اغتيالان في ليلٍ واحد

مدة القراءة 6 د

خلال أقلّ من 12 ساعة نفّذت إسرائيل اغتيالين. الأوّل في ضاحية بيروت الجنوبيّة استهدف فؤاد شكر القياديّ العسكريّ الأوّل في الحزب. والثاني في طهران استهدف رئيس حركة حماس إسماعيل هنيّة فقتله. استهدافان حرّكا بقوّة خطّ الزلازل الذي يمتدّ من بيروت إلى طهران مروراً بـ”العواصم الإيرانيّة” في المنطقة. فهل يفجّرانه فتتفجّر المنطقة؟

 

 

لنبدأ بالاستهداف الثاني الذي حصل بفارق تسع ساعات عن الاستهداف الأوّل مع فارق التوقيت بين بيروت وطهران. بحسب المعلومات التي نقلتها الوكالات، اغتيال رئيس حركة حماس “وقع حوالي الثانية صباحاً بتوقيت طهران”، بينما “كان يقيم في مقرّ خاصّ لقدامى المحاربين في العاصمة الإيرانية”. هذا ما أكّدته وكالة الأنباء الإيرانيّة. وقد “استُهدف بقذيفة أُطلقت من الجوّ”.

اغتيال إسماعيل هنيّة هو اغتيال لمفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس

ماذا يعني هذا الاغتيال وفي طهران تحديداً؟

1- أنّ اغتيال إسماعيل هنيّة هو اغتيال لمفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس. فبعد العراقيل التي كان يضعها نتنياهو أمام تقدّم المفاوضات بهدف إفشالها، ها هو يقتل رجلها من طرف حماس فيدفنها ويضع حجراً على قبرها.

2- أنّ معركة تصفية قيادات حماس التي لها علاقة بهجوم 7 أكتوبر مباشرة أو غير مباشرة مستمرّة. وهي معركة طويلة ستمتدّ لسنوات. ربّما تكون أطول من عملية “غضب الربّ” التي وُضعت لاغتيال كلّ من له علاقة بعملية ميونيخ في 1972 التي أدّت حينها إلى مقتل 11 رياضياً إسرائيلياً كانوا يشاركون في الألعاب الأولمبيّة.

3- الاغتيال يؤكّد مرّة جديدة مدى الخرق الأمنيّ للأجهزة الأمنيّة الإيرانيّة من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة وأجهزة الاستخبارات الغربيّة والشرقيّة التي تنسّق معها. منذ سنوات شهدنا هذا الخرق في سوريا بقتل العديد من القيادات العسكريّة الإيرانيّة. وشهدناه في لبنان بعد 7 أكتوبر. أمّا اليوم فيتأكّد مدى هذا الخرق في داخل إيران، وتحديداً في طهران. وليست لهذا دلالاته السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة على مستوى الاغتيال فحسب، بل وعلى مستوى المشروع النوويّ الإيرانيّ الذي عاد أخيراً الكلام عنه وعن اقتراب إيران من حيازة قنبلة نوويّة. فمن استطاع استهداف هنيّة في غرفة نومه بعد ساعات من وصوله إلى طهران يمكنه استهداف أيّ موقع عسكريّ أو نوويّ ثابت في كلّ إيران. وكانت إسرائيل قد بعثت برسالة مماثلة بقصف أصفهان ردّاً على الهجوم الإيرانيّ عليها في نيسان الفائت.

إسرائيل مستمرّة في استهداف قيادات الحزب، كما تستهدف قيادات الحركة. وستستمرّ في هذه المعركة ما دامت حرب الإسناد مشتعلة في الجنوب

4- التفوّق الاستخباري – التكنولوجيّ الإسرائيليّ: هجوم ٧ أكتوبر، وحرب الحزب في الإسناد، وحرب الدعم من قبل الحوثيين وليلة الاستهداف الإيراني لإسرائيل، كلّها شكّلت خطراً كبيراً على إسرائيل دون أدنى شكّ. بيد أنّ هذه الأخيرة تؤكّد تفوّقها التكنولوجيّ الاستخباري. وهذا يعود إلى قدرة أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة على تتبّع هؤلاء عبر الوسائل التكنولوجيّة الحديثة. على الرغم من تحذير السيد حسن نصرالله إلى تحذير عناصر الحزب والمسؤولين فيه من استعمال الهواتف الذكيّة.

استهداف نصرالله؟

أمّا بالنسبة لاستهداف فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبيّة لبيروت فيؤكّد التالي:

1- أنّ إسرائيل مستمرّة في استهداف قيادات الحزب، كما تستهدف قيادات حماس. وستستمرّ في هذه المعركة ما دامت حرب الإسناد مشتعلة في الجنوب وربّما بعدها.

2- أنّ استهداف فؤاد شكر بعد حادثة صاروخ مجدل شمس يؤكّد أنّ إسرائيل لديها داتا معلومات واسعة عن قيادات الحزب. وهي قادرة على استهداف أيّ منها حين تشاء. فاستهداف شكر لم يكن نتيجة تقاطع معلومات في لحظة معيّنة استغلّتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة لاغتياله. إنّما هو حصيلة خرق أمنيّ واسع ومؤكّد للحزب حتى في عقر داره. هذا ما يعيدنا إلى كلام مسؤولين إسرائيليين عن قدرة إسرائيل على استهداف حسن نصرالله نفسه. كلام يجب أخذه على محمل الجدّ بعد استهداف فؤاد شكر!

3- أنّ إسرائيل لن تتردّد باستهداف أيّ شخصية من الحزب (كما من حماس) في أيّ مكان من لبنان. وكانت قد أكّدت ذلك حين اغتالت صالح العاروري في قلب الضاحية أيضاً.

استهداف فؤاد شكر بعد حادثة صاروخ مجدل شمس يؤكّد أنّ إسرائيل لديها داتا معلومات واسعة عن قيادات الحزب

إيران ستردّ؟

السؤال الآن: ماذا بعد الاغتيال والاستهداف؟ هل تردّ إيران؟ أين وكيف؟

المرشد الأعلى لجمهورية إيران علي خامنئي قال في بيان: “لقد قام النظام الصهيونيّ المجرم والإرهابيّ باستشهاد ضيفنا العزيز في بيتنا وأحزننا، لكنّه أعدّ لنفسه أيضاً عقوبة قاسية”. من جهته قال الرئيس الجديد مسعود بزشكيان إنّ طهران ستجعل “المحتلّين الإرهابيين يندمون على فعلتهم الجبانة”.

تصريحات تشبه إلى حدّ بعيد تلك التي صدرت عقب اغتيال محمد رضا زاهدي في القنصليّة الإيرانيّة في سوريا، على الرغم من عدم اعتبارها الاغتيال “عدواناً” على إيران وانتهاكاً لسيادتها. حينها توعّدت إيران بالردّ ونفّذته بهجوم مدروس بعناية سمّي بـ”هجوم مركّب”. فطالت بعض المسيّرات والصواريخ إسرائيل دون أن تسقط الخسائر.

إسرائيل لن تتردّد باستهداف أيّ شخصية من الحزب (كما من الحركة) في أيّ مكان من لبنان

حمل ذاك الهجوم رسالة مفادها أنّ إيران قادرة على استهداف إسرائيل. بعد أيام ردّت إسرائيل بهجوم مدروس أيضاً على مدينة أصفهان حمل الجواب الإسرائيلي ومفاده أنّ المواقع العسكريّة الإيرانيّة ومفاعلاتها النوويّة ستكون تحت مرمى النيران الإسرائيليّة في حال استهداف إسرائيل. هل يكون الردّ الإيرانيّ اليوم والردّ الإسرائيليّ على الردّ بمستوى ما حصل في نيسان الفائت؟ أم يكونان أقوى وأقسى فيؤدّيان إلى تصعيد في المواجهة، خاصّة أنّ اغتيال هنيّة تزامن مع استهداف فؤاد شكر في الضاحية الجنوبيّة لبيروت؟

إقرأ أيضاً: اللّبنانيّ الحائر بين ترقّب المصيبة والوقوع فيها

نحن أمام مرحلة جديدة من المواجهة. كلّ الاحتمالات واردة. فربما تكون الحرب الشاملة في لبنان والمنطقة. لكنّ الأكيد أنّ الأخطاء في الميدان وفي الحسابات ربّما تؤدّي إلى التدحرج نحوها على الرغم من رفض كلّ الأطراف لها.

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

مواضيع ذات صلة

إيران تطلب السّلام… هل نطق ظريف بلسان الحرس؟

للتدخّل الروسي في سوريا قصّة رواها فيما بعد الأمين العامّ الراحل للحزب، ومختصرها أنّ قائد فيلق القدس في ذلك الحين، قاسم سليماني، سافر إلى موسكو…

المعارك في سوريا تمهّد للتّفاوض على إضعاف إيران؟

يرتسم الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من التطوّرات العسكرية الدراماتيكية في سوريا. يطرح تحريك الميدان السوري المفاجئ والمعقّد الأبعاد علامات استفهام حول صيرورة المواجهات الدائرة ومصير…

بعد الحرب.. هل من دروس تعلّمناها؟

“لو كنت تدرين ما ألقاه من شجنِ… لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحَ غداة لوّحت بالآمال باسمة… لان الذي ثار وانقاد الذي جمحَ فالروض مهما…

هل يستمع الأسد إلى النّصائح العربيّة؟

هجوم 27 تشرين الثاني 2024 من إدلب على حلب، الذي أثبت ضعف نظام الأسد وتهالُكه، يعني أن لا حلّ في الأمد المنظور للحرب السورية الداخلية…