درعا تنتفض والأسد ينهار؟

2024-07-24

درعا تنتفض والأسد ينهار؟

بعد سنوات من النهاية المفترضة للحرب الأهلية في البلاد، بدأت سيطرة الأسد تتفكّك مرّة أخرى، إذ طفح الكيل بشعب جنوب سوريا، ويبدو أنّ الأزمة تتطوّر وقد تتصاعد مرّة أخرى إلى انتفاضة جديدة، وفقاً لمقال في مجلّة “فورين بوليسي” الأميركية.

 

شارلز ليستر، وهو باحث أوّل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرّف فيه، رأى في المقالة أنّ “ما تشهده محافظة درعا الجنوبية، المعروفة شعبياً لدى ملايين السوريين بأنّها “مهد الثورة” واستولى عليها النظام السوري قبل ستّة أعوام في انتصار عسكري شكّل لحظة محورية بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد. لكنّها كانت المرّة الأخيرة التي استولى فيها النظام على مساحة كبيرة من أراضي المعارضة، وبفعله ذلك في تموز 2018، تمّ الكشف عن إفلاته من العقاب أمام أعين العالم أجمع”.

الأسد لم ينتصر بل نجا..

بالنسبة للكاتب “لم “ينتصر” الأسد أبداً، بل نجا فحسب، وذلك بفضل الدعم القوي والمستمرّ من روسيا وإيران، ولكن أيضاً بفضل فكّ الارتباط الدولي. وفي السنوات التي تلت ذلك، تبخّر تماماً اهتمام العالم بالعمل على حلّ الأزمة المنهكة في سوريا. وفي واشنطن اليوم، يثير اقتراح القيام بأيّ شيء آخر بشأن سوريا في دوائر صنع السياسة صيحات غاضبة وضحكات ساخرة، ولا يثير الاهتمام”.

في رأي ليستر الذي كان المنسّق الرئيس لما يقارب ثلاثة أعوام من الانخراط المباشر والكثيف مع قيادات أكثر من مئة جماعة سورية مسلّحة، كممثّل لمبادرة الحوار السوري (المسار الثاني) التي تحظى بدعم دولي متعدّد الأطراف، فإنّ “الوضع في سوريا، من نواحٍ عديدة، أسوأ ممّا كان عليه في أيّ وقت مضى. فهناك مؤشّرات واضحة ومستمرّة إلى تعافي تنظيم الدولة الإسلامية، واستمرار تجارة المخدّرات الدولية المرتبطة بالنظام بمليارات الدولارات، والأعمال العدائية الجيوسياسية المستمرّة التي تشمل إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة. كما أنّ قبضة النظام على المناطق التي يسيطر عليها لم تبدُ أبداً أكثر ضعفاً وأقلّ إقناعاً من أيّ وقت مضى”.

تمثّل درعا على وجه الخصوص تجسيداً للانفلات الأمنيّ والفوضى. والأحداث الدالّة على ذلك كثيرة

درعا هي المعيار

يقدّم جنوب سوريا، بحسب الكاتب، مثالاً بارزاً على ضعف النظام في سوريا. فبعد ستّ سنوات من قصف مهد الثورة وإخضاعها، بدأ حكم الأسد في الجنوب يتآكل. وبينما كان الأسد وراعيه الروسي يعتزمان أن يجسّد الجنوب سوريا المستقرّة التي تمّ “تطهيرها” من المعارضين، كانت هذه المنطقة هي الأكثر اضطراباً على الإطلاق من أي مكان في سوريا منذ عام 2018. وتمثّل درعا على وجه الخصوص تجسيداً للانفلات الأمنيّ والفوضى. والأحداث الدالّة على ذلك كثيرة:

درعا

1- وثقت صحيفة “سوريا ويكلي” مقتل ما لا يقلّ عن 47 شخصاً في محافظتَي درعا والسويداء بين منتصف حزيران ومنتصف تموز وحدهما، في سيل يوميّ من الاغتيالات والكمائن والمداهمات والخطف وإعدام الرهائن.

2- تزايدت جرأة مقاتلي المعارضة السابقين وغيرهم من الفصائل المسلّحة المحلّية في محافظتَي درعا والسويداء الجنوبيّتين الخاضعتين لسيطرة النظام على تحدّي انتهاكات النظام، إذ قام مقاتلون مسلّحون، معظمهم من المعارضة السابقة، باختطاف ما لا يقلّ عن 25 ضابطاً عسكرياً سوريّاً انتقاماً من اعتقال النظام التعسّفي للمدنيين في مناطقهم في الفترة من منتصف حزيران إلى منتصف تموز. وتمّ استخدام الرهائن بنجاح كوسيلة ضغط لإجبار النظام على إطلاق سراح المعتقلين المدنيين. لم يسبق من قبل أن تمّ تحدّي النظام وإجباره على الخضوع باستمرار.

3- بدأت الفصائل المسلّحة المحلّية، التي تعتبر على الورق من أطراف “المصالحة”، بشنّ هجمات مباشرة على نقاط التفتيش والمباني العسكرية التابعة لنظام الأسد ردّاً على الانتهاكات. فعندما تمّ اعتقال امرأة سوريّة من بلدة إنخل في درعا أثناء محاولتها تجديد جواز سفرها في دمشق في 10 تموز الجاري، شنّ مقاتلو المعارضة السابقون في إنخل هجمات منسّقة على ثلاث نقاط تفتيش تابعة للنظام ومقرّ المخابرات المحلية.  وعندما ردّت قوات النظام باستخدام قذائف الهاون والمدفعية، نصب المقاتلون المحليون كميناً لمركبة مدرّعة تابعة للنظام وصلت كتعزيزات، ودمّروها بالقذائف الصاروخية. وفي وقت لاحق، أُطلق سراح المرأة.

يقدّم جنوب سوريا، بحسب الكاتب، مثالاً بارزاً على ضعف النظام في سوريا. فبعد ستّ سنوات من قصف مهد الثورة وإخضاعها، بدأ حكم الأسد في الجنوب يتآكل

4- في محافظة السويداء المجاورة، حيث نظّم السكّان أكثر من 330 يوماً من الاحتجاجات المتتالية للمطالبة بإسقاط الأسد، أقامت قوات النظام بشكل غير متوقّع نقطة تفتيش أمنيّة جديدة عند المدخل الرئيسي لعاصمة المحافظة في 23 حزيران. وفي غضون ساعات، حشدت ستّة فصائل مسلّحة محلية على الأقلّ قوّاتها وشنّت هجمات على مواقع النظام، وانخرطت في 48 ساعة من القتال العنيف الذي استوجب إرسال تعزيزات لقوات النظام من دمشق.

5- في 25 حزيران، اضطرّ النظام إلى التراجع، وتحويل نقطة التفتيش الشديدة التحصين إلى موقع بدون سلطة محلّية. كان مثل هذا التحدّي المباشر لسياسة النظام الأمنيّة ملحوظاً، خاصة بالنسبة للمحافظة التي لم تقع أبداً تحت سيطرة المعارضة. أثار هذا الحادث قدراً كبيراً من الاهتمام الإقليمي، وسلّط الضوء على استسلام النظام.

6- تمّ اغتيال مرهج جرماني، المعروف باسم أبي غيث وأحد أبرز قادة الجماعات المسلّحة المناهضة للنظام في السويداء، والذي قاد العديد من الهجمات المذكورة أعلاه، في منزله فجر يوم 17 تموز. أصيب جرماني برصاصة في رأسه عبر نافذة غرفة معيشته على يد قاتل مأجور مزوّد بكاتم للصوت.

7- على مدار الشهر، اختطفت الجماعات المسلّحة المحلّية في جنوب سوريا أربعة من عملاء مخابرات النظام متّهمين بارتكاب مجموعة متنوّعة من الانتهاكات، بما في ذلك القتل والتعذيب والجريمة المنظّمة. تعرّض الأربعة للتعذيب، وأُجبروا على الاعتراف بجرائمهم أمام الكاميرا، ثمّ أُعدموا، ثمّ تمّ بثّ مقاطع فيديو اعترافاتهم محلياً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

8- تمّ اغتيال اليد اليمنى لرئيس المخابرات العسكرية السيّئ السمعة في درعا، لؤي العلي، في قلب عاصمة المحافظة في 13 تموز. وبحسب ما ورد، أشرَف العليّ، المعروف باسم أبي لقمان، على ما يقرب من عقد من عمليات التعذيب في أكبر منشأة لاحتجاز المعتقلين والاستجواب في درعا.

 تمّ اغتيال اليد اليمنى لرئيس المخابرات العسكرية السيّئ السمعة في درعا، لؤي العلي، في قلب عاصمة المحافظة في 13 تموز

نظام الأسد ينهار

تقدّم هذه المعلومات وفقاً للكاتب لمحة عن الواقع الحقيقي لحكم النظام في العام الرابع عشر من الأزمة السورية. وبعيداً عن تعزيز سيطرته، يبدو أنّ نظام الأسد ينهار ولا يزال يفشل في الوقت نفسه في جهوده المتقطّعة لتحدّي تنظيم الدولة الإسلامية المنبعث من جديد. وفي الشهر الماضي وحده، قُتل ما لا يقلّ عن 69 من أفراد قوات أمن النظام في هجمات شبه يومية لتنظيم الدولة الإسلامية عبر الصحراء الوسطى في سوريا. ويأتي ذلك وسط “عملية تطهير” يقوم بها النظام ضدّ الجماعة الجهادية منذ شهر. وفي الوقت نفسه، توفّيت كبيرة مستشاري الأسد لونا الشبل في حادث سيارة غامض يعتقد البعض أنّه ارتكب من الداخل، في حين قُتل محمد براء قاطرجي، العمود الفقري لاقتصاد النظام، في غارة جوّية إسرائيلية في 15 حزيران. وحدثت أشياء أخرى كثيرة.

إقرأ أيضاً: عندما ابتسمت ميلاني ترامب

يعتقد ليستر أنّ “شعب جنوب سوريا قد طفح به الكيل. فمن الانتفاضة الشعبية التي استمرّت قرابة عام في السويداء إلى الاتّجاه الأخير للمقاتلين المحلّيين لتحدّي انتهاكات النظام والسياسة الأمنيّة بشكل مباشر، لا يبدو أنّ الأزمة قد تمّ حلّها، بل إنّها أزمة تتطوّر وربّما تتصاعد مرّة أخرى”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…

ماذا تفعل إسرائيل في قلب آسيا الوسطى؟

بينما تتّجه الأنظار إلى الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة ولبنان وتتفاقم المخاوف من حرب أوسع نطاقاً تشمل إيران والولايات المتحدة الأميركية، تبرز القوقاز وآسيا الوسطى كساحة…

إسرائيل وأخطاؤها الخمسة.. الطريق نحو الهاوية

“إسرائيل في ورطة خطيرة. مواطنوها منقسمون بشدّة، وهي غارقة في حرب لا يمكن الفوز بها في غزة. جيشها منهك وكذلك اقتصادها ولا تزال الحرب الأوسع…

هل من نهاية للصّراع الإسرائيليّ مع الحزب؟

سيظلّ الحزب يشكّل تهديداً لإسرائيل حتى بعد الحرب المحتملة، بحسب دانييل بايمان أحد كبار الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والأستاذ في كلّية الخدمة الخارجية…