طغى الهجوم المسلّح على السفارة الأميركية في عوكر على مجمل الملفّات الداخلية نظراً لخطورته وأبعاده السياسية والأمنيّة المرتبطة بالتوقيت وبحدوثه أمام مقرّ السفارة الأكثر تحصيناً في لبنان والذي على مقربة منه يتمّ تشييد أكبر مبنى لسفارة أميركية في منطقة الشرق الأوسط. مصادر أمنيّة أكّدت لـ “أساس” أنّ منفّذ الهجوم من المقيمين في الصويري – مجدل عنجر وقَدِم إلى محيط السفارة على متن فان للركّاب، وبيّنت الإفادات الأوّلية على لسان بعض أفراد عائلته أنّهم لمسوا منذ أشهر تغيّراً في تصرّفاته بحيث بات أكثر تشدّداً والتزاماً بأفكار وعقيدة “داعش”.
تحوّل تبادل إطلاق النار بين منفّذ هجوم السفارة قيس فرّاج (20 عاماً، سوريّ الجنسية) وبين الجيش اللبناني إلى ما يشبه فيلم أكشن مع طرح تساؤلات كبيرة عن “نقطة الضعف” التي تسهّل الوصول إلى النقطة الأقرب من مقرّ إحدى السفارات الأكثر تحصيناً في العالم وإطلاق النار عليها بفارق زمني نحو تسعة أشهر عن حادث إطلاق نار على مدخل السفارة على خلفيّة شخصية غير سياسية من قبل عامل دليفري.
الهجوم الذي وقع عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً بدأ مع إطلاق قيس النار وهو ملثم الوجه على مدخل السفارة الأوّل (الجهة السفلى) من رشّاش كلاشينكوف، ثمّ تقدّم خطوات إلى الأمام وأطلق النار مجدّداً على المدخل الآخر قبل أن يبادر الجيش إلى التدخّل، فجَرت عملية كرّ وفرّ استمرّت لنحو أقلّ من نصف ساعة في محاولة لتوقيفه، وهو ما أدّى إلى إصابته إصابة بليغة ببطنه ورجله، ونقل سريعاً إلى المستشفى العسكري وخضع لعملية جراحية فيما تمّ نقل عنصر أمن السفارة المصاب إلى مستشفى الجامعة الأميركية.
طغى الهجوم المسلّح على السفارة الأميركية في عوكر على مجمل الملفّات الداخلية نظراً لخطورته وأبعاده السياسية والأمنيّة المرتبطة بالتوقيت وبحدوثه أمام مقرّ السفارة الأكثر تحصيناً في لبنان
بعدها سيتمّ الاستماع إلى إفادته لمعرفة دوافع الهجوم الذي يقدّر الأمنيون أنّه نصرة لغزّة واعتراضاً على الموقف الأميركي حيال حرب غزة ورفح، وقد كان يردّد خلال تبادل إطلاق النار مع الجيش عبارة “يا أعداء الله”. كما ذكرت قناة “إل بي سي” أنّ قيس مسجّل لدى مفوضية اللاجئين UNHCR.
توقيفات بالجملة
تفيد معلومات “أساس” عن توقيف مخابرات الجيش سريعاً أمس كامل أفراد عائلته وبعض معارفه في منطقة البقاع، كما استمعت “شعبة المعلومات” إلى والده قبل أن تسلّمه إلى الجيش ولاحقاً أوقفت شعبة المعلومات سائق الفان في منطقة الكولا وسلّمت الفان والموقوف إلى الجيش. إضافة إلى توقيف مخابرات البقاع إمام مسجد أبي بكر الصديق في مجدل عنجر الشيخ مالك جحة (سوريّ الجنسية) للاشتباه بتورّطه بالهجوم، إذ تفيد معلومات “أساس” أنّ قيس وشقيقه الأصغر قتادة (17 عاماً) الذي أوقفه الجيش يتلقّيان دروساً دينية لديه.
كما أظهرت كاميرات المراقبة، وفق المعلومات، وصوله إلى محيط السفارة بفان للركّاب ترجّل منه حاملاً حقيبة ظهر، ودخل إلى إحدى البنايات القريبة من السفارة وارتدى الجعبة المزوّدة بالذخائر وانطلق نحو مدخل السفارة. وقد عثر الجيش على الحقيبة، فيما تقصّد قيس خلال عمليّته ارتداء جعبة كتب عليها الشعار المعتمد لدى “داعش”.
تشير التقديرات الأمنيّة حتى الساعة إلى أنّه عملٌ فرديّ وغير منظّم ضمن شبكة مترابطة، بل الأرجح ضمن خليّة ضيّقة كانت أصلاً محط متابعة أمنية، وهو ما يعني أنّه ذئب منفرد يعلم أنّ العملية ستنتهي على الأرجح بمقتله نظراً لصعوبة التنفيذ والانسحاب من دون توقيفه أو قتله. والتحقيقات ستتركّز على معرفة هل الهجوم نُفّذ بإيعاز من جهة أو شخص والمخطّطين له ودوافعه الحقيقية، إضافة إلى استمرار الجهود الأمنيّة لتوقيف العدد الأكبر من معارفه ومن يتواصل معهم بشكل دائم.
السّفارة الأميركيّة: ردّ سريع
صدر بيان للسفارة الأميركية بعد نحو ساعة ونصف من حصول الحادث متحدّثاً عن “إطلاق نار من أسلحة خفيفة بالقرب من مدخل السفارة الأميركية، وبفضل ردّ الفعل السريع للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وفريقنا الأمنيّ، فإنّ السفارة والعاملين فيها بخير، والتحقيقات جارية، ونحن على اتصال وثيق مع السلطات المعنيّة في البلد المضيف”.
تفيد معلومات “أساس” عن توقيف مخابرات الجيش سريعاً أمس كامل أفراد عائلته وبعض معارفه في منطقة البقاع، كما استمعت “شعبة المعلومات” إلى والده قبل أن تسلّمه إلى الجيش
كما أصدر الجيش بيانين منفصلين أكّد فيهما تعرّض السفارة الأميركية لـ”إطلاق نار من قبل شخص يحمل الجنسية السوريّة، فردّ عناصر الجيش المنتشرون في المنطقة على مصادر النيران، وهو ما أسفر عن إصابة مطلق النار”.
كما عمد اللواء 11 في الجيش ومقرّه عوكر وفوج المغاوير إلى تمشيط المنطقة جوّاً وبرّاً ونفّذ انتشاراً واسعاً في المنطقة وعمد إلى تعزيز الإجراءات الأمنيّة بعد قطع المسالك المؤدّية إلى مقرّ السفارة لفترة محدودة، ونفّذ انتشاراً أمنيّاً واسعاً في مجدل عنجر والصويري في سياق التوقيفات المرتبطة بالقضيّة.
استدعى إطلاق النار عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لقاء مع وزير الدفاع موريس سليم ومتابعة التطوّرات مع قائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنيّة، فيما جرى تواصل مع السفيرة الأميركية ليزا جونسون الموجودة حالياً خارج لبنان. كما حضر إلى موقع الحادث مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي ومعاون مفوّض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجار.
عوكر 1
أعاد هجوم عوكر أمس إلى الأذهان حادثة إطلاق النار من قبل عامل “الدليفري” محمد مهدي حسين خليل (لبناني الجنسية) في أيلول الفائت على البوّابة الحديدية لمدخل السفارة، ويومها كلّف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي باستنابة قضائية الجيش القيام بالتحقيق، ودخلت على خطّه “شعبة المعلومات” بعدما سلّم أمن السفارة الأميركية الجهازين الأمنيّين كاميرات المراقبة الموزّعة ضمن “شريط” سياج السفارة الأميركية.
أعاد هجوم عوكر أمس إلى الأذهان حادثة إطلاق النار من قبل عامل “الدليفري” محمد مهدي حسين خليل (لبناني الجنسية) في أيلول الفائت على البوّابة الحديدية لمدخل السفارة
لاحقاً تبيّن عدم وجود أيّ خلفية سياسية للحادث، فمهدي من أصحاب السوابق في إطلاق النار على مبانٍ رسمية وأخرى عائدة لبعثات أجنبية. وقد أظهرت كاميرات المراقبة أنّ مطلق النار قَدِم بنفسه على متن درّاجة ناريّة رَكَنها على بُعد مسافة قريبة من السفارة، ثمّ ترجّل واقترب من المبنى مطلقاً 15 رصاصة من بندقية كلاشنيكوف وانسحب بهدوء، فيما تمكّن عناصر “شعبة المعلومات” من الإطباق عليه بعد أيام معدودة في عملية خاطفة خلال ممارسته الرياضة في نادٍ بمنطقة الكفاءات.
يُذكر أنّه بعد تعيين اللواء حسان عودة رئيساً للأركان في أيلول الماضي صدرت تشكيلات عسكرية عُيّن بموجبها العميد الركن ناجي جديداني قائداً للّواء الـ11 ومقرّه عوكر، وهي القطعة العسكرية التي تمكّنت من توقيف منفّذ الهجوم. وقد عمدت قيادة اللواء بعد حادث عوكر الأوّل إلى تعزيز الإجراءات الأمنيّة في محيط السفارة.
إقرأ أيضاً: غادة عون تابع: استمرار التمرّد!
لمتابعة الكاتب على X: