“على الرغم من أنّني كنت أعتزم الترشّح لإعادة انتخابي، أعتقد أنّ من مصلحة حزبي والدولة أن أتنحّى وأركّز فقط على أداء واجباتي كرئيس للفترة الباقية من ولايتي”. بهذه الكلمات توجّة الرئيس الأميركيّ جو بايدن إلى الديمقراطيين والأميركيين والعالم.
أخيراً اتّخذ القرار الذي انتظره الجميع منذ أسابيع. الضغوط كانت هائلة، خاصّة في الأسابيع التي تلَت المناظرة التلفزيونيّة “الكارثيّة”. جاءت من أقرب المقرّبين وأعزّ الأصدقاء وكبار الداعمين له سياسياً وماليّاً. بانسحاب بايدن تُفتح صفحة جديدة في السباق الرئاسيّ إلى البيت الأبيض.
السؤال اليوم: من سيكون مرشّح الحزب الديمقراطيّ؟ وكيف سيتمّ اختياره؟ وهل يكون للمرشّح البديل متّسع من الوقت لتنظيم حملته وجمع التبرّعات لها والفوز على منافسه الجمهوريّ الذي انطلق في السباق منذ أشهر؟
القلق الديمقراطيّ
كان الكلّ يترقّب القرار الذي سيتّخذه جو بايدن وما إذا كان سيستمرّ في السباق الرئاسي. ديمقراطيون وجمهوريون. حلفاء وأعداء.
الديمقراطيون كانوا قلقين جداً من إصرار بايدن على التمسّك بترشّحه. تضاعف قلقهم في الأيام الأخيرة. دونالد ترامب يتقدّم في استطلاعات الرأي منذ بداية العام. محاولة اغتياله أعطته تقدّماً أكبر. تعاطَف الأميركيون معه. إنّه تعاطُف إنسانيّ. ربّما يتحوّل أصواتاً في صناديق الاقتراع في الخامس من تشرين الثاني المقبل، موعد الانتخابات الأميركيّة.
الجمهوريون كانوا يفضّلون استمرار جو بايدن. ترامب نفسه أعلن ذلك. فهو بنى حملته الانتخابيّة على انتقاد “أسوأ رئيس للولايات المتحدة الأميركيّة” وسياساته في الاقتصاد والهجرة والأمن وحرب أوكرانيا والتساهل مع إيران والتخبّط في دعم إسرائيل في حرب غزّة. وفي المرحلة الأخيرة أضاف إلى خطابه عدم قدرة بايدن على قيادة البلاد.
قبل أن يدعم ترشيحها جو بايدن، كانت كامالا هاريس هي الاسم البديهيّ والأوّل لمرشّح الحزب الديمقراطي
حلفاء أميركا في العالم أيضاً كانوا يترقّبون بقلق. الأوروبيّون يخشون فوز ترامب وتراجع الدعم الأميركيّ العسكريِّ والماليّ لأوكرانيا في حربها ضدّ روسيا. من دون هذا الدعم لن يتمكّنوا من الاستمرار في الحرب وإلحاق الهزيمة بفلاديمير بوتين. خلال قمّة حلف شمال الأطلسيّ التي انعقدت في واشنطن بعث ترامب بموفدين لطمأنة الحلفاء. بيد أنّه في خطابه الطويل في نهاية مؤتمر الحزب الجمهوريّ أعلن أنّه لو كان في الحكم لما اندلعت الحرب في أوكرانيا. وإذا ما عاد إلى البيت الأبيض فسيعمل على إيقافها. كيف؟ إنّه السؤال الذي يُقلق الأوروبيين!
الصين أيضاً تراقب ما ستؤول إليه انتخابات رئاسة القوّة العظمى التي تتطلّع إلى منافستها في العالم. عودة ترامب إلى البيت الأبيض تعني عودة الحرب التجاريّة ضدّها. جي. دي. فانس، الذي اختاره ترامب لاتفاقه معه في الطروحات السياسيّة، يعلن صراحة أنّ التركيز الأميركيّ يجب أن ينصبّ من جديد على الصين.
ضغوطات متزايدة
وصف البعض قرار جو بايدن بالمفاجئ. بيد أنّه فعليّاً لم يكن كذلك. فالضغوطات عليه للانسحاب كانت هائلة، خاصّة في الأسابيع التي تلت المناظرة التلفزيونيّة مع خصمه دونالد ترامب. بايدن أرادها مناظرة لطمأنة حزبه وجمهوره والمانحين، ولوقف تقدّم ترامب في استطلاعات الرأي، فكانت النتيجة معاكسة تماماً. زاد قلق أعضاء حزبه. تراجع تأييد جمهوره. وتراجعت تبرّعات المانحين التي عبّر عنها بشكل واضح الممثّل والمخرج جورج كلوني. فهو دعا صراحة، في مقال نشره في “نيويورك تايمز”، جو بايدن إلى الانسحاب من السباق الرئاسيّ. الصحيفة الديمقراطيّة نفسها كانت قد دعت بايدن عقب المناظرة التلفزيونية “الكارثيّة” إلى سحب ترشيحه.
