عجقة تصريحات باتّجاه الذهاب نحو الحرب وعجقة مبادرات داخلية وخارجية. مشهدان متناقضان لا قاسم مشتركاً بينهما سوى الرهان المستمرّ على انفراج من غزة إلى بيروت يَسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية ويؤسّس لحلّ رئاسي يجزم أكثر من مصدر دبلوماسي أنّه لن يكون منفصلاً عن خارطة طريق تبدأ برئاسة الحكومة ولا تنتهي بـ “الإصلاحات الإلزامية” المطلوبة من لبنان.
بعد أسبوع تماماً تحلّ ذكرى مرور سنة على عدم الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية. 14 حزيران 2023 كانت خاتمة الدعوات إلى الانتخاب بعد مسارٍ رئاسي مُتعثّر: عام 2022 التأم المجلس في عشر جلسات منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، وجلستان يتيمتان في كانون الثاني 2022.
بعد نحو عام لم يتغيّر المشهد لناحية التصلّب في المواقف باستثناء “حدث غزّة” وتغيير الرئيس نبيه بري موقفه الذي أفتى به بعد جلسة 14 حزيران مؤكّداً “عدم دعوته إلى الحوار مجدّداً. هذا الموضوع انتهى بالنسبة لي. منذ أعلنت سليمان فرنجية مرشّحنا أصبحت فريقاً ولم أعد حَكَماً ولا يسعني الدعوة إلى حوار كانوا رفضوه مرّتين. أفضّل حواراً يدعو إليه البطريرك الماروني” (حديث صحافي إلى الزميل نقولا ناصيف في جريدة الأخبار حزيران 2023). لكن لاحقاً عَدَلَ بري عن رأيه: “أنا أبو الحوار ولا رئاسة من دونه”.
أبعد من باسيل، لا يتوقّع الاشتراكيون نتائج مرضية عن سلّة المبادرات المُفعّلة حالياً
3 مشاهد معبّرة
في الذكرى الأولى لآخِرة الجلسات الانتخابية ولشغور رئاسي عمره عام وسبعة أشهر ونصف ارتسمت ثلاثة مشاهد مُعبّرة:
– غليان حدودي بسقف متبادل: إعلان إسرائيلي عن استعداد وشيك لشنّ حرب على لبنان وإعلان من جانب الحزب لـ “الجهوزيّة الكاملة للحرب وبسيناريوهات متعدّدة” مع مكمّلات لا توحي إلّا باستمرار التأزّم العسكري من دون أن يجزم أيّ طرف حتميّة حصول الحرب الشاملة اللبنانية-الإسرائيلية.
– تراكم للمبادرات نواتها حراك “اللجنة الخماسية” ثمّ مبادرة كتلة الاعتدال وزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان و”لقاءات قطر” ومبادرة الحزب التقدّمي الاشتراكي وصولاً إلى حراك النائب جبران باسيل الذي سيلتقي مرجعيات سياسية وروحية، فيما سبق للقوات اللبنانية أن رفضت استقبال وفد من التيار في معراب. والأهمّ انتظار نتائج القمّة الفرنسية-الأميركية على شاطئ أوماها في ذكرى الثمانين لإنزال النورماندي.
– المشهد المارونيّ الـ “قحّ” في رأس بعلبك-القاع بثنائية البطريرك بشارة الراعي وقائد الجيش العماد جوزف عون تحت عنوان تدشين فتح طرقات الذي بدا في عهد الفراغ والإنابات بديلاً عمّا يفترض أن يقوم به رئيس الجمهورية.
تخلّلت المناسبة رسالة بطريركيّة لـ “قيادة الجيش التي تفتح طرقات جديدة في حين أنّ البعض يعمد إلى إقفال الطرقات وإضعاف الروابط”. بالمقابل، خلت كلمة قائد الجيش من بعلبك من أيّ موقف سياسي باستثناء تأكيد عدم “التوقّف عند بعض منتقدي المساعدات التي تقدّم للجيش من محبّين وأصدقاء لبنانيين وأجانب، وبقاء الجيش بعيداً عن أجواء الانقسامات”. ومن بعلبك إلى واشنطن تكتسب زيارة العماد عون للولايات المتحدة دلالات سياسية في “عزّ” المبادرات الرئاسية وقرب تكريس هدنة غزة.
ليس في الأفق ما هو جديد ويُبنى عليه باستثناء معطى داخلي يَعكسه النائب جبران باسيل من خلال كلامه في العلن والغرف المُغلقة
مصير المبادرات
لكن ما هو مصير المبادرات المُتطايرة فوق الرؤوس وخلفيّة الحراك القطري المتجدّد في ظلّ “الشعرة الفاصلة” عن الحرب؟
لدى أكثر من مرجعية لبنانية شبه اطمئنان إلى الضغط الأميركي المتزايد على الجانب الإسرائيلي لعدم توسيع الجبهة اللبنانية وتطويرها إلى حرب مفتوحة. قد يُفسّر ذلك النشاط المتزايد على خطّ المبادرات وإعادة القطريين تفعيل وساطتهم بالتنسيق مع اللجنة الخماسية.
ليس في الأفق ما هو جديد ويُبنى عليه باستثناء معطى داخلي يَعكسه النائب جبران باسيل من خلال كلامه في العلن والغرف المُغلقة. إذ يجزم باسيل أنّ “المُعطّلين الأساسيّين لانتخاب الرئيس هما الحزب والقوات اللبنانية ضمن تقاطع مصالح يعطّل الاستحقاق منذ أشهر طويلة. فلا مصلحة للقوات في هذه اللحظة السياسية بانتخاب رئيس، وهي ربّما تنتظر أمر الخارج، والثنائي الشيعي يُناوِر بغية تأجيل الاستحقاق إلى ما بعد غزة، خصوصاً أنّ مسار مرشّحه الرئاسي سليمان فرنجية مقفل تماماً”.
اتّهام باسيليّ للثّنائيّ
لم يتوانَ باسيل عن اتّهام الثنائي الشيعي بـ “محاولة إغراق الجلسات الرئاسية بأكثر من مرشّح إذا حُشِروا بالدعوة إلى الجلسات الانتخابية المفتوحة لأنّ التوقيت غير ملائم للحركة والحزب لانتخاب رئيس. فما معنى أن يتصلّب سمير جعجع رافضاً الحوار فيما برّي يشترط لحصوله مشاركة كلّ القوى السياسية؟”.
وفق المعلومات، يسعى الوسطاء الداخليّون، إلى تكثيف الضغط للدخول في مرحلة التشاور في الأسماء قبل أن يدعو بري النواب إلى جلسات بدورات انتخابية متتالية
هو واقع يحاول باسيل من خلال أدوات الشغل الناشطة حالياً، خصوصاً مبادرة “الاعتدال” والحزب الاشتراكي وعبر التلاقي مع القطريين، “استثماره” لكسر هذه النمطية السلبية.
أبعد من باسيل، لا يتوقّع الاشتراكيون نتائج مرضية عن سلّة المبادرات المُفعّلة حالياً. تنقل مصادر مواكبة “موجة من الإحباط لدى النائب السابق وليد جنبلاط وأعضاء حزبه لصعوبة إحداث أيّ خرق رئاسي حالياً، وهو ما سيطيل الأزمة أشهراً إضافية”.
إقرأ أيضاً: عوكر بين نار وانفجار: عودة الأسد ومصادفتان عن “عونَين”!
تكثيف الضّغط
لكن، وفق المعلومات، يسعى الوسطاء الداخليّون، ومن ضمنهم باسيل والاشتراكي و”الاعتدال” وبعض النواب المستقلّين، إلى تكثيف الضغط للدخول في مرحلة التشاور في الأسماء قبل أن يدعو الرئيس نبيه بري النواب إلى جلسات بدورات انتخابية متتالية، وهو ممرّ سيقود حتماً، برأي وسطاء، إلى انتخاب رئيس الجمهورية حتى لو طال “عمر” الدورات.
يعلّق أحد النواب قائلاً: “هل يُعقَل أنّ قائدة محور الممانعة في المنطقة، أي إيران، تخسر رئيسها في 19 أيار الماضي فتدعو السلطات بعد أيام معدودة إلى إجراء انتخابات في 28 حزيران، فيما قائد محور الممانعة في لبنان، أي الحزب، يُناور رئاسياً إلى ما بعد غزة وبعض أطراف الداخل يُلاقيه بمهمّة التعطيل؟”.
لمتابعة الكاتب على X: