بلغت المواجهة مداها بين مدّعي عام التمييز بالتكليف القاضي جمال الحجّار والنائب العامّ الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، وقد تُنبِئ بنهاية لم تشهدها العدلية سابقاً.
وصلت إلى حدّها بين “الريّس جمال” والقاضية المتمرّدة على “السيستم” القضائي. يبدو الأمر استكمالاً، وإن بحدّة أقلّ، للصراع بين عون ومدّعي عام التمييز السابق غسان عويدات.
آخر جولات الكباش بين الرئيس ومرؤوسته طلب القاضي الحجّار من عون بموجب كتاب أرسله في 7 أيار الماضي “إيداعه، بمهلة يومين، كامل أصل الملفّ المسجّل لدى النيابة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان المتعلّق بالشكوى المقدّمة من السيّد سامر شعيب ضدّ مصرف فرنسبنك بغية الاطّلاع على الملفّ وعند الاقتضاء إعطائكم التوجيهات الخطّية عملاً بالمادّة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.
كما أكّد الحجار في كتابه على ما ورد في كتابه السابق المُرسَل في 25 نيسان الماضي، وطلب فيه “إيداعنا دون إبطاء جدولاً بالملفّات قيد التحقيق لديكم المتعلّقة بالشكاوى المقدّمة ضدّ المصارف والإجراءات المتّخذة بمعرضها والمرحلة التي وصلت إليها، سيّما أنّ هذا الأمر كان موضوعاً لطلب شفهي وجّه إليكم في اجتماع سابق معكم في مكتبنا. والتأكيد على كتاب النائب العامّ التمييزي السابق الموجّه إليكم بتاريخ 28/2/2023 والذي يطلب فيه منكم التوقّف عن السير بالتحقيقات في كلّ الملفّات التي قدّمت فيها دعاوى ضدّ مداعاة الدولة عن أعمال القضاة إلى حين البتّ فيها”.
يُذكر أنّ هناك ثماني دعاوى مخاصمة بوجه عون أمام محكمة التمييز من مصارف رفضت على التوالي تبلّغها
يُذكر أنّ هناك ثماني دعاوى مخاصمة بوجه عون أمام محكمة التمييز من مصارف رفضت على التوالي تبلّغها.
وَرَدَ في الكتاب أيضاً إيداع مدّعي عام التمييز “بمهلة يومين الشكوى المقدّمة من جان جليس ضدّ بنك بيبلوس وسمعان باسيل، والشكوى المقدّمة من ريم زياد سماوي ضدّ بنك الموارد ومروان خير الدين بغية الاطّلاع على هذه الملفّات وإعطائكم عند الاقتضاء توجيهات خطّية فيها”.
لن أرفع يدي
لاحقاً أرسلت القاضية عون ملفّاً واحداً (مرتبطاً ببنك عودة) للقاضي الحجار، وبموجب كتاب أرسلته بخطّ اليدّ إلى مدّعي عام التمييز في 14 أيار عادت وطلبت من الأخير إرسال الملفّ نفسه “بأسرع وقت بسبب الجلسة يوم الخميس” (دون تحديد التاريخ)”.
كما أشارت عون في كتابها إلى “أنّني لن أرفع يدي عن أيّ دعوى فيها مخاصمة طالما حضرة الرئيس الأول (سهيل عبود) لم يَرفع يَده حتى تاريخه عن الدعوى الكيدية التي أقامها ضدّي أمام المجلس التأديبي والتي يرفض حتى تاريخه تبلّغ دعوى المخاصمة التي قدّمتها بوجهه. ومع الطلب من حضرتكم إبلاغ هذا الكتاب أيضاً من جميع المدّعين العامّين الاستئنافيين الذين يقومون بالمعجزات لا سيّما حضرة النائب العام الاستئنافي في الجنوب رهيف رمضان”.
يقول قريبون من عون إنّها “تملك ما يكفي من أدلّة ولن تتوانى عن فعل أيّ شيء يكشف ارتكابات كثيرين في القضاء وخارجه”.
يُذكر أنّ القاضي عبود رفض تبلّغ دعوى المخاصمة المقدّمة من عون ضدّه أمام مجلس القضاء الأعلى وطلب ردّه في ملفّ استئنافها أمام الهيئة العليا للتأديب (يرأسها عبود) قرار المجلس التأديبي الذي قضى بصرفها من الخدمة.
