هل من دور فرنسي لمنع الحرب بين إسرائيل والحزب؟

2024-08-04

هل من دور فرنسي لمنع الحرب بين إسرائيل والحزب؟

كيف ستتفاعل إسرائيل مع ردود الحزب على الغارات الإسرائيلية؟ ألا يزال جيشها، الذي يعاني من ضغوط شديدة بسبب الحرب في غزة، يتمتّع بالقدرة على التعامل مع الحزب المجهّز والمستعدّ بشكل أفضل من حماس؟ وهل يمكن لتوازن الرعب أن يصمد في مواجهة الفوضى التي قد تنتج عن جبهة جديدة؟ وما الدور الذي قد تلعبه فرنسا والولايات المتحدة في منع التصعيد في لبنان؟ أسئلة أفاض في تحليلها جان لوب سمعان الباحث في معهد الشرق الأوسط من جامعة سنغافورة الوطنية.

جان لوب سمعان هو أيضاً باحث مشارك في “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية”. أجاب عن هذه الأسئلة في موقع “معهد مونتين”. وهو مؤسّسة بحثيّة مستقلّة غير ربحية مقرّها باريس. ويعتبر منصّة لطرح مقترحات السياسة العامة من أجل تشكيل المناقشات السياسية وصنع القرار في فرنسا وأوروبا. يقدّمها ممثّلون من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاصّ والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام الفرنسية.

سمعان عمل بين عامَي 2008 و2011 محلّلاً للسياسات في مديرية الشؤون الاستراتيجية في وزارة الدفاع الفرنسية ومستشاراً باحثاً في كلّية الدفاع التابعة لحلف الناتو (2011-2016)، وأستاذاً زائراً في الدراسات الاستراتيجية المنبثقة عن مركز الولايات المتحدة للشرق الأدنى وجنوب آسيا في كلّية الدفاع الوطني الإماراتية (2016-2021).

الهدوء النسبي الذي ساد بين إسرائيل والحزب قبل هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، لم يكن يعني أنّ الطرفين قد حلّا خلافاتهما

في رأيه: “لم يعد السؤال يتعلّق بما إذا كانت المواجهة الجديدة بين إسرائيل والحزب ستحدث، بل متى. قد يؤدّي التوصّل إلى وقف إطلاق النار في غزة، كما يطالب الحزب، إلى الحدّ من التوتّرات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. لكن من السذاجة أن نتصوّر أنّ كلا الطرفين سيعودان بشكل طبيعي إلى الوضع السابق. فالنزاع بين إسرائيل والحزب طويل الأمد ويتبع منطقه الخاص. وبالنسبة للعديد من صنّاع القرار السياسي والعسكري الإسرائيليّين، لم يعد من الممكن التسامح مع التهديد الذي يشكّله الحزب”.

وهو يشير إلى دور فرنسا في إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر: “ففرنسا هي الدولة الوحيدة التي تحافظ على قنوات الاتصال مع جميع الجهات الفاعلة المعنيّة، بما في ذلك الحزب. واحتمال اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل والحزب هو إحدى الأزمات الدولية الكبرى الأولى التي يتعيّن على الحكومة الفرنسية الجديدة إدارتها”.

تصعيد مستمرّ

وفقاً لسمعان، فإنّ “الهدوء النسبي الذي ساد بين إسرائيل والحزب قبل هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، لم يكن يعني أنّ الطرفين قد حلّا خلافاتهما. بل إنّ منطق الردع المتبادل هو الذي حال دون حدوث انفجار جديد. ذلك أنّ القادة الإسرائيليين، مثل قادة الحزب، لم يرغبوا في إعادة إحياء حرب 2006، وكانوا يدركون أنّ المواجهة الجديدة ستكون أسوأ من سابقتها. لكنّ 7 أكتوبر هزّ اليقينيّات على الجانبين. وعلى الرغم من تأكيد الحزب أنّه لا يريد حرباً أخرى مع إسرائيل، فإنّه الآن يمثّل معضلة أمنيّة عميقة للدولة العبرية. فالهجمات الصاروخية المتزايدة على شمال إسرائيل لم تؤدِّ فقط إلى تكثيف غارات جيش الدفاع الإسرائيلي على مواقع الحزب في جنوب لبنان فحسب، بل أدّت أيضاً إلى نزوح السكّان من الجانبين. وخلقت الاشتباكات ساحة معركة تمتدّ لنحو عشرين كيلومتراً على جانبي الحدود. حيث لم يعد بوسع المدنيين العيش هناك”.

يبدو أنّ اللبنانيين قد استسلموا لعجز دولتهم عن تغيير الوضع في ما يتعلّق بالحزب. وفي الوقت نفسه، كثّفت الولايات المتحدة وفرنسا جهودهما الدبلوماسية لإنهاء التصعيد

في رأي سمعان، “أصبحت إطالة أمد هذه الأزمة مسألة سياسية داخلية في إسرائيل: فالعديد من السكان الذين تمّ إجلاؤهم يشعرون بالاستياء من تخلّي حكومتهم عنهم ويشعرون بالقلق إزاء توقّف أطفالهم عن الدراسة. ويستمرّ هذا السخط بالتفاقم مع تزايد وتيرة وكثافة الهجمات على الجانبين بشكل كبير على مدى الأشهر الماضية. من ناحية أخرى، يبدو أنّ اللبنانيين قد استسلموا لعجز دولتهم عن تغيير الوضع في ما يتعلّق بالحزب. وفي الوقت نفسه، كثّفت الولايات المتحدة وفرنسا جهودهما الدبلوماسية لإنهاء التصعيد وإعادة نشر قوات الحزب شمال نهر الليطاني، وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي وضع نهاية لحرب عام 2006. على الورق، يبدو الهدف واقعياً. لكنّ الحكومة اللبنانية، المحاور الافتراضي للدبلوماسية الغربية، غير قادرة على فرض مثل هذه التدابير على الحزب. الذي يدّعي أنّ الشرط المسبق لأيّ مفاوضات هو وقف إطلاق النار في غزة. وهو الأمر الذي يرفض الإسرائيليون اعتباره عنصراً تفاوضياً على الجبهة اللبنانية. وفي مواجهة فشل الدبلوماسية الغربية، أصبح الخطاب الإسرائيلي أكثر قسوة، وأظهر جيش الدفاع الإسرائيلي استعداده لشنّ عملية على لبنان في أيّ لحظة”.

سيناريو حرب غير مسبوقة

يعتقد سمعان أنّه “إذا حدثت المواجهة بين إسرائيل والحزب فستكون مختلفة بالتأكيد عمّا رأيناه حتى الآن في غزة. ففي نظر الجيش الإسرائيلي، يظلّ الحزب الطرف العربي الأكثر قوة الذي يواجهه. فمنذ حرب عام 2006، جهّز الحزب نفسه بترسانة من الصواريخ والصواريخ البالستية القصيرة المدى والطائرات بدون طيّار، التي لا تضاهيها أيّ جهة فاعلة غير حكومية. وهذه القدرات أكثر عدداً وأكثر دقّة من تلك التي تديرها حماس. كما أنّ الحزب ليس أفضل تجهيزاً من حماس فحسب، بل إنّه أفضل تدريباً أيضاً. وقد استعانت الحركة الفلسطينية بشكل كبير بقوّاته النخبوية، وحدات الرضوان، لتدريب الذين نفّذوا الهجمات في السابع من أكتوبر. كما أنّ مقاتلي الحزب تعلّموا القتال إلى جانب الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وكذلك القوات الروسية المنتشرة في سوريا بعد قرار موسكو إنقاذ الدكتاتور السوري في عام 2015. وبالتالي، في مواجهة مثل هذا الترتيب القتالي، ما هو الشكل الذي قد تتّخذه المواجهة؟”.

هدفان أساسيان لإسرائيل

وفقاً لسمعان، سيركّز الجيش الإسرائيلي على هدفين: أوّلاً تقليص ترسانات الحزب، وثانياً دفع مقاتليه شمال نهر الليطاني.

يعتقد سمعان أنّه “إذا حدثت المواجهة بين إسرائيل والحزب فستكون مختلفة بالتأكيد عمّا رأيناه حتى الآن في غز

– الهدف الأوّل سيتطلّب حملة جوّية تمتدّ إلى ما هو أبعد من جنوب لبنان لتشمل أهدافاً في بيروت وضواحيها، حيث التسلسل العسكري والسياسي للحزب. وبما أنّ هذه الأهداف ستكون وسط السكّان المدنيين، فإنّ الأضرار ستكون كبيرة. وقد تستهدف الحملة أيضاً البنى التحتية المدنية أو الحكومية اللبنانية، وخاصة مطار بيروت الذي يشتبه في أنّ الحزب يخزّن جزءاً من ترسانته فيه. ولسنوات أكّد القادة الإسرائيليون أنّه في حالة الحرب لن يفرّقوا بين الحكومة اللبنانية والحزب. ووفقاً للمنظور الإسرائيلي، الحكومات المتعاقبة في لبنان متواطئة في اعتداءات الحزب، من خلال قبول الهيمنة العسكرية للجماعة على أراضيها. وفي مثل هذا السيناريو، من الصعب تحديد المدى الذي ستتسامح به إدارة بايدن مع حملة جوّية لا تميّز بين الحزب والحكومة اللبنانية. إذ تحافظ واشنطن على علاقات مع الحكومة في بيروت وتلعب دوراً مباشراً في تدريب الجيش اللبناني. وقد دفع هذا إدارة جورج دبليو بوش في عام 2006 إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء هجومها في ذلك الوقت.

– الهدف الثاني، وهو إجبار مقاتلي الحزب على إعادة الانتشار شمال نهر الليطاني من أجل إعادة إنشاء المنطقة العازلة المنزوعة السلاح في جنوب لبنان وفق القرار 1701. الأمر الذي سيكون بالقدر نفسه من التعقيد. ولا يمكن تحقيقه من دون اجتياح برّي إسرائيلي يذكّر بالغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982. الذي كان يهدف إلى إنشاء “منطقة أمنيّة” لحماية الجزء الشمالي من البلاد من هجمات منظمة التحرير الفلسطينية. لكن سرعان ما تحوّلت العملية إلى مستنقع. مثل هذه العملية ستعرّض المشاة الإسرائيليين لمعركة صعبة ضدّ مقاتلي الحزب، الذين سيظهرون مقاومة أكثر من رجال حماس. وستتطلّب تعبئة ضخمة لجنود الاحتياط الإسرائيليين الذين يعتمد عليهم جيش الدفاع الإسرائيلي. لكن في غزة، كشف استخدام جنود الاحتياط في حملات مطوّلة عن آثاره الضارّة. بما في ذلك مشاكل الانضباط المتكرّرة. فضلاً عن تعليق النشاط الاقتصادي للمجتمع الإسرائيلي. وبالتالي فإنّ حرباً جديدة، هذه المرّة على الجبهة الشمالية، ستفرض ضغوطاً على الجيش الإسرائيلي الذي بلغ بالفعل حدوده القصوى بعد تسعة أشهر من الحرب في غزة.

ستكون العواقب الإنسانية والاقتصادية والاستراتيجية للصراع بين إسرائيل والحزب كارثية. وهذا هو السبب الرئيسي حالياً لعدم وقوع مثل هذا الصراع حتى الآن

ردود الحزب ستكون قاسية جدّاً

في حالة اندلاع صراع جديد، فإنّ هجمات الحزب ستضاهي شدّة الحملة الجوّية الإسرائيلية. ويزعم الحزب أنّه ليس قادراً على استهداف المراكز الحضرية الكبرى في إسرائيل فقط بل والبنية الأساسية للموانئ وشبكات الكهرباء. ونظراً لكمّية ونوعية ترسانته، فإنّ الدفاعات الجوّية الإسرائيلية لن تكون قادرة على ضمان حماية مواطنيها أو بنيتها التحتية. وتشير التقديرات إلى أنّه في حالة اندلاع حرب شديدة الكثافة، قد يشنّ الحزب هجمات صاروخية متواصلة على إسرائيل لعدّة أيام أو حتى أسابيع في تحدٍّ خطير لأنظمتها الدفاعية وبطّاريات القبّة الحديدية. وسيكون اعتراض مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية التي يديرها الحزب أكثر صعوبة. ونتيجة لهذا، يستعدّ المدنيون الإسرائيليون لاحتمال العيش في الملاجئ لعدّة أسابيع.

أخيراً، هناك سألة التدخّل الإيراني. إذ لم تتدخّل إيران بشكل مباشر لدعم الحزب في الحروب السابقة. لكنّ الأرجح أن يؤدّي مثل هذا الصراع إلى تشجيع طهران لشركائها من غير الدول، في اليمن والعراق وسوريا، على شنّ هجمات مشتركة على الأراضي الإسرائيلية. فالنظام الإيراني، الذي يتعيّن عليه التعامل مع رئيس جديد، سيتجنّب الدخول في صراع مباشر مع إسرائيل.

 إقرأ أيضاً: خمس رسائل إسرائيليّة من اغتيال هنيّة

دور فرنسا للعودة إلى 7 أكتوبر

في رأي سمعان “ستكون العواقب الإنسانية والاقتصادية والاستراتيجية للصراع بين إسرائيل والحزب كارثية. وهذا هو السبب الرئيسي حالياً لعدم وقوع مثل هذا الصراع حتى الآن: كلّ من الحكومة الإسرائيلية والحزب يدرك أنّ مثل هذه الحرب لن تسفر عن نصر حاسم، بل ستؤدّي بدلاً من ذلك إلى توليد مستويات غير مسبوقة من الدمار لكلا البلدين”.

 

لقراءة المقال بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…

ماذا تفعل إسرائيل في قلب آسيا الوسطى؟

بينما تتّجه الأنظار إلى الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة ولبنان وتتفاقم المخاوف من حرب أوسع نطاقاً تشمل إيران والولايات المتحدة الأميركية، تبرز القوقاز وآسيا الوسطى كساحة…

إسرائيل وأخطاؤها الخمسة.. الطريق نحو الهاوية

“إسرائيل في ورطة خطيرة. مواطنوها منقسمون بشدّة، وهي غارقة في حرب لا يمكن الفوز بها في غزة. جيشها منهك وكذلك اقتصادها ولا تزال الحرب الأوسع…

هل من نهاية للصّراع الإسرائيليّ مع الحزب؟

سيظلّ الحزب يشكّل تهديداً لإسرائيل حتى بعد الحرب المحتملة، بحسب دانييل بايمان أحد كبار الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والأستاذ في كلّية الخدمة الخارجية…