الحزب وإسرائيل سيحتفلان بالنصر.. والفلسطينيّون والعرب بهمومهم

2024-07-09

الحزب وإسرائيل سيحتفلان بالنصر.. والفلسطينيّون والعرب بهمومهم

صار الموضوع موضوع إيران، باعتبارها مسؤولةً عن الحرب بعدما أعلن الرئيس الأميركي بايدن مبادرته لوقف إطلاق النار في حرب غزة. يومها رحّب كلّ العالم بالمبادرة باستثناء إيران. فقد اعترض السيّد خامنئي، وجاء وزير الخارجية الإيراني المؤقّت باقري كني إلى بيروت لإعلان اعتراضه. خشي الإيرانيون أن توافق حماس على مبادرة بايدن. وأخبرنا باقري كني وآخرون أن لا وقف للنار قبل أن تتفاوض إيران وتأخذ “حصّتها”، نعم حصّتها!

 

في الأيام الأخيرة أعلنت حماس قبولها لخطّة بايدن لوقف النار مع بعض التعديلات التي ما أزعجت الأميركيين. ولذلك تحدّث الرئيس بايدن مع نتنياهو، وقرّر الأخير إرسال وفده الأمنيّ إلى قطر لمعرفة التفاصيل. نتنياهو الآن وتحت وطأة وزرائه وهمومه السياسية والقانونية يقول إنّ في موافقة حماس فخّاً (!) يصعب تجاوزه أو التجاوب معه. لكنّه وهو يقول ذلك كان قد اختلف مع وزير دفاعه وقادة الجيش الذين يريدون وقف النار أيضاً.

زحمة في مسالك الضاحية

لندع إسرائيل وشأنها، إذ لا ينفع التنبّؤ بالغد بشأن سياساتها، لخصوصية حكومتها، وخصوصية حربها أيضاً. لننصرف إلى تأمّل المشهد على الجانب الآخر، جانب الحزب المسلَّح والجانب الإيراني. جاء نائب رئيس حركة حماس خليل الحيّة إلى بيروت “لإبلاغ” القائد نصر الله بموافقة حماس على وقف النار، وأعلن أنّ السيّد المتفهّم استحسن ذلك، مثلما استحسنه الحوثيون وميليشيات العراق، لأنّ حماساً الشديدة الأمانة لحلفائها استشارتهم ووقفت على خاطرهم، مع أنّ الأحرى القول إنّ إيران عبر نصر الله أبلغت الجميع بإمكان وقف الحرب بما في ذلك حماس.

في الأسبوعين الأخيرين غصّت مسالك الضاحية بالمبعوثين الذين ترجّوا زعيم الحزب ليوافق على وقف النار. كان الأميركيون منذ شهرين وعبر هوكستين قد فاوضوا الحزب وإسرائيل على وقف النار، وكان المفهوم أنّ التفاوض يدور حول إبعاد “قوات الرضوان” عن الحدود بضعة كيلومترات وحلول الجيش والقوات الدولية محلَّ الحزب.

صار الموضوع موضوع إيران، باعتبارها مسؤولةً عن الحرب بعدما أعلن الرئيس الأميركي بايدن مبادرته لوقف إطلاق النار في حرب غزة

كان هناك عرض مُغرٍ لتسوية على الحدود البرّية مثلما جرت التسوية على الحدود البحريّة من قبل. وكانت التسريبات أنّ هناك خلافات مستمرّة على عدد من النقاط، لكنّ الحزب إيجابيّ. فلما قدّم بايدن مبادرته تشاور الأميركيون مع الفرنسيين على تطوير خطط التفاوض، وبدأت وزيرة الخارجية الألمانية تتحدّث فجأةً عن ضرورة وقف الحرب، وزارت لبنان وإسرائيل، وكان في وفدها إلى لبنان نائب مدير المخابرات الألمانية الذي عرض فوراً التفاوض بالواسطة مع الحزب من خلال برّي باعتبار أنّ السلطات الألمانية كانت قد أعلنت قبل سنوات أنّ الحزب تنظيم إرهابي.

بيد أنّ ذلك لم يمنع الحزب من التفاوض المباشر وصار الحديث هذه المرّة باعتبار الألمان ممثّلين للأوروبيين والأميركيين دفعةً واحدة. وما عاد التفاوض على مدى ابتعاد عسكر الحزب عن الحدود وحسب، بل صار أيضاً حول العودة إلى استخراج الغاز وإعادة إعمار الجنوب (وقيل إنّ قطر هي التي سوف تعمِّر). ولمن يمكن أن يكون قد نسي فإنّ ألمانيا كانت هي الوسيط (الأميركي) عام 2000 بشأن الانسحاب الإسرائيلي، وأنّه في عام 2006 عمّرت قطر 4 بلدات في الجنوب، بينما عمَّر السعوديون معظم قرى الجنوب يومها.

الحزب

خليل الحيّة يؤدّي الواجب

بعد تهديد الإيرانيين بعدم وقف الحرب إلّا بعد الحصول على حصّتهم دخل الجميع للإرضاء. وبدا كأنّ الحزب مشكلته فقط في موافقة حماس على وقف النار فظهر خليل الحيّة ليؤدّي هذا الواجب.

إذا توقّفت النار فسيكسب الغزّيون توقّف القتل، والانصراف إلى إحصاء قتلاهم وجرحاهم، وإذا سُوعدوا فسيكسبون ترميم المستشفيات ودخول الغذاء والدواء والإبقاء على بقيّة حياة (!). أمّا حماس فتأمل وقد فقدت الآلاف أن يبقى لها نفوذ ولو على ركام الخراب على طريقة المثل العربي القديم: حبّذا الإمارة ولو على الحجارة! ويقول أنصارها إنّه يبقى لها مجد الجهاد والشعبية لدى العرب والمسلمين. وبالطبع هي محتاجة الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى إلى الحزب والأسد وإيران وأنصارهم.

في الأسبوعين الأخيرين غصّت مسالك الضاحية بالمبعوثين الذين ترجّوا زعيم الحزب ليوافق على وقف النار

أمّا إيران فصحيح أنّ الحزب خسر مئات القتلى ومنهم كبار في قياداته العسكرية، ولكنّه ربح على الجميع، فقد شارك في الحرب التي أثارها، وشارك في مفاوضات السلام، وحقّق مكاسب لإيران، وجعلها في تماسّ مع الولايات المتحدة وأوروبا لفكّ الحصار وربّما للعودة إلى التفاوض على النووي، باعتبارها قادرة على حفظ السلم وعلى إثارة الحرب. وقد حصل الحزب على “مكاسب” للبنان، وانتخب الإيرانيون رئيساً إصلاحياً يريد علاقات جيّدة مع الغرب. وصحيح أنّهم خائفون من مجيء ترامب، إمّا لنتذكّر أنّ إسرائيل كانت تفضّل العلاقة مع حماس على العلاقة مع أبي مازن، وكانت لديها مع الحزب “قواعد اشتباك”، وما خرج الحزب عليها حتى عندما تصاعدت الاشتباكات.

إقرأ أيضاً: الدولة الوطنية العربية ليست خائنة ولا قاصرة

سيفتخر الحزب بانتصاراته وشهدائه، وكذلك إسرائيل. أمّا الفلسطينيون وأمّا العرب الذين سيكونون ضمن المسؤولين عن اليوم التالي بعد الحرب والخراب. فستتضاعف همومهم لحفظ السلام وتلبية الاحتياجات، وتحمّل تذمّرات المصابين الكثر وآمالهم المعقودة: مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد!

 

لمتابعة الكاتب على X:

@RidwanAlsayyid

مواضيع ذات صلة

5 أسابيع حاسمة في تاريخ الشّرق الأوسط

تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل. يفصل الشرق الأوسط عن ذلك أقلّ من 5 أسابيع تبدو ناظمة لحسابات إدارة الرئيس جو بايدن،…

رهانات إيران وعقدة الجغرافيا وخطأ التّلكّؤ

زايدت المعارضة الإسرائيلية من يسارها إلى يمينها على صقور التطرّف في حكومة بنيامين نتنياهو بالدعوة إلى الانتقام الشرس وإلحاق أقصى قصاص بإيران بعد إطلاقها رشقات…

إيران.. الاعتدال مخرج لإفشال نتنياهو

لا ينقص الدولة الإقليمية الكبرى “إيران” معرفة قدراتها الفعلية وقدرات خصومها، ووفق ذلك تضع أولويّاتها وحدود حركتها.   تعرف إيران قدرات أذرعها وحلفائها، حيث المواجهة…

العقائديّة التي تعمي الرؤى الاستراتيجيّة

“وكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَوماً      تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ        هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي        كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى      …