يقول قريبون من عون إنّها “تملك ما يكفي من أدلّة ولن تتوانى عن فعل أيّ شيء يكشف ارتكابات كثيرين في القضاء وخارجه”
وفق معطيات “أساس” اجتمع مجلس القضاء الأعلى الشهر الفائت واتّخذ قراراً بإجماع عدد أعضائه بعدم جواز ردّ رئيس مجلس القضاء الأعلى بصفته رئيساً للمجلس التأديبي، وبعدم صلاحية مجلس القضاء ببتّ هذه الدعوى. يومها حَضَر “الريّس” عبود مُكمّلاً نصاب الجلسة، لكنّه لم يصوّت على قرار بتّ مدى قانونية أو جواز ملاحقة رئيس المجلس التأديبي. لاحقاً، في 27 أيار الماضي تقدّمت عون بمراجعة تمييز قرار “الأعلى” بردّ اختصاصه أمام مجلس شورى الدولة.
مواجهة حادّة
عملياً، تتّخذ المواجهة بين عبود والحجار من جهة وعون من جهة أخرى منحى أكثر حدّة. فحتى اليوم تمكّنت عون من تعطيل حسم الهيئة العليا للتأديب لقرار طردها أو إبقائها في السلك بعد إحالتها إلى التفتيش القضائي ثمّ استئنافها قرار الإحالة.
وَصَل الأمر إلى حدّ اصطفاف القاضيين داني شبلي وميراي حداد إلى جانبها بعد تغيّبهما في 17 أيار الماضي عن جلسة مثول عون أمام الهيئة العليا للتأديب الناظرة في قرار فصلها من الخدمة في 4 أيار 2023 الصادر يومها عن القاضي الحجار قبل أشهر من تعيينه مدّعياً عامّاً للتمييز بالتكليف.
لدى القاضية عون آراء مؤيّدة لـ “ثورتها” على الأمر الواقع، ولدى القاضيين عبود والحجار الحجّة القانونية للتعامل مع “حالة غادة عون”
إذاً، معارك بالجملة تخوضها القاضية عون ضدّ من تراهم “يحاصرونها في عملها القضائي ويحاولون تعطيل قدرتها على محاسبة المصارف ومن تورّطوا بملفّات فساد”. فإضافة إلى قضيّتها العالقة أمام المجلس التأديبي وحربها المفتوحة ضدّ القاضي عبود وعدم تجاوبها مع الكتب الموجّهة لها من مدّعي عام التمييز وتجاهلها لدعاوى المخاصمة ضدّها، أدّت المراسلة التي وجّهتها إلى القاضي جمال الحجار وفرضت من خلالها على الأخير إعادة ملفّ لها “بأسرع وقت” وهاجمت النواب العامّين الاستئنافيين في المناطق مسمّية بالاسم القاضي رهيف رمضان، إلى قيام القاضي الحجّار بإحالتها إلى التفتيش القضائي، لكنّها رفضت المثول أمام رئيسته القاضية سمر سوّاح لأنّها أدنى درجة قضائية منها.
إقرأ أيضاً: هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟
اليوم تتّجه الأنظار إلى ما سيُقدم عليه مدّعي عام التمييز بحقّ القاضية عون في ظلّ تأكيد أوساطه أنّه منذ تعيينه مدّعياً عامّاً لا يتحرّك أو يأخذ أيّ إجراء بأيّ ملف إلا استناداً إلى القوانين وما تمليه عليه صلاحيّاته كمدّعٍ عامّ.
في الحصيلة، لدى القاضية عون آراء مؤيّدة لـ “ثورتها” على الأمر الواقع، ولدى القاضيين عبود والحجار الحجّة القانونية للتعامل مع “حالة غادة عون” على الرغم من الكربجة الكاملة إن على مستوى هيئة التفتيش التي تعاني من الشغور أو الهيئة العليا للتأديب المجمّدة اجتماعاتها بسبب طلب ردّ القاضي عبود ثمّ تقديم عون مراجعة أمام “الشورى” في الملفّ.
لمتابعة الكاتب على X: