تطويع من دون مال: “تسليفة” من ميقاتي لعواصم القرار

مدة القراءة 5 د

شهدت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الترجمة الأولى لالتزام حكومة نجيب ميقاتي بدفتر شروط “اليوم التالي” بعد انتهاء حرب غزة العسكرية، وذلك عبر الموافقة المبدئية على بند تطويع 1,500 عسكري يشكّل المرحلة الأولى، بعد مرحلة الصفر، من الخطّة الخمسيّة التي قدّمتها قيادة الجيش.

رَبَط رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بشكل محكم بين قرار الحكومة بالتطويع و”ازدياد الضغوط الدولية وتزايد عدد زيارات الموفدين الدوليين المطالبة بتنفيذ التزامات لبنان الدولية، لا سيّما تلك المتعلّقة بالتطبيق الشامل للقرار 1701 بمندرجاته كافّة”. ويشكّل هذا الواقع رسالة تطمين من ميقاتي لعواصم القرار المعنية بالوضع جنوباً إلى أنّ “الجيش جاهز لمهمّة الانتشار في جنوب الليطاني وتأمين الاستقرار الأمنيّ جنوباً”.

أضاء مَحضَر مجلس الوزراء في شأن قرار التطويع على “الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي أرخت بظلالها على المؤسّسة العسكرية ففقدت عدداً لا يستهان به من عديدها، وهو ما انعكس سلباً على جهوزية المؤسّسة العملانية واضطرارها منذ عام 2014 إلى التخفيف من وجودها في المناطق الجنوبية لمواجهة التحدّيات الأخرى المستجدّة في حينه كمحاربة الإرهاب وتأمين الحدود البرّية والبحريّة ومواجهة تبعات النزوح السوري”.

شهدت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الترجمة الأولى لالتزام حكومة نجيب ميقاتي بدفتر شروط “اليوم التالي” بعد انتهاء حرب غزة العسكرية

كما أشار ميقاتي في محضر الجلسة إلى “خطّة وضعتها قيادة الجيش في ظل تطوّر الأحداث في غزة والجنوب لتعزيز قدرات وحداتها المنتشرة في الجنوب ومساعدة المواطنين الجنوبيين على العودة إلى قراهم ودعم نشاطات إصلاح البنية الحيوية ومؤازرة مختلف أجهزة الدولة وزيادة التنسيق والتعاون مع قوات اليونيفيل لتطبيق القرار 1701 بكلّ مندرجاته”.

في الواقع، تعتبر الموافقة المبدئية لمجلس الوزراء على قرار تطويع 1,500 عنصر في الجيش اللبناني ترجمة للمرحلة الأولى المشروطة بالموافقة السياسية عليها “وتقوم على استدعاء أوّل دفعة من المتطوّعين (حدّدتها الخطّة بألفَي عنصر لكنّ الحكومة أقرّت تطويع 1,500) وتجهيزهم وتدريبهم مع بدء استقبال الأعتدة والتجهيزات من الدول المانحة وبدء استقبال طلبات التطويع للدفعة الثانية”.

أمّا المرحلة الثانية، وفق خطّة قيادة الجيش، فتنطلق بعد إلحاق الدفعة الأولى من المتطوّعين بالوحدات المنتشرة في الجنوب. ثمّ تبدأ المرحلة الثالثة بعد إلحاق الدفعة الثانية من المتطوّعين بالوحدات المنتشرة في الجنوب. فيما ترتكز المرحلة الرابعة على تقويم ما تمّ تنفيذه ووضع الخطط لاستدراك الحاجات المستقبلية.

أشار ميقاتي في محضر الجلسة إلى “خطّة وضعتها قيادة الجيش في ظل تطوّر الأحداث في غزة والجنوب لتعزيز قدرات وحداتها المنتشرة في الجنوب

لم يكن قرار الحكومة عاديّاً في ظلّ الوضع الراهن والضبابية التي تلفّ التسوية في المنطقة والأسئلة الكبيرة التي تطرح حول دور الجيش في مرحلة ما بعد غزة. كما يمكن الإضاءة على عدّة معطيات أحاطت بموافقة الحكومة على تطويع 1,500 عنصر من أصل ستّة آلاف:

– تجنّب الرئيس ميقاتي الغوص في الكلفة المالية للتطويع على خمس مراحل والتي تقدّرها قيادة الجيش بمليار دولار. وفق المعلومات، لم تلتزم أيّ من الدول المانحة حتى الآن بتقديم دعم مالي مرتبط بالتطويع، فيما ينصبّ رهان الحكومة حالياً على تضمين موازنة 2025 الاعتمادات المالية لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة الخمسية. مع العلم أنّ وزير المال يوسف خليل أعلن التزامه تقديم الموازنة في مواعيدها الدستورية.

– لم تلحظ خطّة قيادة الجيش أيّ دور لوزارة الدفاع فيها مع العلم أنّ العماد جوزف عون أطلع الوزير عليها في اللقاء الذي جمعهما في 7 آب، لكنّ مصادر وزارية تشير إلى أنّ ترجمة الخطّة تحتاج حتماً إلى توقيع الوزير وتلبية وزير المال لطلب فتح الاعتمادات.

تجنّب الرئيس ميقاتي الغوص في الكلفة المالية للتطويع على خمس مراحل والتي تقدّرها قيادة الجيش بمليار دولار

– صحيح أنّ ميقاتي رَبَط بشكل وثيق بين التطويع وتنفيذ القرار 1701 بكلّ مندرجاته، لكنّ خطوة التطويع بمرحلتها الأولى التي كان لافتاً إرفاق تنفيذها بعبارة “الحصول على الموافقة السياسية”، تبدو حتى الآن منفصلة بشكل كامل عن المشهد الأمني-السياسي في الجنوب وحدود الدور العسكري “المسموح” به للجيش في جنوب الليطاني بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، والأهمّ “وضعية” الحزب في ضوء تسوية غزة والضغط الدولي على الجيش للقيام بدوره في البقعة الحدودية الجنوبية. يأتي ذلك في ظلّ تمسّك رسمي يعكسه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة في شأن إلزامية تطبيق القرار 1701 دون الحاجة إلى قرار دولي آخر، فيما ورقة الحزب لا تزال محجوبة بالكامل إلى حين أوان التفاوض الجدّي بعد نهاية الحرب.

إقرأ أيضاً: كنعان… “أنا صار لازم ودّعكم”

– يترافق قرار التطويع وكلّ مستلزماته المالية واللوجستية والغطاء السياسي الممنوح له راهناً مع استحقاقٍ أساسي يَقترب موعده تدريجاً، وهو نهاية الولاية الممدّدة لقائد الجيش بعد أربعة أشهر وعدم حسم الوضعية القانونية لرئيس الأركان التي جعلت قرار تعيينه بقرار وزاريّ، من دون مرسوم، معلّقاً حتى إشعار آخر. فمن سيُشرِف على مراحل التطويع، قائد الجيش الحالي أم رئيس الأركان أم قائد جيش أصيل يعيّن في مجلس الوزراء؟

 

لمتابعة الكاتب على X:

@MalakAkil

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…