من دون اتّضاح صورة “اليوم التالي” لا طائل من قول جو بايدن إنّه “حان الأوان لإنهاء هذه الحرب”.
بموازاة الاندفاع الأميركي من أجل وقف الحرب على غزّة يلح السؤال عمّا إذا كان الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني باتا مهيّئين لذلك. فهل تحضير المسرح السياسي الإسرائيلي الداخلي يمهد لتقبُّل هذا الخيار مع ما يعنيه من تغيير تركيبة حكومة بنيامين نتانياهو؟ وهل “حماس” في ظل موازين القوى الداخلية على استعداد للانخراط فعلاً في منظمة التحرير الفلسطينية وبصيغة موحدة لإدارة القطاع؟
ربح رئيس الحكومة الإسرائيلية تمديداً لقدرته على المناورة وإطالة الحرب بعد تحرير جيشه أربع رهائن من مخيم النصيرات السبت الماضي. فالعملية تعزز حجته بأن مواصلة الحرب لضرب حماس تعيد الرهائن، غير آبه بما يسببه جيشه من مآسٍ للفلسطينيين. حزام القصف الذي رافق العملية أوقع 274 شهيداً و698 جريحاً حتى أول من أمس. يضاف ذلك إلى سجل إسرائيل الدولي الشنيع بعد إدراجها على القائمة السوداء من قبل الأمم المتحدة، لقتلها الأطفال.
التأرجح الأميركي بين إدارة الحرب ووقف النار
رحب الرئيس الأميركي من فرنسا، ومعه الرئيس إيمانويل ماكرون، بتحرير الرهائن الأربع، إرضاءاً لمنتقديه في أميركا من داعمي الدولة العبرية. إلا أنّ الارتباك الأميركي ظهر جلياً. فبايدن قال إنه سيواصل العمل “حتى يعود جميع الرهائن إلى ديارهم ويتم التوصّل إلى وقف لإطلاق النار. وهذا ضروري لتحقيق ذلك”. لكن مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان تحدّث عن إطلاق الرهائن المتبقين، “عن طريق المفاوضات أو وسائل أخرى”. و”الوسائل الأخرى” تشمل العمل العسكري بعد تسريب “سي إن إن” بأنّ الخليّة الأميركية لاستعادة الرهائن شاركت في عملية النصيرات استخبارياً وعملانياً. كل ذلك على رغم أنّ تحرير الرهائن بالوسائل العسكرية محفوف بالمخاطر على مصيرهم. فعملية النصيرات حرّرت أربعة لكنّها قتلت 3 رهائن بينهم أميركي.
رحب الرئيس الأميركي من فرنسا، ومعه الرئيس إيمانويل ماكرون بتحرير الرهائن الأربع إرضاءاً لمنتقديه في أميركا
والنتيجة هي أنه طالما تدير أميركا الحرب فإنّ التقاطع بين إدارة بايدن وبين توجّهات نتانياهو يكرّس استمرار الحاجة إلى الأخير.
استقالة غانتس وآيزنكوت لا تغيّر بالموازين
استقالة الوزيرين بني غانتس وغادي آزنكوت من الحكومة لن تؤدّي إلى فرطها على رغم ما قيل إن واشنطن ترغب بذلك. أي أنّ لا مفعول للمراهنة على استخدام إدارة بايدن نفوذها لديهما للضغط من أجل دفع نتانياهو لقبول وقف النار. إذ أنّ الأخير ضمّهما إلى حكومة الحرب لتوسيع قاعدتها خلال القتال في غزّة وللحصول على تغطية الوسط الإسرائيلي لقراراته المنفردة. ورغم استقالتهما، يحتفظ نتانياهو بتأييد الأكثرية في الكنيست (64 نائباً من أصل 120)، بتحالف حزبه مع تشكيلات اليمين الديني المتطرف. وباتت وسيلة واشنطن الوحيدة إذا صح الافتراض بأنّها تملك القدرة على تهديده بنسف حكومته، أن تمارس نفوذها داخل الليكود. أي بدفع وزير دفاعه يوآف غالانت إلى الاستقالة لأنّه على خلاف شديد معه لغياب خطة اليوم التالي. فغالانت يميل إلى صيغة ما لإشراك منظمة التحرير بإدارة القطاع بعد الحرب. لكن خيار الانشقاق داخل ليكود غير مضمون. وبالتالي فإنّ أي تغيير في تركيبة الحكم في الدولة العبرية ينسجم مع سيناريو وقف الحرب مستبعد.
بين الاكتفاء بالمرحلة الأولى وحاجة بايدن الداخلية
المسرح الإسرائيلي ينتظر زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى تل أبيب في الساعات المقبلة، وسط تعدّد التوقعات:
من دون اتّضاح صورة “اليوم التالي” لا طائل من قول جو بايدن إنّه “حان الأوان لإنهاء هذه الحرب”
– أن تستفيد إدارة بايدن من تسليفها تل أبيب الدعم الاستخباراتي والعملاني لعملية النصيرات، لدفعها لقبول وقف النار في مجلس الأمن. وفي هذه الحال يبقى الهدف الفعلي أدنى من وقف الحرب، باتفاق مسبق على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة بايدن فقط. أي تبادل الرهائن من النساء والمسنين والجرحى الإسرائيليين مقابل جزء من الأسرى الفلسطينيين مع إدخال مساعدات إنسانية. وتشمل عودة الفلسطينيين إلى “منازلهم وأحيائهم” وانسحاب إسرائيلي من “مناطق مأهولة”… ودون تنفيذ المرحلة الأولى عقبات تحتاج بذاتها إلى تفاوض من نقطة الصفر. فإسرائيل حذفت مثلاً، في التعديلات التي اقترحتها على مشروع قرار المشروع الأميركي عبارة الإفراج عن “مئات الأسرى الفلسطينيين”… وفي كل الأحوال يسمح الاكتفاء بالمرحلة الأولى باستئناف العمليات العسكرية بعد 6 أسابيع.
– أن تكتفي إدارة بايدن بمحاولة وقف الحرب، من دون وقفها، بحجة صعوبة تطويع الوضع الإسرائيلي الداخلي مع هذا الهدف. بذلك يكون الرئيس الأميركي أظهر لمعارضيه من حزبه أنه سعى لكن المشكلة في طرفي النزاع. ولا مانع في هذه الحالة أن يظهر بأنّ الداخل الإسرائيلي هو العقبة، مع ارتفاع نسبة النقمة على نتانياهو في صفوف الديموقراطيين. كما أنّ باستطاعة بايدن أن يتذرّع بالاعتراض الروسي والصيني على مشروع القرار في مجلس الأمن في حال اعترضتا عليه…
هوكستين توسّط إلى الحزب؟
بالإضافة إلى السؤال عن مدى جاهزية الداخل الإسرائيلي لوقف الحرب، ماذا عن الداخل الفلسطيني؟ فمع الضغط الدولي الذي تمارسه واشنطن على “حماس” على أنها العقبة الوحيدة أمام خطة بايدن، لا وضوح حول الصيغة الفلسطينية لإدارة القطاع. في هذا السياق يمكن الإشارة إلى بعض الوقائع:
– “حماس” في إحراج بين الموافقة على وقف الحرب وبين رفض اقتراح بايدن الذي يتلاعب به نتانياهو. فتارة يعدل فيه، وأخرى يصرّ على أنه لا يعني وقف الحرب.
النتيجة هي أنه طالما تدير أميركا الحرب فإنّ التقاطع بين إدارة بايدن وبين توجّهات نتانياهو يكرّس استمرار الحاجة إلى الأخير
– خلافاً للتسريبات عن أنّ رئيس الحركة في غزّة يحي السنوار تشدّد حيال خطة بايدن، أفادت مصادر متصلّة بـ”حماس” بغير ذلك. وأوضحت هذه المصادر لـ”أساس” أنّ السنوار بعث للقيادة في الدوحة بأنّه لا ضرورة لمراجعته في شأن كل عرض لوقف الحرب. فما يهمه شرطان: وقف إطلاق نار دائم، والنص على انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع. أما باقي التفاصيل فهي تعود للمكتب السياسي في الخارج.
– مصادر متصلّة بحماس أكّدت ما تسرب عن أنّ مستشار بايدن آموس هوكستين طلب من الرئيس نبيه برّي التوسط مع حماس. فقد اقترح هوكستين عليه أن ينقل رسالة للحزب بأن يلعب دوراً مع الحركة كي توافق على خطة بايدن. وحين تبلّغ الحزب بذلك كان جواب قيادته بأنها لن تتدخل، وتعتبر أنها “لم تسمع” بهذه الفكرة. وهذا الموقف يلقي الضوء على حسابات الحركة بالتحالف مع إيران التي انتقدت خطة بايدن.
المحاولة الصينية الجديدة بين “حماس” والسلطة
– توحيد المرجعية الفلسطينية تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كي تلعب دوراً في إدارة القطاع بعد الحرب يراوح مكانه. في انتظار الاجتماع الحواري لـ14 فصيل فلسطيني في بكين في 23 يونيو (حزيران) الجاري. وهو اجتماع تقول مصادر فلسطينية إن رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” اسماعيل هنية سيشارك فيه. يسبق المحاولة الصينية الجديدة التي كانت بدأت في آخر أبريل (نيسان) الماضي، زيارة دولة يقوم بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بكين في 13 حزيران تستمر 3 لأيام. هدف الجهد الصيني معالجة المعضلة إياها:
– “حماس” توافق على حكومة وحدة وطنية من الكفاءات لا تتمثل فيها مباشرة لكنها تشارك في تسمية الوزراء. فهل المقصود استقالة حكومة محمد مصطفى التي شكلها أواخر مارس (آذار) الماضي لتشكيل حكومة جديدة؟ أم استبدال بعض الوزراء؟
– تطالب الحركة أن يقتصر يرنامجها على الجوانب الإنسانية الإنقاذية والخدماتية. تصر “فتح” على برنامج سياسي يشمل التزام القرارات الدولية ومرجعيات مفاوضات السلام، وحلّ الدولتين.
هذه المعطيات تشير إلى أنّ المسرح الفلسطيني هو الآخر لم يصبح جاهزاً لما بعد وقف الحرب.
لمتابعة الكاتب على X: