السّعوديّة 2030 – الكويت 2035: الصّعود المشترك

مدة القراءة 7 د

تعكس زيارة وليّ عهد الكويت الشيخ صباح الخالد للسعودية بعد أيام من تعيينه في منصبه، حجم العلاقة بين البلدين، التي تتعدّى الأطر السياسية والدبلوماسية، نظراً إلى امتدادها على مدى أكثر من 133 عاماً، سُجّلت خلالها مواقف بقيت محفورة في التاريخ وفي أذهان الشعبين.

هدَفَ الشيخ صباح الخالد من اختيار السعودية لتكون أولى محطّاته الخارجية كـوليّ للعهد” إلى إيصال الرسالة نفسها التي سبق أن أرسلها الأمير الشيخ مشعل الأحمد بُعيد تولّيه مقاليد الحكم نهاية العام الماضي، عندما اختار السعودية لتكون أولى محطّاته.

مفاد هذه الرسالة: الكويت مُلازمة لشقيقتها الكبرى السعودية في موقف واحد تجاه الملفّات الثنائية مثل حقل الدرّة للغاز المشترك، والقضايا الإقليمية والدولية، وتطمح إلى الصعود المشترك معها من خلال خريطة الإصلاح الاقتصادي، وصولاً لبناء اقتصاد متنوّع وتنمية مستدامة.

 

 

 

لقيت زيارة وليّ عهد الكويت للسعودية يوم الثلاثاء في 11 حزيران الحالي، ترحيباً واسعاً في المملكة، بالنظر إلى العلاقات السياسية التاريخية بين البلدين، والعلاقات الشخصية مع الشيخ صباح الخالد نفسه، الذي كان سفيراً للكويت لدى السعودية ومندوباً للكويت لدى منظمة المؤتمر الإسلامي خلال الفترة من 1995 إلى 1998، بعدما كان قد استهلّ عمله الدبلوماسي بالعمل ضمن وفد الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك بين 1983 و1989.

تعكس زيارة وليّ عهد الكويت الشيخ صباح الخالد للسعودية بعد أيام من تعيينه في منصبه، حجم العلاقة بين البلدين

في ترحيبه بالزيارة، عكس السفير السعودي لدى الكويت الأمير سلطان بن سعد موقفاً ينمّ عن ارتياح سعودي تجاه أوضاع الكويت، بقوله: “أهلاً وسهلاً أبا خالد في دارك بين أهلك ومحبّيك. مرحباً بعضيد مشعل الأمل والضياء (…) معاً دائماً وأبداً نحو مستقبل مضيء ومشرق”.

كما أكّد سفير الكويت لدى السعودية الشيخ صباح ناصر صباح الأحمد أنّ زيارة وليّ العهد للمملكة “تعكس المنهجية التي رسمها” الشيخ مشعل الأحمد “تجاه العلاقات مع الشقيقة الكبرى”.

ما عناه السفيران في موقفيهما أنّ هناك رغبة مشتركة من البلدين بالانتقال بالعلاقات إلى مستوى آخر، خصوصاً أنّ الكويت تنظر بكثير من الإعجاب إلى التحوّل الإصلاحي الضخم الذي تعيشه المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز وإشراف مباشر من وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان الذي بات “نموذجاً” ليس فقط لشعبه وإنما لشعوب الكثير من دول المنطقة.

عدوى الإصلاح

لا نقاش في البلدين حيال الأخوّة ووحدة المصير، بالنظر إلى الخصوصية المتفرّدة للعلاقات والروابط الرسمية والشعبية وأواصر النسب والجوار والتاريخ المشترك، لكنّ الكويتيين لطالما عبّروا عن رغبتهم في الاستفادة من التجربة السعودية ونقل عدوى الإصلاح إلى بلادهم، خصوصاً ما يرتبط منه بالتحوّل الاقتصادي، لمواجهة المعضلة الأساسية في الكويت، وهي الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد بما نسبته أكثر من 90%، وهو ما يحمل في طيّاته الكثير من المخاطر، ويُحمّل الدولة أعباء قد لا تقوى على مواجهتها في المستقبل.

الكويت يجب أن تعالج الأسباب التي منعتها حتى الآن من إطلاق الورشة الكبرى للالتحاق بالقطار الخليجي الذي بات يسير بسرعة عالية في السنوات القليلة الماضية

تريد الكويت البناء على نقاط القوّة التي تمتلكها للانتقال من حال إلى حال: من الاعتماد على الإنفاق الحكومي المُستند بالأساس إلى النفط، إلى خلق دورة اقتصادية يكون القطاع الخاص فيها قطب الرحى والمحرّك الأساس.

الورشة الكبيرة

يعني ذلك عمليّاً أنّ الكويت يجب أن تعالج الأسباب التي منعتها حتى الآن من إطلاق الورشة الكبرى للالتحاق بالقطار الخليجي الذي بات يسير بسرعة عالية في السنوات القليلة الماضية:

– أوّل هذه الأسباب تمّت معالجته، ويتمثّل بالصراع – الصُداع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الذي كان يؤخّر التنمية الاقتصادية، ويمنع الحكومة من العمل. انتهى كلّ ذلك بعد 10 أيار 2024، مع القرار التاريخي للأمير بحلّ مجلس الأمّة وتعليق بعض موادّ الدستور.

– ثانيها هو الدورة المستندية والبيروقراطية، إذ غالباً ما تعاني المشاريع في الكويت من طول الإجراءات وظهور عقبات غير متوقّعة، لأنّ الأجهزة الرقابية كانت تعاني من شغور في بعض مراكزها القيادية، فيما المستثمر الأجنبي يحتاج إلى تسهيلات وسرعة في الإجراءات ما زالت مفقودة حتى الآن. يمكن القول إنّ هذه العقبات لم تنتهِ تماماً مثل العقبة الأولى، لكنها على طريق الزوال من خلال الإجراءات الجديدة التي شرعت الحكومة الكويتية الجديدة في اتّخاذها بالتنسيق مع الأجهزة الرقابية.

– أمّا ثالث الأسباب فيتمثّل في ضرورة الاستفادة من التجارب الناجحة والانخراط فيها، وأولاها التجربة السعودية، التي نجحت في تحقيق نتائج أكثر من المتوقّع، سواء على مستوى الأرقام الاقتصادية أو النموّ أو إرساء قواعد التنمية المستدامة والاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز القوى العاملة الوطنية.

تستند الكويت إلى دعم السعودية الثابت في ملفّاتها العالقة مع إيران، وما يتعلّق بحقل الدرّة المشترك للغاز، الذي “يقع بأكمله في المناطق البحريّة لدولة الكويت”

الرّؤيتان والمجلس

وفق الأسباب وبحسب التطوّرات الجديدة، لم تعد هناك عوائق أمام الكويت لوضع رؤيتها (الكويت 2035) في إطار التكامل مع رؤية المملكة 2030 التي حقّقت حتى الآن أكثر من المستهدف، وتسير بخطى ثابتة نحو استكمال الأهداف ربّما قبل 2030.

يحتاج ذلك إلى مزيد من التعاون على مختلف الصعد الاقتصادية والأمنيّة والثقافية والرياضية والاجتماعية، واستثمار المُقدّرات في البلدين على النحو الأمثل.

في إطار ذلك، يندرج تعزيز التنسيق الذي برز في الآونة الأخيرة وبات على مدار الساعة تقريباً مع المسؤول الفعليّ لملفّ الكويت في المملكة الأمير تركي بن محمد.

كما جرى تفعيل مجلس التنسيق الكويتي – السعودي، الذي عقد اجتماعه الثاني مطلع شهر حزيران الحالي، وشهد توقيع اتفاقيات ومذكّرات تفاهم، بعد اجتماعه الأوّل في 2021.

خلال الاجتماع الجديد، تمّ إقرار 50 مبادرة في اللجان المشتركة من شأنها تعزيز التعاون في كلّ المجالات والدفع بالعلاقات إلى آفاق أرحب.

خلال الاجتماع الجديد، تمّ إقرار 50 مبادرة في اللجان المشتركة من شأنها تعزيز التعاون في كلّ المجالات والدفع بالعلاقات إلى آفاق أرحب

يهدف المجلس الذي تمّ إنشاؤه في 2018، ويُعتبر “أداة مؤسّسية تؤطّر عمل التعاون الثنائي في شتّى المجالات”، إلى “وضع رؤية مشتركة تعمل على تعميق واستدامة العلاقات بين البلدين، بما يتّسق مع أهداف مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة، وإيجاد الحلول المبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وبناء منظومة تعليمية فعّالة ومتكاملة قائمة على نقاط القوّة التي تتميّز بها الدولتان”.

حقل الدّرّة

إذا كان الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى نقاشات وخطط عمل واجتماعات ورؤى استشرافية، فإنّ الملفّات السياسية المشتركة والإقليمية والدولية لا تحتاج إلى أيّ تنسيق، فالمواقف حيالها متطابقة تماماً.

إقرأ أيضاً: وليّ عهد الكويت… الرجل الذي تمدّد ظلّه

تستند الكويت إلى دعم السعودية الثابت في ملفّاتها العالقة مع إيران، وما يتعلّق بحقل الدرّة المشترك للغاز، الذي “يقع بأكمله في المناطق البحريّة لدولة الكويت”، وفق الموقف الخليجي الرسمي، الذي يؤكّد أنّ “ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة المحاذية للمنطقة المقسومة السعودية – الكويتية، بما فيها حقل الدرّة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط”.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…