من حيث يدري أو لا يدري، لم يصِب الشابّ العشريني في بنسلفانيا برصاصته فقط أذن دونالد ترامب، بل أصاب معها جملة من الاستحقاقات التي كنّا على موعد معها في المنطقة، بدءاً من هدنة غزة وصولاً إلى وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. فعلى الرغم من إعلان حماس منذ أيام انسحابها من المفاوضات لعدم جدّية نتنياهو، ونفي خبر انسحابها أمس، إلا أنّ قليلاً من الأمل بقي للوصول إلى هدنة على الأقلّ. اليوم تبدو الأمور أصعب، وتبدو المعارك أصعب مع التصعيد الإسرائيلي الأكبر في جنوب لبنان والذي سيتصاعد في الأسبوعين المقبلين كما تتحدّث مصادر دبلوماسية عربية وأجنبية.
تطوّرات عديدة فرضت نفسها على الأجندة السياسية من واشنطن إلى بيروت قد تُسقط كلّ محاولات التوصّل إلى هدنة أو وقف لإطلاق النار في غزّة وجنوب لبنان. فرئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي يبدي اعتراضه على البنود التي اشترطتها حماس للتفاوض، سيستمرّ على موقفه حتى الرابع والعشرين من تموز، وهو موعد خطابه في الكونغرس الأميركي.
مصادر دبلوماسية مطّلعة ترى أنّ الاستحقاق الأهمّ بالنسبة إلى نتنياهو هو الخامس والعشرون من تموز، موعد انتهاء ولاية الكنيست الإسرائيلي، الذي يمكنه محاسبة رئيس الحكومة. إذ وفق آليّة الدستور في تل أبيب تتحوّل كلّ الصلاحيّات إلى رئيس الحكومة بعد 25 تموز. وهذا ما ينتظره نتنياهو للتخلّص من جزء من مشكلته الداخلية لينصرف إلى الاستمرار بحربه من أجل القضاء على قيادات حركة حماس كما يقول .
سبق أن أكّد الأمين العامّ للحزب أنّ قرار وقف الحرب على الجبهة تملكه حماس، ودخول المرحلة الثالثة من دون التوصّل إلى اتفاق هدنة أو وقف إطلاق نار لن يعني وقفاً للقتال
التصعيد آتٍ في لبنان وغزّة؟
هذا المسار تمهّد له مجموعة عوامل :
– أوّلاً: تراجع الرئيس الحالي جو بايدن في السباق الرئاسي لمصلحة المرشّح دونالد ترامب.
– ثانياً: تراجع تأثير الضغط الأميركي على نتنياهو لمنعه من التوسّع في الحرب. لا بل تبرير المجازر الأخيرة تحت عنوان “اغتيال قادة حماس”. وبالتالي سقوط الضمانة الأميركية التي كانت تُعطى للبنان بعدم توسّع الحرب. وهذا ما سبق أن حذّر منه الموفد الأميركي آموس هوكستين في زيارته الأخيرة لعين التينة.
– ثالثاً: تناغم نتنياهو مع الجمهوريين والخطاب التصعيدي وتصلّبه في شروطه التي تراها حماس تعجيزية.
– رابعاً: تمسّكه بمصطلح “وقف الأعمال العدوانية” وليس “وقف إطلاق النار” ليحافظ على “خطّ الرجعة” حين يقرّر العودة إلى استئناف الحرب متى يرى ذلك مناسباً. بالتالي كلّ هذه المعطيات لن تصبّ في مصلحة وقف الحرب في غزة واستطراداً في لبنان.
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ هدف نتنياهو في الأسبوعين المقبلين هو رفع حدّة الاشتباك ليذهب إلى واشنطن مفاوضاً بسقف عالٍ على وقع ارتفاع حدّة الاشتباك
تصعيد ثمّ مرحلة ثالثة
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ هدف نتنياهو في الأسبوعين المقبلين هو رفع حدّة الاشتباك ليذهب إلى واشنطن مفاوضاً بسقف عالٍ على وقع ارتفاع حدّة الاشتباك.
هدف تل أبيب في لبنان وضع البلد كلّه تحت وقع الخوف من اتّساع الحرب. وعليه أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية لتخرق جدار الصوت فوق الشمال وفوق جبل لبنان لتُشعر البيئات الأخرى بخطورة ما يمكن أن يحدث في حال توسّعت الحرب، لا بل إنّ الهدف ممّا سيقوم به نتنياهو في المقبل من الأيام هو ترويع اللبنانيين للضغط على الحزب وإدخاله في إشكال أهليّ أكبر.
سيمهّد هذا التصعيد للدخول في المرحلة الثالثة في غزة التي تتضمّن استهدافات محدّدة وتوغّلات سريعة تليها إعادة الانسحاب وفق الحاجة.
تراهن مصادر دبلوماسية على أن تكون هذه المرحلة مقدّمة للحزب كي يذهب إلى تخفيض منسوب الأعمال القتالية في جنوب لبنان تمهيداً لوقفها. فهل يكون الحزب مستعدّاً لملاقاة نتنياهو إلى المرحلة الثالثة؟
إقرأ أيضاً: جبران is back إلى حكومة ميقاتي؟
سبق أن أكّد الأمين العامّ للحزب أنّ قرار وقف الحرب على الجبهة تملكه حماس، ودخول المرحلة الثالثة من دون التوصّل إلى اتفاق هدنة أو وقف إطلاق نار لن يعني وقفاً للقتال في الجبهة الجنوبية.
هكذا إذاً يصير أمام نتنياهو “كارت بلانش” أميركي في ظلّ ضعف بايدن، بعدما تلقّى الرصاصة الكبرى، وعليه لا أفق لوقف الحرب، على الأقلّ في الأسابيع المقبلة. والرصاصة التي مرّت قرب أذن ترامب وخدشتها ربّما تكون قد أصابت احتمال الحلّ في غزّة وفي جنوب لبنان.
لمتابعة الكاتب على X: