اكتسبت المواجهة بين مدّعي عام التمييز بالتكليف القاضي جمال الحجّار والنائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بعداً أكثر حساسية مع توجّه الأخيرة، وفق معلومات “أساس”، لتقديم شكوى أمام مجلس شورى الدولة تتعلّق بقانونية القرار الصادر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى في شباط الماضي بتكليف الحجّار بمهامّ مدّعي عام التمييز وبقانونية التعميم الصادر عنه بحقّها.
بعد لجوئها إلى مجلس شورى الدولة لإبطال قرار مجلس القضاء الأعلى القاضي بعدم صلاحيّته للنظر في طلب ردّ رئيسه القاضي سهيل عبود، بصفته رئيس الهيئة العليا للتأديب، في الملفّ المرتبط بإحالتها إلى المجلس التأديبي، تحاول القاضية عون حرف الأنظار عن نقطة الاشتباك الأساسية بينها وبين مدّعي عام التمييز عبر التشكيك في قانونية قرار تكليف الحجار، واستطراداً قانونية التعميم الصادر عنه بحقّها.
بيان استثنائيّ
يُصنّف البيان الصادر عن الحجّار بحقّ القاضية عون، بعد إصداره تعميم إلى الأجهزة الأمنيّة بالتوقّف عن أخذ إشارة قضائية منها، بالاستثنائي وغير المسبوق لأنّه صادر عن قاضٍ يصعب أن ترصد في العدلية من يتشكّك في نزاهته ومناقبيّته ونظافة كفّه وخبرته القضائية التي لا غبار عليها، والأهمّ لأنّ الانفعالات والأحكام المسبقة لا تتحكّم بمساره القضائي بل فقط القانون.
اتّهم الحجّار عون في البيان، وهذا ما لم يفعله مدّعي عام التمييز السابق غسان عويدات ضمن إجراء معلن
اتّهم الحجّار عون في البيان، وهذا ما لم يفعله مدّعي عام التمييز السابق غسان عويدات ضمن إجراء معلن، “بتوسّل الشعبوية والخروج عن الرصانة والحيادية والتزام موجب التحفّظ ومحاولة إلباس المخالفات ثوب حماية حقوق المودعين بوجه المصارف، في حين أصبح واضحاً أنّ إجراءاتها تهدف إلى تأمين امتيازات لبعض المحظيّين على حساب أموال باقي المودعين عبر صرف النفوذ. فضلاً عن اتّهامها بالتخاطب غير اللائق مع رؤسائها وزملاء لها ومجاهرتها بمخالفة طلبات موجّهة إليها من النائب العامّ التمييزي”.
ما شفت إلّا تويتات
بعدها سارعت عون إلى التشكيك في قانونية تكليف الحجّار وطالبت مجلس القضاء الأعلى “بممارسة دوره في ما يتعلّق بالتقاتل بين قضاة النيابة العامّة ووجوب النظر سريعاً برفع يد النائب العام التمييزي عن ملفّ القاضية عون وتكليف قاضٍ آخر بصورة مؤقّتة”.
أمّا أمس، وبكلام عمومي، قالت عون: “أمام هول ما حصل والتطاول الوقح على قاضٍ يحاول رفع الظلم وتطبيق القانون ما شفت إلا تويتات. مبروك عليكن هيك نظام مافيوي ونظام محاربة الفساد. ما عاد لها معنى. أنا تاركة أقلّه ضميري مرتاح. مبروك عليكن”.
لم يُعرف هل عون أوحت من خلال كلامها بتقديم استقالتها أو رفض الالتحاق بمكتبها لأنّ تعميم القاضي الحجّار سيحوّلها إلى قاضية “منبوذة” من الأجهزة الأمنيّة لا سلطة لها أن تمنح إشارات قضائية، وهو ما يعني كفّ يدها عن الملفّات التي تضع يدها عليها.
لم يدخل القاضي الحجّار إلى “قَلَم” غادة عون ولم يمنعها من دخول مكتبها ولم يصادر صلاحيّاتها، بل وزّعها على النيابات العامّة
لهذا فعلها الحجّار!
لكنّ القضاة المدافعين عن قرار الحجّار يسردون الوقائع الآتية لإيضاح خلفيّة إجراءاته:
– تصرّفت القاضية عون كـ “شركة تحصيل أموال”. فالنيابة العامّة “مش شغلتها” تردّ أموال بل مهمّتها التحقيق بالملفّات والادّعاء (أو حفظ الملفّ) ثمّ الإحالة إلى قاضي التحقيق. لذلك تحوّلت بفعل أدائها المشبوه إلى “قاضي صلح” في ملفّات مودعين محظيّين، حيث تستدعي المصرف وتخيّره بين الدفع للمودع أو تدّعي وتحجز عليه. هذا يُسمّى صرف نفود وعملية ابتزاز يمتهنها بضعة محامين معروفين بالاسم يدورون في فلكها السياسي. وقد أتى كلامها عن “تقريب وجهات النظر بين المودع والمصرف لتجنّب الادّعاء” ليُدينَها وليس العكس.
– لم يدخل القاضي الحجّار إلى “قَلَم” غادة عون ولم يمنعها من دخول مكتبها ولم يصادر صلاحيّاتها، بل وزّعها على النيابات العامّة، لكن لم يعد بإمكانها أن تمنح إشارة قضائية لأيّ جهاز. فهي التي أخرجت نفسها من هرمية النيابة العامّة والضابطة العدلية بتمرّدها على رأس النيابات العامّة والضابطة العدلية. ومن يَرصُد تاريخ إصدار الكتب الموجّهة من الحجّار لعون، ثمّ الإجراء المُتّخذ بحقّها، يدرك فارق الوقت، وهو ما يعني أنّ مدّعي عام التمييز مَنَح عون فرصة العودة عن خطئها، لكنّها لم تمتثل، سيّما أنّ التواصل الهاتفي معها لم ينفع أيضاً، لا بل تمرّدت وتعاطت مع مدّعي عام التمييز كأنّها تأمره وبأسلوب تخاطب غير مألوف واكتفت بإرسال ملفٍّ واحد من أصل ستّة طلبها!
– أتت مراسلات الحجّار بناءً على شكاوى على القاضية عون حوّلها إليه مجلس القضاء الأعلى مرتبطة بمصارف، ولم يكن من ضمنها ملفّ شركة “أوبتيموم” (ملفّ العمولات وتحويل أموال بقيمة 8 مليارات دولار إلى حساب خاص في مصرف لبنان)، وهو ملفّ أقحمه قريبون من القاضية بالقضية للإيحاء بأنّ هناك من يريد أن يوقف مسارها في الملاحقة المالية. غادة عون نفسها استحضرت ملفّ “أوبتيموم” معتبرة أنّ القاضي الحجّار جرّدها من صلاحيّاتها لأنّها توصّلت إلى نتائج حاسمة بالملفّ وكشفت تورّط نافذين.هذه عملية تعمية على الحقائق، لأنّ “أوبتيموم” لم يكن ضمن الملفّات الستّة، فيما هناك قضاء مسخّر لبعض المودعين، وهو ما يخلق تمايزاً فاضحاً مع بقيّة المودعين.
– إلى أين وصل مسار ملاحقتها للمصارف منذ 2017 حتى اليوم؟ وأين القرارات الاتّهامية وقرارات الإحالة إلى محكمة الجنايات، مع العلم أنّ القاضي الحجّار تسلّم مهامّه في شباط الماضي؟ وهل يمكن لمدّعي عام التمييز أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الكمّ من التجاوزات من جانب قاضية تعتبره مغتصب سلطة وتتمرّد على قراراته وترفض تبلّغ دعاوى بحقّها وتخالف الأصول والأعراف والقوانين.
اعتبرت القاضية عون وبعض القضاة أن لا صلاحية لمدّعي عام التمييز لكفّ يد النائبة العامّة الاستئنافية بل إعطاء التوجيهات لها فقط
وزير العدل
من جهة أخرى، اعتبرت القاضية عون وبعض القضاة أن لا صلاحية لمدّعي عام التمييز لكفّ يد النائبة العامّة الاستئنافية بل إعطاء التوجيهات لها فقط، وأنّ القرار يعود إلى وزير العدل بناءً على طلب التفتيش القضائي. وبعد مناشدة عون الوزير هنري خوري التدخّل “لوقف التجاوز الفاضح للقانون” ثمّ التلويح باستقالتها، أصدر مكتب وزير العدل بياناً أمس بعد أربعة أيام من قرار الحجّار قال فيه: “في إطار ما يحصل بين النيابة العامّة التمييزية والنيابة العامّة الاستئنافية سيقوم بدوره وضمن صلاحيّاته وسيعمل على حلّ كلّ خلاف يؤثّر على سير العمل القضائي”.
طَرَح التدخّل المُتأخّر لوزير العدل علامات استفهام حول موقفه في وقت تؤكّد المعطيات فتور العلاقة بينه وبين النائب جبران باسيل، وأنّ هناك ضغوطات حصلت عليه لإصدار البيان. مع ذلك، ثمّة من يرى أنّ عون “تُرِكت وحيدة وتخلّى عنها فريقها السياسي، الأمر الذي دفعها بعد التأكيد على استمرارها بعملها وعدم الاستنكاف عن إحقاق الحقّ إلى التلويح بالاستقالة”. حتّى إنّ نادي القضاة لم يتجاوب مع مناشدتها “التدخّل واتّخاذ موقف من تدخّل الرئيس نجيب ميقاتي الفاضح بالقضاء”.
إقرأ أيضاً: جمال الحجّار يقفل “دكّانة غادة عون”
وميقاتي…
أمّا الكتاب الذي وجّهه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الخميس الماضي إلى الوزارات والإدارات العامّة “بوجوب التقيّد والالتزام بالتعميم الصادر عن النائب العامّ لدى محكمة التمييز بالتكليف القاضي جمال الحجار والذي يهدف إلى تأمين إعادة الانتظام إلى عمل النيابة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان”، فقد أثار الاستياء في الأوساط القضائية لأنّه يشكّل “تدخّلاً في عمل القضاء واستباحة للدستور وفصل السلطات”، فيما اعتبرت القاضية عون أنّ هذا التعميم “يعرّضه للملاحقة القانونية”.
لمتابعة الكاتب على X: