النتيجة مرضية وتحقّق الهدف المقصود فنحن سنعتبر أنّ عملية الردّ إنتهت وفي المرحلة الحالية لبنان يمكنه أن يرتاح”!.
2- إعلان الحزب إتمام المرحلة الأولى من الردّ، وهو ما يعني إبقاء دفتر الحساب مفتوحاً مع الإسرائيلي على ردود مقبلة محكومة على الأرجح بسقف ومآل التفاوض حول هدنة غزة وبالردّ الإيراني الذي لم يحصل بعد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية.
إقرأ أيضاً: الحكومة مجدّداً أمام فخّ التّعيين والتّمديد!
بيانات الحزب الثلاثة و”التفخيت” بالضربة الإسرائيلية الاستباقية وإعلان المقاومة وقوفها “بقوّة وبالمرصاد لأيّ تجاوز أو اعتداء صهيوني، وبالأخصّ إذا تمّ المسّ بالمدنيين حيث سيكون العقاب شديداً وقاسياً جداً”، هي عوامل أكّدت، برأي مصادر قريبة من الحزب، نجاح الردّ الأوّلي للحزب الذي تخلّله هجوم جوّي بعدد كبير من المسيّرات نحو العمق الإسرائيلي وباتّجاه هدف عسكري “نوعي” وضربات طالت مواقع عسكرية وثكنات ومنصّات القبّة الحديدية، وصولاً إلى استهداف زورق إسرائيلي قبالة نهاريا ومقتل جندي إسرائيلي، وقد تمّ التداول بمقطع فيديو عنه.
لمتابعة الكاتب على X: