تتوسّع دائرة التشقّق داخل “التيار الوطني الحرّ” مع توالي الخارجين من “البيئة الباسيليّة” بقرارات فصل أو بالخروج الطوعيّ بعد تكريس حالة من التمرّد على قرارات رئيس التيار. مؤتمر “لمّ الشمل” الذي دعا إليه أمس النائب إبراهيم كنعان مقترحاً “التراجع عن قرارات الإقالات والاستقالات والإحالات المسلكية ووقف الحملات الإعلامية بين أبناء البيت الواحد وإعطاء مهلة أسبوع لحلّ إشكالية الالتزام داخل التيار”، شكّل برأي كثيرين الخطوة ما قبل الأخيرة الفاصلة عن قرار خروج كنعان نفسه من “التيّار”… وذلك لصعوبة لملمة “فتافيت” الجرّة التي انكسرت بين جبران باسيل ومعارضيه.
اصطدمت مبادرة نائب المتن إبراهيم كنعان قبل أن تُكشَف إعلاميّاً بموقف صدر ليل الثلاثاء عن الهيئة السياسية للتيّار جرى فيه التأكيد على أنّ “الالتزام الحزبي بنظام التيّار هو أساس الانتماء، وبالتالي لا حاجة إلى وساطات أو مبادرات من خارج الانتظام العامّ، والمقبول فقط الالتزام بسياسة التيّار وبالنظام الداخلي وأصول العمل من ضمنه”. حتى كنعان نفسه قال في مؤتمره: “بعد كلّ ما حدث أصبحت مُلزماً بأن أطلّ على الرأي العامّ والقاعدة الحزبية والمناصرين بطريقة واضحة ومختصرة على الرغم من توجيه المدفعية تجاهي حتّى قبل أن أتكلّم. فيا جماعة الخير انطروا شو بدّي قول”.
ردّ سريع من باسيل
قال كنعان ما قاله في المؤتمر فجاء الاعتراض الباسيلي أكثر حدّة وتُرجِم في بيان اللجنة المركزية للإعلام في “التيّار” الذي اتّهم نائب المتن “بالقيام بحركة استعراضية فيما كان الأجدى به القيام بمسعى جدّي حول لمّ الشمل داخل أروقة التيار المفتوحة للنقاش، كما كان الأحرى به أن يكون مثالاً للالتزام بالأنظمة الحزبية وبسياسة التيار، وليس محرّكاً لحالة سياسية خارجة عن النظام والأصول”.
كما دعا البيان كنعان إلى “الالتزام والانضباط داخل التيّار لأنه على دراية تامّة بالإجراء القائم داخله بما يتعلّق بوجوده داخل الهيئة السياسية وداخل المجلس السياسي، وقد أصبح خارجه” .
يُذكر أنّ قراراً صدر عن قيادة التيّار بتعليق عضوية كنعان في المجلس السياسي بسبب مقاطعته لاجتماعاته، فيما يُظهر مسار الأمور أنّ قراراً آخر سيصدر بتعليق عضويته أيضاً في الهيئة السياسية عند تسجيل غيابه لثلاث مرات متتالية من دون تقديم عذر، وذلك استناداً إلى مضمون تعميم أصدره باسيل مؤخراً وبدا مفصّلاً على قياس النواب المعارضين داخل التيّار تمهيداً لفصلهم من الحزب.
تتوسّع دائرة التشقّق داخل “التيار الوطني الحرّ” مع توالي الخارجين من “البيئة الباسيليّة” بقرارات فصل أو بالخروج الطوعيّ بعد تكريس حالة من التمرّد على قرارات رئيس التيار
الأهم أنّ بيان الهيئة السياسية “بما أظهره التيّار لجهة تماسك القاعدة التيّاريّة وتضامنها في مواجهة مؤامرة ضرب التيّار من الداخل خدمةً لأهداف لم تَعُد خافية على أحد”.
هو اتّهام خطير لنواب أمثال آلان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا وزياد أسود بالتحضير لمؤامرة في ظلّ وجود الرئيس المؤسّس، فيما شكّل هؤلاء مع كثيرين ممّن تركوا التيّار، خصوصاً من رفاق السلاح الضبّاط الذين خدموا مع أو إلى جانب ميشال عون، النواة الأولى للتيّار، إلى جانب نعيم عون ورمزي كنج وإيلي بيطار وطوني نصرالله وكثيرين…
لا مؤامرة.. لا خيانة
على الرغم من ذلك أصرّ كنعان على عقد مؤتمره الصحافي مقدّماً مقاربة تصالحيّة لرأب الصدع الكبير الذي ضرب التيّار من الداخل عبر الدعوة إلى “الحفاظ على دور التيّار ووحدته وثقله النيابي”، نافياً الاتّهامات الموجّهة لنواب المعارضة بالتآمر والتخوين، حيث قال: “أنا وزملائي ثوابتنا وطنية وسيادية وإصلاحية، وكلّ كلام آخر هو محاولة خبيثة من قبل البعض لاستغلال الوضع الداخلي الحالي والاصطياد في الماء العكر”.
كما أشار كنعان إلى أنّ “أحداً لم يخرج من التيّار إراديّاً، أكان فصلاً أو استقالة، وكلّ الزملاء المعنيّين صرّحوا علناً أو عبر مراسلة القيادة بعدم رغبتهم بالانفصال”، داعياً “الجميع إلى العودة إلى المؤسّسة الحزبية والمشاركة في اجتماعاتها وعقد خلوة للتكتّل النيابي تضع الخطوط العريضة للأولويّات السياسية والوطنية”.
أصرّ كنعان على عقد مؤتمره الصحافي مقدّماً مقاربة تصالحيّة لرأب الصدع الكبير الذي ضرب التيّار من الداخل عبر الدعوة إلى “الحفاظ على دور التيّار ووحدته وثقله النيابي”
ضمن سياق المحاولة الأخيرة لدفع باسيل إلى تغيير نمط تعاطيه مع قيادات ونواب التيّار شدّد كنعان على ضرورة “الالتزام بنهج التيّار ومبادئه قبل أيّ أمر تقنيّ أو نظاميّ لأنّ المبادئ تعلو النُظم الإدارية، والالتزام بالقرارات الحزبية وفقاً لآلية ديمقراطية وشفّافة تتخطّى الشكليّات إلى المشاركة الفعليّة في اتّخاذ القرار”، مستعيناً بكلام البابا فرنسيس بأن “لا أحد يمكن أن يدّعي معرفة الطريق لوحده ولا أن يدّعي أنّه يعرف الهدف لوحده”.
مضبطة اتّهام بحقّ باسيل؟
فعليّاً، أضاء مؤتمر كنعان على نقاط أساسية:
1- في سياق مسعاه إلى لمّ الشمل مع تسليمه المُسبق بصعوبة تحقيقه “لا بل استحالته عند البعض”، شكّلت مبادرة كنعان بين سطورها مضبطة اتّهام كبيرة بحقّ جبران باسيل وأدائه داخل التيار. هي رسالة قاسية يُرجّح أن يواجهها باسيل لاحقاً بشطب إسم كنعان من الحزب، وذلك قبل أن يصدر القرار الرسمي بالفصل، هذا إذا لم يقوطب كنعان على باسيل. فمؤيّدو نائب المتن من داخل التيّار يجزمون: “سيعطي كنعان بعض الوقت لرصد أصداء مبادرته… بعدها سيدير ظهره ويقدّم استقالته”. بتأكيد كثيرين شكّلت الانتخابات النيابية الأخيرة جزءاً حاسماً من واقع الانفصال التدريجي عن التيار حين كانت الاتصالات تنهمر من القصر الجمهوري على رؤساء البلديات في المتن، بمباركة من عون وباسيل، من أجل التصويت لإدي معلوف عن المقعد الكاثوليكي بدلاً من كنعان. وهو الواقع نفسه الذي واجه سيمون أبي رميا بدعوة قيادة التيار محازبي قضاء جبيل إلى التصويت لوليد خوري، وكذلك الأمر مع زياد أسود في جزّين عبر الدعوة إلى التصويت لأمل أبو زيد.
أعاد كنعان التذكير بدوره الشخصي في إنقاذ باسيل عام 2015 “حين أخرجت التيّار من حالة الانقسام الحادّ، وهو ما أدّى إلى تزكية جبران لرئاسة الحزب”
2- أعاد كنعان التذكير بدوره الشخصي في إنقاذ باسيل عام 2015 “حين أخرجت التيّار من حالة الانقسام الحادّ، وهو ما أدّى إلى تزكية جبران لرئاسة الحزب”، ثمّ تذكيره ميشال عون نفسه بجهوده “للتوصّل إلى اتفاق مسيحي مع القوات اللبنانية، وهو ما أدّى إلى انتخاب عون رئيساً للجمهورية”.
3- إشارة كنعان إلى أنّ “القلق لدى قاعدة التيّار لا يُعالج بالتجاهل بل بالتفهّم والحوار والتواصل الهادئ”، معتبراً أنّ “النصوص يجب أن تتكيّف مع التطوّرات وفق ما يُساعِد ويُقرّب وليس ما يُعقّد ويُباعِد”. وهذا ما يشكّل انتقاداً مباشراً لباسيل وأدائه بالتفرّد بالقرارات داخل التيّار والتمسّك بشكليّات النصوص للانقضاض على أخصامه داخل الحزب.
4- تلويح كنعان باحتمال الذهاب نحو خيار تحالفات مُستجدّة على الساحة السياسية بعد الزلزال الذي ضرب التيّار عبر قوله: “أيّ محاولة لتشكيل تحالف وطني عريض مسيحي إسلامي مرحّب به بمعزل عن الانتماء الحزبي، لا بل المطلوب مشاركة كلّ الأحزاب في هذا المسعى”.
إقرأ أيضاً: باسيل يرفض تسلّم حسّان عودة قيادة الجيش
اليوم التّالي
في الوقائع، لا شيء يوازي أهمّية الخروج المدوّي لأكثر النواب رمزية في التيّار البرتقالي سوى السؤال البديهي عن “اليوم التالي” والمصير السياسي لنواب شكّلوا في السنوات الماضية العمود الفقري للحالة العونيّة في بعبدا والمتن وجبيل وجزّين.
كما بدت لافتةً في الفترة الماضية إعادة باسيل تحريك الهيئات والاجتماعات الحزبية وإغراق المحازبين بالخطاب التحشيدي والتحفيزي في مقابل الخواء النيابي الذي ضرب “تكتّل لبنان القويّ” الذي خسر بفترة قياسية أربعة من نوابه الحزبيين الأساسيين، والحديث مستمرّ عن نائب آخر، غير أسعد درغام، على طريق الخروج من التيّار.
لمتابعة الكاتب على X: