خامنئي والسيّد: الوقوف على الأطلال بين إيران ولبنان!

مدة القراءة 7 د

محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق، الذي تحمّس للرئيس الإصلاحي الجديد، ما لبث أن استقال من منصبه الاستشاري، مع اشتداد قلقه من المخاطر التي تتعرّض لها إيران في هذا الظرف بالذات. كذلك تبدو الهواجس المتغيّرة لكلٍ من خامنئي ونصر الله بشأن الردّ على الاستفزازات الإسرائيلية: فهل تكون هناك شجاعة للمراجعة وإعادة النظر في السياسات والخيارات أم يبقى الأمر وقوفاً على الأطلال؟

 

ما تزال الصحف الإيرانية ووسائل التواصل تتابع الجدال بشأن محمد جواد ظريف وآرائه في السياسات الخارجية والداخلية. كان ظريف وزيراً للخارجية الإيرانية لأكثر من ثماني سنوات، وفي عهده أُنجز الاتفاق النووي عام 2015. يسمّيه المحافظون مع زملاء له “فتيان نيويورك” لاتّهامهم لهم بتفضيل الانفتاح على أميركا والغرب. وقد تعطّل أيام رئيسي، ثمّ نشط في حملة بزشكيان الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ومكافأةً له عيّنه الرئيس الجديد مستشاراً له للشؤون الاستراتيجية. لكنّه ما لبث أن استقال بعدما أعلن بزشكيان أعضاء حكومته الذين سيعرضهم على البرلمان. وأخذ ظريف على الحكومة الجديدة أو على الرئيس بزشكيان أنّه لم ينصف الشبّان والمرأة والأقليّات في حكومته.

الميليشيات لا تُسمن ولا تغُني من جوع

يرى ظريف أنّ هذا الجهد المادّي والسياسي الذي بذلته إيران في تكوين ميليشيات في البلاد العربية لا يُسْمن ولا يُغني من جوع، وأنّه إذا كان المراد بذلك تخويف العرب والغرب أو ابتزازهم، فالأفضل اللجوء إلى الحوار مباشرة رجاء التفاهم. الغرب يرغب في ذلك وعلى رأسه الأميركيون. بل إنّ بعض الميليشيات المتأيرنة طوّرت علاقات تبادل للأفكار والمقترحات مع السلطات الجديدة وسائر الأميركيين. وخلاصة رأي ظريف أنّ الشعب الإيراني لا ينبغي أن يفقد الثقة بسلطاته، وعليها لاستمرار الثقة أن تهتمّ بالاحتياجات الوطنية للشعب، وأن تدع الاهتمام بجمع الميليشيات وتمويلها. وإذا كان الاهتمام بالقضية الفلسطينية واجباً فالإيرانيون ليسوا أَولى من العرب بذلك. والتعاون لهذه الجهة ممكن ومرغوب. أمّا الجهود في الجهات والميادين الأخرى فقد ضربت الدول، وجعلت الشعوب كارهةً للجمهورية الإسلامية باستثناء العقائديين المستفيدين.

 كان ظريف وزيراً للخارجية الإيرانية لأكثر من ثماني سنوات، وفي عهده أُنجز الاتفاق النووي عام 2015. يسمّيه المحافظون مع زملاء له “فتيان نيويورك”

آراء ظريف لهذه الجهة قديمة، وقد دار مراراً في السنوات الأخيرة جدالٌ بينه وبين أنصار الحرس الثوري، ونواب محافظين في البرلمان. لكنّه بعد الغياب المفاجئ لرئيس الجمهورية السابق رئيسي، وفي ظلّ الحرب المأساوية على غزة. رأى ضرورة التغيير الفوري في السياسات الإيرانية تجاه المنطقة، والسبيل (المشروع) لذلك العمل على انتخاب رئيس إصلاحي يغيّر في السياسات بموافقة المرشد بالطبع. فالتحدّي بين إسرائيل وحماس تطوّر إلى تحدٍّ بين إسرائيل وإيران، بعد تدخّل الحزب المحسوب على إيران والميليشيات الأخرى، وبعد تبادل الضربات التي لم يحصل مثلها خلال السنوات الأخيرة.

تجنّب الصّدام مع الحرس

ظريف والمعسكر الإصلاحي الذي ينتمي إليه لا يتحدّثون في العادة كثيراً في السياسات الخارجية حتى لا يصطدموا بالحرس الثوري وأنصاره. ويأخذون في الاعتبار أنّ رئيس الجمهورية ليست له الكلمة الأولى في السياسات الاستراتيجية. لكنّهم هذه المرّة، وقد تصاعدت الأخطار على إيران إذ حشدت أميركا وراء إسرائيل. اضطرّوا إلى الكلام في جدوى تربية الميليشيات وتصديع دول الجوار، وتعريض الأمن الإيراني للخطر.

بالفعل هذه المرّة ليست ككلّ مرّة. فقد خسرت حماس كثيراً جداً، وكذلك الحزب في لبنان. وقد كانت حسابات إيران والميليشيات أن تلجأ الولايات المتحدة (وإسرائيل) إلى السياسات المعتادة للاحتواء والاستيعاب. ولو تُرك الأمر للأميركيين لربّما صار معهم ما صار عام 2006: حرب محدودة، وانتصار إلهيّ. هذه المرّة كان نتنياهو وما يزال هو صاحب القرار، وقد وجدها فرصة هو ويمينيّو حكومته أن يقضوا على حماس، وأن يستديروا للقضاء على الحزب أو إضعافه على الأقلّ. وقد عرّض نتنياهو وعسكريّوه وأمنيّون خلال الشهور الماضية الحزب وإيران لاختبارات مثيرة وشديدة الإزعاج. وازدادوا جرأةً عندما تردّدت إيران وتردّد الحزب في الردّ على الاستثارات: اغتيال القائد العسكري للحزب في الضاحية، واغتيال إسماعيل هنية في طهران.

ظريف والمعسكر الإصلاحي الذي ينتمي إليه لا يتحدّثون في العادة كثيراً في السياسات الخارجية حتى لا يصطدموا بالحرس الثوري وأنصاره

خامنئي طلب أوّلاً الردّ الفوري، وحسن نصر الله رأى ضرورة ذلك من أجل الكرامة والشرف. ويبدو أنّه عوتب لأنّه لم يراعِ ظروف إيران، فقال في خطابه الثاني إنّه ليس من الضروري أن تشنّ إيران الحرب دائماً، وهو يستطيع أن يردّ!

ظريف

إنّما بالموازين العسكرية، وبعد تجارب الشهور الماضية، فإنّ ظروفه لا تختلف عن ظروف إيران وربّما تكون أصعب أمام التفوّق الإسرائيلي والتهديدات الأميركية المستمرّة من خلال هوكستين في البرّ، والأساطيل وحاملات الطائرات والغوّاصات في البحر. فإضافةً إلى التبادل اليومي للنار مع العدوّ الذي كلّف مئات القتلى وعشرات ألوف المهجَّرين، عرض مشاهد استكشافية للقواعد الإسرائيلية التي يستطيع ضربها بالصواريخ (= الهدهد). وعندما لم يكفِ ذلك لإخافة العدوّ. عرض مشاهد مذهلة للأنفاق الهائلة التي يمتلكها في أعماق الأرض، وليس في الجنوب فقط، والتي يمكن منها إطلاق الصواريخ وتسيير المسيّرات، والصمود في وجه الهجمات. الإسرائيليون متفوّقون في الطيران وفي المدفعية وفي الاستخبارات. وبعدما جرّبوا ما حصل ويحصل في غزة مع الأنفاق، لن يعودوا لتجربة الحرب البرّية في جنوب لبنان. وبالطبع سيوهم الإعلام كم ارتعبوا بعد صُوَر الأنفاق، مثلما ارتعبوا بعد صُوَر الهدهد(!) إنّما لا هذا ولا ذاك يؤثّر في تفوّقهم العسكري.

على ماذا تراهن إيران والحزب؟

لدى إيران والحزب أملان: أن يتوقّف إطلاق النار في غزة، فيذهبوا إلى حصول مبادلة بينهم وبين أميركا وإسرائيل، ويكونوا هم الذين أثّروا في وقف القتال، أو أن يقبل الحزب رجاءات الأميركيين والأوروبيين بالفصل بين الجنوب وحرب غزة.

إن لم يحصل هذا أو ذاك لا يبقى لإيران والحزب إلّا البكاء على الأطلال: أطلال الردع، وأطلال التحرير، وأطلال تدمير إسرائيل.

خامنئي طلب أوّلاً الردّ الفوري، وحسن نصر الله رأى ضرورة ذلك من أجل الكرامة والشرف. ويبدو أنّه عوتب لأنّه لم يراعِ ظروف إيران

خواطر كثيرة انتابت زعيم الحزب وقد تردّد أمام الدمار والتدمير: مرّة راوده الانتظار إلى أجل غير مسمّى، ومرّة أن لا تتحمّل إيران المسؤولية، ومرّة أن لا يتحمّل الحزب المسؤولية وحده، ومرّة أن يتحرّك العرب بدلاً من السكوت على إسرائيل.

هي أمورٌ كلُّها ما كانت واردةً من قبل. لكنّها صارت واردة عندما رفضت إسرائيل التنازل حتى لو مات كلّ الأسرى لدى حماس. فإلى أين يمكن اللجوء؟ إلى قواعد الاشتباك أم إلى مسؤولية أولئك الذين شنّوا الحرب، والحزب وإيران ليسوا منهم؟

إقرأ أيضاً: اليوم التّالي: ماذا سيحدث لدى إسرائيل وإيران؟

البكاء على الأطلال يعني العودة للذكريات العزيزة، كما يعني الندم، وإذا كان جدّياً فيعني المراجعة وإعادة النظر. لبنان ودمار شعبه ليسا في الحساب. إنّما في الحساب عظمة الحزب وانتصاريّته التي لا يمكن الدفاع عنها بعد الشهور العشرة. إنّما المطلوب من اللبنانيين أن لا يطعنوا في الظهر! لا يبقى غير البكاء على الأطلال، ولات ساعة مندم!

 

لمتابعة الكاتب على X:

@RidwanAlsayyid

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…