منذ أيام قليلة تقدّم حزب الليكود الإسرائيلي، الذي يتزعّمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى الكنيست الإسرائيلي عبر أحد أعضاء كتلته البرلمانية، بمشروع قانون ينصّ على حظر أنشطة وإجراءات المحكمة الجنائية الدولية، ومنع دخول مسؤوليها أراضي دولة إسرائيل، وفرض عقوبات على كلّ من يتعاون معها، الأمر الذي يظهر عدم هضم إسرائيل السابقة التاريخية التي أقدم عليها المدّعي العامّ في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، والمتمثّلة بطلبه إصدار مذكّرات اعتقال بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه. فمن هو هذا الرجل؟ ومن هي الجماعة الإسلامية “المارقة” التي ينتمي إليها، ويقدّر أتباعها بـ10 ملايين شخص ينتشرون بين الهند وباكستان وأوروبا، وخصوصاً بريطانيا؟ وما علاقة بريطانيا بتأسيسها ورعايتها ونشرها؟
حظيَ المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان باهتمام استثنائي، وتصدّر محرّكات البحث ومنصّات التواصل الاجتماعي، وتسابقت وسائل الإعلام إلى إشباع شغف الجماهير إلى معرفة معلومات عن الشخص الذي كسر القناعة السائدة عربياً وعالمياً بأنّ القيادات الإسرائيلية فوق المساءلة والمحاسبة. ومن بينها انتماؤه إلى طائفة تدعى “جماعة الأحمدية الإسلامية”. وهي جماعة جرى إهمالها إلى حدّ كبير، على الرغم من إقرار خان بتأثير تعاليمها ونهجها عليه وعلى مسيرته المهنية. فضلاً عن كونه صهر خليفتها الرابع ميرزا طاهر أحمد، بعدما تزوّج من ابنته ياسمين منى عام 1993. فمن هي هذه الجماعة المصنّفة الأسرع انتشاراً في العالم؟
تقدّم حزب الليكود الإسرائيلي، الذي يتزعّمه نتنياهو، إلى الكنيست بمشروع قانون ينصّ على حظر أنشطة وإجراءات المحكمة الجنائية الدولية
منتج إسلاميّ بريطانيّ؟
في القرن التاسع عشر، كانت شبه الجزيرة الهندية تمور بالحركات الإسلامية تحت تأثير الاستعمار البريطاني الذي أنهى ما يزيد على 8 قرون من الحكم الإسلامي المتنوّع السلالات والهويّات. ومن هذه الحركات “القاديانيّة” التي ولدت على يد ميرزا غلام أحمد عام 1889 في قرية “قاديان” بإقليم “البنجاب” الهندي. واجهت هذه الحركة رفضاً من قبل العلماء والفقهاء، الذين كانوا يشكّلون طبقة النخبة في ذلك الوقت، واتُّهمت بأنّها منتج إسلامي بريطاني مهمّته شقّ صفّ المسلمين بسبب ادّعاء مؤسّسها أنّه المهدي المنتظر عند المسلمين، والمسيح الموعود عند المسيحيين، ودعوته إلى وقف الجهاد ضدّ البريطانيين، واعتباره أنّ مقاتلتهم لا تكون إلا “من خلال القلم والدعاء والفكر لأنّهم لم يمنعوا المسلمين من تأدية أيّ من شعائرهم ولم يقفلوا مساجدهم”.
في كتاب “الإعلام بما في الهند من أعلام”، ينقل مؤلّفه عبد الحيّ الحسنيّ عن ميرزا غلام أحمد أنّ “عقيدته تتألّف من جزءين: إطاعة الله، وإطاعة الحكومة التي بسطت الأمن وآوتنا في ظلّها، وهي الحكومة البريطانية”.
من رحم “القاديانيّة” خرجت “شعبة لاهور” عقب وفاة المؤسّس عام 1908 بداء الكوليرا، واعتمدت فيما بعد مسمّى “جماعة الأحمدية الإسلامية”، كتحديث بريطاني للنسخة الأولى عمل على دحض ادّعاءات القادياني بالنبوّة، وحتى بالألوهية وفق بعض المراجع، ووقفت حائلاً أمام توسّعها وانتشارها.
من رحم “القاديانيّة” خرجت “شعبة لاهور” عقب وفاة المؤسّس عام 1908 بداء الكوليرا، واعتمدت فيما بعد مسمّى “جماعة الأحمدية الإسلامية”
ثمّة دراسة للباحثة في العقائد والأديان الدكتورة ربى الحسيني عن “القاديانية” و”الأحمدية”، منشورة في موقع “السبيل” المتخصّص في مجال الأديان والعقائد، فنّدت فيها تطوّر دعوة المؤسّس ميرزا غلام أحمد إلى الزعم بحلول روح عيسى بن مريم فيه، ثمّ ادّعاء النبوّة، وصولاً إلى ادّعاء الألوهية وأنّ “الله تجلّى فيه”، مستندة بذلك إلى كتابَيه “حقيقة الوحي” و”الأربعين”.
تعرّف “الأحمدية الإسلامية” عن نفسها في موقعها الرسمي بأنّها “جماعة إسلامية تجديديّة عالمية”، وأنّ مؤسّسها ميرزا غلام أحمد هو “ذلك الموعود الذي بشّر النبيّ محمّد بظهوره في آخر الزمان، والذي ارتقبت بعثته مختلف الديانات بحسب نبوءاتها وبشاراتها ومسمّياتها”. وبحسب التفسير المنشور، والمنسوب إلى المؤسّس فإنّه “يؤكد أنّ الدين عند الله هو الإسلام”، وأمّا اختلاف المسمّيات بالنسبة لـ”المخلّص”، فالمراد منه أنّها “تجتمع في دين عالمي هو الإسلام، لأنّه بوتقة ذابت فيه جميع الديانات السابقة”.
تعرّف “الأحمدية الإسلامية” عن نفسها في موقعها الرسمي بأنّها “جماعة إسلامية تجديديّة عالمية”، وأنّ مؤسّسها ميرزا غلام أحمد
الخلافة الرّاشدة الثّانية
تشير الجماعة إلى أنّ عدد أتباعها بالملايين، وينتشرون في 206 دول. فيما يقدّر عددهم الإجمالي حسب بعض الدراسات بنحو 10 ملايين شخص، وينتشرون بكثرة في إقليم البنجاب الممتدّ على مساحات واسعة بين الهند وباكستان، وفي بعض الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا. ويلاحظ توسّع انتشارهم في القارّة الإفريقية، ويعزى ذلك إلى تركيز الجماعة على الأنشطة الخيرية والاجتماعية في البلدان الفقيرة والنامية.
تعتمد الجماعة نظاماً إدارياً ودينياً تسمّيه “الخلافة الراشدة الثانية”، لأنّها تعتبر نفسها امتداداً لحقبة “الخلافة الراشدة”، ويتزعّمه خليفة الإسلام، وهو رجل الله على الأرض. والخليفة هو منصب منتخب “حيث تراقب الروح القدس العملية الانتخابية”، ويستمرّ في منصبه حتى وفاته. تعاقب على المنصب 5 أشخاص، آخرهم ميرزا مسرور أحمد الخليفة الحالي. ويمكن مراسلة “أمير المؤمنين”، عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للجماعة، أو عبر الموقع الرسمي للخليفة ذاته. ويتضمّن الموقع أيضاً شروط المبايعة، وهي عشرة ترتكز على تعاليم أخلاقية والالتزام بالشعائر الإسلامية والزهد.
تفاخر الجماعة بأنّها شيّدت أكثر من 16 ألف مسجد، بينها أوّل مسجد بُني في لندن، وهو “مسجد الفضل” عام 1924، ومسجد “البشارة” بمدينة قرطبة الإسبانية، ليكون أوّل مسجد جديد فيها بعد 5 قرون على انتهاء الحكم الإسلامي الأندلسيّ. فضلاً عن تشييد آلاف مراكز الدعوة والتبليغ، وأكثر من 500 مدرسة، و30 مستشفى في العالم، ومشروع نشر القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى أكثر من 56 لغة. وتعتبر الجماعة أنّ “إنجازاتها فاقت كمّاً وكيفاً كلّ ما قامت به الفرق والدول الإسلامية وهيئاتها معاً”.
تشير الجماعة إلى أنّ عدد أتباعها بالملايين، وينتشرون في 206 دول. فيما يقدّر عددهم الإجمالي حسب بعض الدراسات بنحو 10 ملايين شخص
جماعة مارقة
تمتلك “الأحمدية” قناة فضائية تبثّ من لندن برامج بمختلف اللغات، وتُصدر مجموعة من المجلّات والدوريّات، منها مجلّتا “التقوى” و”البشارة” باللغة العربية، ومجلّة “مقارنة الأديان” بالإنكليزية، و”الرسالة” بالفرنسية، ومجلّات وجرائد بلغات أخرى بينها الأوردية. وتعقد “الأحمدية” مؤتمراً سنوياً ذا طابع سياسي – ديني. في شباط الماضي عُقد المؤتمر في غانا، وحضره 39 ألف شخص تقريباً، ورأسه “الخليفة”، إنّما عبر الشاشة من إسلام آباد. ومن العناوين التي ركّز عليها في خطبته: “اسعوا إلى كسب قلوب وعقول أبناء شعبكم من خلال الحبّ والمواساة”، و”إحلال السلام” في العالم المشتعل بالحروب عبر “العدل والمساواة”.
بالإجمال يجعل التركيز على الروحانية والابتعاد عن العنف والسياسة هذه الجماعة أقرب إلى الطابع الصوفيّ، وسيرتها مبعث إعجاب. أحد الذين أُعجبوا بها الأديب المصري الشهير عباس العقّاد، كما بيّن الباحث والناقد السعودي علي العميم، المتخصّص في الحركات الإسلامية، في بعض مقالاته. ينقل العميم عن مقال للعقّاد في مجلّة “الرسالة” عام 1945 إعجابه بنشاط الجماعة في ترجمة الكتب ونشرها في أميركا وأوروبا، لأنّهم “يذيعون محاسن الإسلام ويجتهدون في نشره، بما يسهم في التقريب بين الشعوب، وإزالة الشبهات عن المسلمين”. بيد أنّ العميم يفنّد الأخطاء التي وقع فيها العقّاد، ويبيّن أنّ الجماعة وظّفت الكتب التي ترجمتها لتسويق معتقداتها التي تخالف الشريعة الإسلامية، وتنقض المسيحية لتأكيد فكرة أنّ مؤسّسها هو المسيح المزعوم.
إقرأ أيضاً: مقاطعة البضائع الصهيونيّة… وخبث الرأسماليّة
هذه الأفكار والعقائد هي التي دفعت بالمسلمين إلى محاربتها لمنع انتشارها واعتبارها “جماعة مارقة”. عام 1974، أصدر “مجمع الفقه الإسلامي الدولي” التابع لـ”منظمة التعاون الإسلامية” قراراً باعتبار “القاديانيّة” خارجة عن الإسلام، وأنّها حركة تخريبية ضدّ الإسلام والعالم الإسلامي، وأنّها تقف مع الاستعمار والصهيونية. أعقبه صدور قرار ثانٍ عام 1985 باعتبار “اللاهورية (جماعة الأحمدية) مثل القاديانية في الحكم عليهم بالردّة، على الرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنّه ظلّ وبروز لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم”.
رابط فتوى مجمع الفقه الإسلامي الدولي – منظمة التعاون الإسلامي
في الحلقة الثانية غداً:
الرجل الذي “سيعتقل نتنياهو” (2/2): خلافة إسلاميّة بريطانيّة؟