في الأيام الأخيرة جاءت الضغوطات من كبار الديمقراطيين. نانسي بيلوسي قالت إنّها واثقة أنّ جو بايدن سيتّخذ القرار الصائب، أي إعلانه سحب ترشيحه. تسريبات صحافيّة أفادت أنّ زعيمَي الديمقراطيين في مجلسَي الشيوخ والنواب تشاك شومر وحكيم جيفريز فاتحا بايدن بضرورة انسحابه لعدم قدرته على الفوز. أمّا باراك أوباما، الصديق الأقرب لبايدن، فكان المحرّك الأساسيّ لكلّ هذه الضغوطات.
الهيئة الناخبة داخل الحزب الديمقراطيّ هي من تقرّر من يكون المرشّح البديل لبايدن
أمام كلّ هذه الضغوط لم يعد أمام بايدن سوى الانسحاب، فأعلن انسحابه من خلال بيان نشره على منصّة “إكس”، وأرفقه بدعم نائبته كامالا هاريس للرئاسة. هل يعني هذا تزكية الحزب الديمقراطي لها؟
انتخابات حزبيّة تمهيديّة
صحيح أنّ جو بايدن كان قد حصل على حوالي 99% من أصوات المندوبين في الانتخابات التمهيديّة. بيد أنّه لا يمكنه تجيير تلك الأصوات إلى كامالا هاريس. الأمور لا تسير بهذا الشكل في أميركا وأحزابها.
الهيئة الناخبة داخل الحزب الديمقراطيّ هي من تقرّر من يكون المرشّح البديل لبايدن. وتتألّف الهيئة من مندوبي الحزب في الولايات الـ 50، وعددهم 3,936 مندوباً. على المرشّح الحصول على حوالي 1,969 صوتاً ليفوز بترشيح الحزب. وربّما يشارك في الانتخابات التمهيديّة كبار الناخبين في الحزب وعددهم حوالي 739. هؤلاء هم أعضاء بارزون في الحزب وكبار المسؤولين المُنتخبين.
ماذا عن الأسماء المرشّحة لخوض السباق الرئاسيّ بدلاً من جو بايدن؟
هاريس تتقدّم
قبل أن يدعم ترشيحها جو بايدن، كانت كامالا هاريس هي الاسم البديهيّ والأوّل لمرشّح الحزب الديمقراطي. وقد زادت أسهم فوزها بترشيح الحزب بعد حملة التأييد الواسعة التي حصلت عليها من قبل كبار قادة الحزب وكبار المانحين. فهؤلاء أعلنوا دعمهم لهاريس. وبالفعل سجّلت التبرّعات لحملة الديمقراطيين أكبر رقم بيوم واحد بعد إعلان بايدن تنحّيه ودعمه لهاريس. وفي كلّ حال إذا فازت بترشيح الحزب، “من المفترض أنّها ستكون قادرة على استخدام صندوق حملة بايدن لأنّ اسمها موجود في جميع الملفّات”، بحسب تقرير لوكالة “سي.إن.إن”، في حين أنّ أيّ مرشّح آخر سيتعيّن عليه جمع أمواله الخاصّة لحملته الانتخابيّة.
كامالا هاريس، إذا ما تمّ تثبيت ترشيحها في مؤتمر الحزب، فستكون أوّل امرأة من أصول أفرو-آسيويّة تترشّح لهذا المنصب
بعد ٢٤ ساعة على إعلان بايدن تنحّيه ودعمه كامالا هاريس، حصلت هذه الأخيرة على تأييد واسع من الديمقراطيين، بمن فيهم حاكم ولاية كاليفورنيا غيفين نيوسوم الذي كان منافساً قويّاً محتملاً لها وحاكمة ولاية ميشيغن غريتشن وايتمير. كما على دعم حوالي نصف مندوبي الحزب وعدد كبير من كبار الناخبين بينهم نانسي بيلوسي. هذا لا يمنع ضرورة إخضاع اختيارها لعملية انتخاب من قبل مندوبي الحزب. وربّما يبرز مرشّحون ينافسونها على ترشيح الحزب لها.
الحزب الديمقراطي في سباق مع الوقت لاختيار مرشّحه، والأرجح مرشّحته.
إقرأ أيضاً: هل تستقبل إيران ترامب… بقنبلة نوويّة؟
كامالا هاريس، إذا ما تمّ تثبيت ترشيحها في مؤتمر الحزب في شهر آب المقبل، فستكون أوّل امرأة من أصول أفرو-آسيويّة تترشّح لهذا المنصب. وستكون لديها الحظوظ للفوز بالرئاسة بجذبها أصوات النساء، والسود، والأقلّيات، وكذلك أصوات العرب والمسلمين على خلفيّة مواقفها من حرب غزّة. فهل تكون أوّل سيّدة للبيت الأبيض؟
لمتابعة الكاتب على X: