معادلة الاغتيالات بدل توسيع الحرب تقوّض خطّة بايدن؟

مدة القراءة 7 د

تخضع المفاوضات حول صفقة وقف الحرب وتبادل الرهائن والسجناء لمنطق تبادل الضغوط بالحديد والنار، واستعراض نماذج أسلحة جديدة وقديمة. اشتعال جبهة الجنوب الخميس بعد اغتيال القيادي الرفيع في الحزب أبي طالب وثلاثة آخرين الثلاثاء، يندرج في هذا السياق. كذلك استمرار المجازر في شمال ووسط وجنوب غزة، وفي رفح، وكأنّ كلّاً من فرقاء الحرب يسعى إلى إثبات قدرته على تكبيد الخصم خسائر قبيل وقف النار. هذه هي القاعدة عند نهاية الحروب، إلا إذا كان الهدف تقويض جهود وقف الحرب.

لكنّ المفاوضات تخضع أيضاً لمنطق اللعبة السياسية الداخلية، لا سيما في كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. الغموض في عبارات خطّة جو بايدن باعتبارها تارة أفكاراً إسرائيلية وتارة أخرى خطّة أميركية، أتاح شتّى المناورات والأسئلة. شمل ذلك عنوانَي وقف النار الدائم والانسحاب الإسرائيلي وعودة النازحين، وهو ما حتّم ملاحظات حماس والفصائل.

 

طالبت واشنطن الدول كافّة بالضغط على حماس لتقبل قرار وقف الحرب والحلول التي تضمّنتها خطّة بايدن. وصدر موقف بهذا المعنى عن قمّة الدول السبع في إيطاليا، متجاهلاً ترحيب الحركة بإعلانها من قبل بايدن في 31 أيار. وكذلك موقفها الإيجابي بعدما تبنّاها مجلس الأمن الذي صدر الإثنين الماضي.

لعبة تحميل الحركة سلفاً المسؤوليّة

بدا واضحاً أنّ كلمة السرّ اقتضت تحميل الحركة مسؤولية أيّ فشل في وقف النار سلفاً، فيما لم تصدر أيّ موافقة إسرائيلية رسمية على الخطة. اكتفى وزير الخارجية أنتوني بلينكن بالقول إنّه سمع من بنيامين نتنياهو قبوله بالخطة. بينما طلبت حماس ضمانات أميركية مكتوبة لوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية الكامل من قطاع غزة. وطرحت في المقابل اشتراك الصين وروسيا وتركيا في الإشراف على تطبيق بنود الخطة، بمواجهة التفرّد الأميركي، وربطت إنجاح التبادل ببنود الخطّة الأخرى، ومنها وقف العمليات العسكرية وعودة النازحين وإدخال المساعدات.

بدا واضحاً أنّ كلمة السرّ اقتضت تحميل الحركة مسؤولية أيّ فشل في وقف النار سلفاً فيما لم تصدر أيّ موافقة إسرائيلية رسمية على الخطة

أن تصدر خطّة وقف الحرب في غزة بقرار عن مجلس الأمن ليس دليلاً على إمكان تنفيذها. فإسرائيل ليست دولة تلتزم ما يصدر عن المنظمة الدولية منذ 1949. ولو كانت تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية لما تتالت الحروب، منذ قرار الجمعية العمومية 181 الذي ينصّ على الدولتين.

بكائيّة بلينكن وصحو غزة..

دفع ذلك أحد أقطاب السياسة اللبنانية إلى توقّع فشل الاتفاق لأنّ بنيامين نتنياهو لن يوقف الحرب وسيواصل خطّة محو غزة. في أحسن الحالات قد يتمّ تمرير المرحلة الأولى منه بعملية تبادل للرهائن والأسرى، كما قال لـ”أساس”. فكلّ شيء صار خاضعاً للانتخابات في أميركا. وبالفعل طغى توظيف إدارة بايدن الداخلي الانتخابي لاقتراح وقف الحرب على الجهود الفعليّة لإنجاحه. فالأخير يريد إقناع معارضي انحيازه لإسرائيل من التيار الليبرالي في حزبه بأنّه جهد لوقف ذبح الفلسطينيين. وفي المقابل يبرهن للتيار المؤيّد لإسرائيل ثباته على دعمها. في تأييده الحرب وفي سعيه إلى وقفها، يخضع بايدن للمعادلة المتناقضة نفسها التي حكمت سلوك واشنطن في الأشهر الماضية. ومن الطبيعي أن ينسحب هذا التناقض على المناورات في شأن خطة وقف الحرب:

– قدّم بلينكن في خطابه أثناء “مؤتمر المساعدات الإنسانية العاجلة” في 11 حزيران في العاصمة الأردنية بكائيّة على الفظاعات ضدّ الغزّيّين. عرض نماذج من ثلاثة أطفال فقدوا أهاليهم وإخوتهم في الحرب ضدّ غزة، فتخاله ممثّلاً لإحدى المنظّمات الإنسانية. لكنّه لم ينجح في إقناع الوزراء الحاضرين الذين بدا الوجوم على وجوههم. ولم يتمكّنوا من أن يتجاهلوا أنّه يمثّل الدولة التي زوّدت تل أبيب بالأسلحة عبر أكبر جسر جوّي في التاريخ.

بايدن

– سرّب مسؤولون أميركيون معلومات بأنّ الإدارة تفكّر في إجراء مفاوضات مع حماس للإفراج عن 4 من الرهائن الحاملين للجنسية الأميركية. أراد بايدن وقف النار أو إخلاء رهائن أميركيين قبل مناظرته مع منافسه الجمهوري في 27 حزيران الجاري، ليكون إنجازاً أمام الناخبين. يعتقد مريدوه أنّ السياسة المزدوجة المعتمدة تساعده على استعادة عطفهم بمواجهة ترامب.

الغموض في عبارات خطّة جو بايدن باعتبارها تارة أفكاراً إسرائيلية وتارة أخرى خطّة أميركية

ألاعيب نتنياهو للبقاء: إرضاء الحريديم

على المسرح الإسرائيلي كان همُّ نتنياهو الحؤول دون انهيار حكومته بعدما قفز منها بيني غانتس وغادي آيزنكوت. فهما يرمزان، كرئيسين سابقين للأركان في الجيش، إلى خلافه المعهود مع المستوى العسكري قبل وأثناء الحرب. فهو حمّل قادة الجيش والاستخبارات مسؤولية الفشل في مواجهة هجوم حماس في 7 أكتوبر، رافضاً الاعتراف بقسطه من المسؤولية. والقيادة العسكرية تطالبه بخطة واضحة لأهداف الحرب ونهايتها (اليوم التالي). وهو يرفض أيّ اقتراح من زميله في حزبه الليكود وزير الدفاع الجنرال السابق يوآف غالانت لصيغة إدارة غزة بعد الحرب. وفي وقت رفع فيه غانتس ومعارضو نتنياهو الصوت بالدعوة إلى انتخابات لإزاحته، أخذ الأخير يوحي بأنّ تطبيق خطة وقف الحرب تتطلّب بقاءه. فهو بذلك يخفّف من تأييد واشنطن لخيار تغييره، مظهراً حماسته لحاجة بايدن إلى إطلاق الرهائن في خطة وقف الحرب. لكنّه يبقي مسألتَي الوقف الدائم للنار والانسحاب خاضعتين للتأويل والغموض.

لجأ نتنياهو، البارع في المناورات واللعب على التناقضات بهدف البقاء، إلى خطوة حجب بها تدحرج الأحداث عسكرياً وسياسياً، وهي تمرير نواب حزبه مع المنتمين للأحزاب الدينية مشروع قانون أعدّه لإعفاء “الحريديم” المتشدّدين دينياً من الخدمة العسكرية. والمشروع حظي بأكثرية 63 صوتاً في قراءة أولى في الكنيست، على أن يعاد التصويت في قراءة ثانية وثالثة. لكنّ الكنيست يدخل في عطلة بعد أسبوعين. أرضى نتنياهو بذلك كتلة نيابية من 14 نائباً سيبقون مؤيّدين لبقائه إزاء مطالبة غانتس بطرح الثقة به. وهو قبل بالتضحية بمدّ الجيش بزهاء 66 ألف مجنّد (عدد طلاب المدارس الدينية المعفيّين) تحتاج إليهم المؤسّسة العسكرية لمواصلة القتال. والمقابل ضمان بقائه. فالحريديم عامل حاسم في دعم رئاسة نتنياهو للحكومة منذ تسعينيات القرن الماضي، لتمديده قانون إعفائهم خلافاً لرأي المحكمة العليا. وبعلاقته مع الحريديم يمارس لعبة التوازن مع حزبَي المستوطنين الممثّلَين بإيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وللعلاقة بينه وبين الحريديم تاريخ يحتاج إلى حديث آخر.

 داهم التصعيد على الجبهة الشمالية الإسرائيلية والجنوبية اللبنانية جهود خطة بايدن لوقف الحرب في غزة

هدف نتنياهو الصّمود حتى 24 تموز

تقديرات المتابعين لتشابك حرب غزة، أو وقفها، مع تعقيدات الوضع الداخلي، أنّ نتنياهو يهدف إلى الصمود حتى 24 تموز المقبل. وهو التاريخ الذي سيلقي فيه كلمة أمام مجلس النواب الأميركي في واشنطن بدعوة من الحزب الجمهوري. وهي دعوة تتمّ خلافاً لرغبة بايدن والديمقراطيين لأنّ خصومهم سيوظّفونها ضدّهم انتخابياً. ونتنياهو يعتبر المناسبة تكريساً له في رئاسة الحكومة بدعم من اللوبي الصهيوني في أميركا. بينما هناك في إدارة بايدن من يسعى إلى تقويض الائتلاف الحكومي في إسرائيل ليتعذّر على نتنياهو الحضور.

الاغتيالات بدل الحرب… ومخاطرها

في كلّ الأحوال داهم التصعيد على الجبهة الشمالية الإسرائيلية والجنوبية اللبنانية جهود خطة بايدن لوقف الحرب في غزة. صار الحديث حول كيفية منع توسّع الحرب بعد تسارع وتيرة المواجهات بين الحزب والجيش الإسرائيلي. وفي قمّة الدول السبع أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تشكيل لجنة فرنسية أميركية إسرائيلية لضبط الوضع على الجبهة اللبنانية. وافق نتنياهو على خطة اغتيال القيادي الرفيع في الحزب “أبي طالب” والقياديين الثلاثة الآخرين لتكون معادلة الاغتيالات بدلاً من توسيع الحرب. إلا أنّه لم يكن في مقدور الحزب ألّا يردّ بقوة على هذا الاستهداف، وهو ما أعاد إلى الواجهة مخاطر الانزلاق إلى حرب شاملة. فمسلسل الردود والردود عليها سيفرض على فريقَي المواجهة رفع درجة العمليات في كلّ مرّة يتعرّضان للخسائر.

إقرأ أيضاً: المشهد الداخلي في إسرائيل وفلسطين يعاكس خطّة بايدن؟

على الرغم من خطورة المستوى الجديد من التصعيد يتمسّك كثر بالمعادلة القائلة إنّه تسخين سيبقى تحت سقف مضبوط كما في الأشهر الماضية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

وصيّة السّيّد للسّياديّين!

مضت على هذه الأحداث 20 سنة كاملة. لكنّها تتكرّر اليوم بأدقّ تفاصيلها، مع تبديل بسيط في بعض اللاعبين خارجياً، وبقاء الكثير من الوقائع والسياقات، وحتى…

لمَ لا يكون الطّائف هو الحلّ؟

الانقسام في لبنان سيّد المواقف كلّها. القرارات الدولية ترضي البعض وتغضب الآخرين، وكذلك الأمر في ما يتّصل بالالتحاق بالمحاور هنا وهناك. في ظلّ هذا الانقسام،…

مصباح الرياض والقاهرة

بالأمس أشرنا إلى الفرق بين المسار العربي “المسؤول” والمسارات الأخرى في المنطقة من القوى غير العربية، وعلى رأس هذه القوى إيران وقلاقلها، وإسرائيل وحروبها اللامحدودة…

دور عربيّ لتفادي “الشّريط العازل”

ليس التحرّش المستمرّ لإسرائيل بالقوّة الدولية في جنوب لبنان عملاً اعتباطياً بمقدار ما يبدو أنّه جزء من مخطّط مدروس في غاية الخطورة. يتمثّل هذا المخطّط…