قدّم علي لاريجاني أوراقه للانتخابات الرئاسية في اليوم الثاني لفتح باب الترشيحات، فخلط أوراق تيّار المحافظين، واشتغلت جميع محرّكات أقطابهم لمواجهة هذه الخطوة التي تحمل الكثير من الخطر والتحدّي لطموحاتهم في استمرار سيطرتهم على مقاليد ومفاتيح السلطة التنفيذية بعد الفراغ الذي حصل بغياب رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي بحادث سقوط المروحيّة.
جاء ترشيح لاريجاني بعد إعلان سعيد جليلي ترشّحه بكثير من الثقة باعتباره الوريث الطبيعي لسدّ الفراغ في موقع الرئاسة، والأقرب إلى منظومة السلطة، والأكثر انسجاماً معها. لذلك جاء خطابه الانتخابي استنساخاً للخطاب الذي سبق أن قدّمه رئيسي خلال حملته الانتخابية، وطبّقه في السنوات الثلاث من رئاسته، في محاولة لإيصال رسالة بأنّ فوزه بالرئاسة سيكون استكمالاً واستمراراً لسلفه في هذا الموقع.
حالة الإرباك التي أصابت أقطاب التيار المحافظ كانت من ناحية بسبب الصدمة التي رافقت خطوة لاريجاني، وأنّه ما كان ليقدم عليها لو لم يحصل على إشارة إيجابية من المرشد الأعلى، وخاصة أنّ مجلس صيانة الدستور سبق أن رفض تأييد أهليّته للترشّح في الدورة السابقة التي أوصلت رئيسي. ومن ناحية أخرى، بسبب الخوف من الآثار السلبية لوصول لاريجاني على مشروع هؤلاء لتعزيز قبضتهم وفرض شراكتهم في تركيبة النظام والسلطة.
خطاب لاريجاني والرسائل السّياسيّة
الخطاب الذي قدّمه لاريجاني بعد تسجيل ترشّحه حمل الكثير من الرسائل السياسية على المستويين الداخلي والخارجي، وحدّد فيه برنامجه الانتخابي والسياسي في حال تولّيه رئاسة السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة، وذلك من خلال التأكيد أنّ إدارته لن تكون على المستوى الداخلي:
– امتداداً أو استنساخاً للسياسات السابقة، ودعا الوسط السياسي إلى الخروج من حالة الجمود، وعدم البناء على سياسات سابقة برهنت التجارب والممارسات على فشلها وعدم قدرتها على تلبية الطموحات.
حالة الإرباك التي أصابت أقطاب التيار المحافظ كانت من ناحية بسبب الصدمة التي رافقت خطوة لاريجاني
– رفض سياسة الإقصاء من خلال تأكيد ضرورة الاستفادة من كلّ الطاقات الوطنية بغضّ النظر عن الاتّجاه أو التيّار الذي تنتمي إليه، وعدم حصرها في فئة واحدة كانت تخدم سياسة “تصفية السلطة والإدارة” لمصلحة جهة أو تيار محدّد.
– الوعد بسياسة منفتحة تعترف بالحقوق “الفطرية” للإنسان، وتأكيد تحقيق الرشد والتقدّم الاجتماعي، واستطاع تجنّب استخدام مصطلح أو تعبير “التنمية” التي تشكّل حساسية لدى المرشد لارتباطها بالخطاب الإصلاحي الذي قدّمه الرئيس الأسبق محمد خاتمي.
– وضع خطة اقتصادية تعالج كلّ الأزمات التي تعيشها إيران، وأنّ البلاد قادرة على الخروج من الأزمات التي تعاني منها، من خلال استخدام الطاقات البشرية والفكرية والاقتصادية الكبيرة التي تملكها والتي تساعد على تحقيق هذا الهدف، مقارنة بدول أخرى لا تملك مثل هذه القدرات، واستطاعت الخروج من أزماتها.
أمّا على المستوى الإقليمي والخارجي، فقد أكّد لاريجاني قضايا أساسية مخاطباً المحيط الجيوسياسي، وتحديداً العربي، عندما تناول ضرورة العمل على تشكيل أو إيجاد “منطقة قويّة” تخدم مصالح جميع الدول المعنية، بما فيها إيران، وأشار إلى أنّ على الدولة أو الحكومة الجديدة أن تعمل على:
– استغلال الوضع الجيوسياسي والقوّة التي حقّقتها إيران لطمأنة كلّ المعنيين، من خلال العمل على التعاون والتكامل لتأمين المصالح المشتركة.
– السعي إلى تعزيز وتوسيع التعاون مع المجتمع الدولي من دون التخلّي أو التهاون بالإنجازات التي حقّقتها، ومصادر القوّة التي تملكها.
– التداخل في المصالح يستدعي العمل من أجل تعزيز الأمن والاستقرار والتعاون على جميع المستويات.
هذا الخطاب المنسجم مع الحقائق التي تعيشها المنطقة والعالم، وضع خطاب جليلي الذي أطلق وعوداً بالاستمرار بالسياسات السابقة في مواجهة أزمة مصداقية، وكشف ابتعاده عن الحقائق والأزمات التي يعاني منها المجتمع الإيراني، وهو الأمر الذي استنفر أقطاب التيار المحافظ.
بعد ترشّح لاريجاني والخطاب أو البرنامج الذي قدّمه من المتوقّع أن تشهد أروقة دائرة الانتخابات في وزارة الداخلية ازدحام مرشّحين
زحمة مرشّحين من التّيّار المحافظ
بعد ترشّح لاريجاني والخطاب أو البرنامج الذي قدّمه، من المتوقّع أن تشهد أروقة دائرة الانتخابات في وزارة الداخلية ازدحام مرشّحين من التيار المحافظ سيعلنون ترشّحهم للسباق الرئاسي إلى جانب جليلي.
حالة التحفّز التي سيشهدها التيار المحافظ، وتعدّد المرشّحين من صفوفه، قد يكون الهدف منها، إمّا دعم جليلي بتوظيف الحملات الانتخابية لحشد القواعد المؤيّدة لهم للمشاركة في الاقتراع، ثمّ الانسحاب لمصلحة جليلي أو المرشّح الأوفر حظّاً من بين مرشّحي التيار المحافظ، وإمّا الدخول في منافسة مع جليلى، وإمكانية أن يحصل أيّ منهم على نسبة أصوات أعلى من جليلي في استطلاعات الرأي والتقديرات التي تقوم بها منظومة السلطة حول حظوظ المرشّحين. ولذا يستطيع الحصول على تأييدها ليكون مرشّحها لتولّي الرئاسة والسلطة التنفيذية.
قد يؤدّي تعدّد المرشّحين في صفوف التيار المحافظ إلى تشتّت الأصوات بينهم، الأمر الذي قد يعقّد حسم النتيجة من المرحلة الأولى، ويتأخّر الحسم إلى المرحلة الثانية، التي من المتوقّع أن تكون محصورة بين لاريجاني وأحد أقطاب التيار المحافظ، فيكون هامش إلحاق الهزيمة بلاريجاني أكبر وممكناً.
إقرأ أيضاً: إيران بين مخبر وقاليباف: رئاسة جديدة.. للنظام نفسه
على الرغم من هذه المعطيات، قد يكون من المبكر الحديث عن المشهد الذي ستكون عليه هذه الانتخابات. وإنّ تقديم أوراق الترشّح في وزارة الداخلية لا يحسم طبيعة المعركة الانتخابية، وخاصة أنّ الكثيرين ممّن تتوافر فيهم شروط الترشّح سيقدمون على ذلك، إلا أنّ حسم الترشيحات ومن سيشارك لن يكون قبل إعلان مجلس صيانة الدستور رأيه في أهليّة المرشحين، وخاصة أنّ التقديرات تتحدّث عن أسماء كثيرة تنوي الترشّح، وسبق لهذا المجلس أن رفضهم أو أسقط أهليّتهم، مثل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، فضلاً عن إمكانية رفض أهليّة لاريجاني التي سبق له رفضها في الانتخابات السابقة.