من المفترض أن تفتح دائرة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية الإيرانية أبوابها يوم الخميس الواقع فيه 5 أيّار الجاري أمام المرشّحين للانتخابات الرئاسية، في فترة زمنية تستمرّ لغاية اليوم الثالث من شهر حزيران المقبل. لتبدأ بعدها مهمّة مجلس صيانة الدستور في دراسة أهليّة المرشّحين وتصفية الأسماء وتحديد من يسمح لهم بالاستمرار في هذا السباق ومن يسقط في بداية الطريق. وهي مهمّة من المفترض أن تنتهي مساء يوم الحادي عشر من حزيران. لتبدأ في اليوم التالي 12/6 الحملات الانتخابية وتنتهي في 27/6، اليوم الذي يسبق إجراء الانتخابات في 28/6. وذلك حسب الجدول الزمني الذي أقرّته اللجنة العليا لإدارة الدولة المشكّلة بناء على المادّة 131 من الدستور. والتي تضمّ النائب الأول لرئيس الجمهورية محمد مخبر ورئيس السلطة القضائية محسني ايجئي ورئيس السلطة التشريعية محمد باقر قاليباف. وهذا الجدول أقرّ بموافقة مجلس صيانة الدستور المعنيّ دستوريّاً بتحديد مواعيد إجراء الانتخابات.
لا مكان لرسالة الضعف
مسارعة المرشد الأعلى في تطبيق المادة 131 من الدستور وإعلان إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، استُكملت بإعلان مجلس صيانة الدستور أنّ هذه الانتخابات ستكون لدورة رئاسية كاملة من أربع سنوات. وكان الهدف منها حسم الجدل لمنع حصول أيّ فراغ على رأس السلطة التنفيذية أو تمرير إدارتها بالتكليف بانتظار الموعد الطبيعي لإجرائها في السنة المقبلة.
موقف المرشد الحاسم بالذهاب إلى انتخابات طبيعية يحمل رسالة واضحة بأنّ هذه الخسارة، سواء كانت نتيجة سوء الأحوال الجوّية حسب الرواية الرسمية، أو نتيجة صراع داخلي، أو نتيجة عملية استهداف من قبل جهات خارجية، من غير المسموح أن توصل رسالة ضعف لأيّ من الأطراف، أو وجود حالة إرباك في القرار الاستراتيجي لدى النظام.
التقديرات الأولى للسباق الرئاسي ترجّح حصول تنافس حادّ بين مرشّحين بارزين هما النائب الأوّل المكلّف بإدارة الدولة محمد مخبر
وبالتالي فإنّ التعامل مع هذه الحادثة يجب أن لا يشكّل عائقاً أمام انسيابية عمل الحكومة والإدارة. وهذا ما سبق أن أشار إليه المرشد بعد ساعات من سقوط الطائرة الرئاسية عندما طمأن الجميع داعياً إلى عدم الخوف والقلق على تسيير أمور الدولة واستقرار إيران وأمنها وحدودها. ما شكّل إشارة إلى “نعي” مبكر لرئيسي قبل الإعلان الرسمي الذي صدر في اليوم التالي.
الهدف من وراء الإسراع في تحديد موعد الانتخابات الجديدة، وتضييق المدّة الدستورية التي تتحدّث عن 50 يوماً، وتقريب الموعد بحيث لا يتجاوز مدّة شهر على وفاة الرئيس، هو محاولة المرشد ومنظومة الدولة العميقة الاستفادة من اللحظة العاطفية التي تمظهرت في تشييع الرئيس ومرافقيه على المستوى الشعبي، وتسييلها في صناديق الاقتراع، من أجل رفع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، بحيث تسمح له باستعادة أو ترميم شرعية النظام الشعبية التي تراجعت كثيراً في الانتخابات الأخيرة ولم تتجاوز نسبة 31 في المئة من مجموع من يحقّ لهم الاقتراع، ووصلت إلى 41 في المئة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
لن يكون المطلوب من هذه الانتخابات إعادة إنتاج التوازنات الداخلية بين المعسكرات والتيارات السياسية، المحافظة والإصلاحية والمعتدلة، بل مجرّد إعادة إنتاج رئيس للجمهورية قد يعمد إلى إدخال تعديلات في تركيبة السلطة التنفيذية على مستوى الوزراء بالحدود المسموحة أو التي تلبّي حاجات النظام في سدّ الخلل الذي اعترى إدارة رئيسي في الملفّات الاقتصادية. لكن من دون أيّ تغيير أو تعديل في توجّهاتها وسياساتها. وذلك انسجاماً مع التوجّه العامّ للنظام والمرشد، اللذين لن يسمحا بأيّ خرق في المعادلة التي أُرسيت وتبلورت في الآليّات التي أنتجت الرئيس الراحل.
لن يكون المطلوب من هذه الانتخابات إعادة إنتاج التوازنات الداخلية بين المعسكرات والتيارات السياسية بل مجرّد إعادة إنتاج رئيس للجمهورية
منافسة بين مخبر وقاليباف
انطلاقاً من هذا التوجّه، من المتوقّع أن تشهد دائرة الانتخابات في وزارة الداخلية حضور العديد من الوجوه السياسية من مختلف التوجّهات والانتماءات السياسية، لتسجيل أسمائهم للسباق الرئاسي. ومن المرجّح أن تكون الغالبية العظمى من المدنيين من خارج المؤسّسة الدينية، أي قد تتّجه الأمور لاستعادة تجربة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. الذي يُعتبر حتى الآن الاستثناء الوحيد في رئاسة الجمهورية التي تولّاها رجال دين بعد استقرار النظام وخروجه من حالة الاضطراب التي واجهها في بدايات الثورة والتي أزاحت أوّل رئيس مدني هو أبو الحسن بني صدر بالإقالة، والرئيس التالي محمد علي رجائي بالاغتيال، ثمّ استقرّت مقاليد السلطة داخل المؤسّسة الدينية مع تولّي السيد علي خامنئي السلطة التنفيذية قبل أن ينتقل منها إلى موقع المرشد وقائد النظام والثورة بعد رحيل المؤسّس.
التقديرات الأولى للسباق الرئاسي ترجّح حصول تنافس حادّ بين مرشّحين بارزين، هما النائب الأوّل المكلّف بإدارة الدولة محمد مخبر، ورئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف الذي بدأ يتعرّض لحملة قاسية من قبل الجناح المتشدّد في التيار المحافظ، وتحديداً من جماعة “ثابتون – بايداريها” الذين يحتجّون بالدستور للاعتراض على ترشّحه أو إمكانية وصوله إلى الرئاسة.
مع الرئيس المؤقت “مخبر” النظام والدولة العميقة لا يسعيان إلى إحداث أيّ تغيير في سياسات إدارة الدولة التي كان يقودها رئيسي
خاصة أنّ هذا الدستور يمنع ترشّح الأشخاص الذين يحتمل أن يستفيدوا من توظيف موقعهم في التأثير على سير الانتخابات والنتائج. فضلاً عن أنّ الدستور يضع أيضاً شروطاً تمنع ترشّح اللجنة المشرفة على إدارة الدولة والانتخابات في حالة الشغور التي نصّت عليها المادّة 131. وهذه الإشكالات إذا ما كانت تنطبق على قاليباف، فإنّها أيضاً تنطبق على محمد مخبر عضو هذه اللجنة ونائب الرئيس.
إقرأ أيضاً: رئيسي خارج المشهد: لماذا قطع بايدن إجازته؟
أمّا في حال مشاركة هذين الشخصين، وكانت رغبة النظام في وصول أيّ منهما، فإنّ ذلك يعني مع الرئيس المؤقت “مخبر” أنّ النظام والدولة العميقة لا يسعيان إلى إحداث أيّ تغيير في سياسات إدارة الدولة التي كان يقودها رئيسي. لكن في حال وصول قاليباف، فإنّ ذلك قد يعني إمكانية إدخال تعديلات جوهرية في هذه الإدارة، خاصة أنّ قاليباف كان على خلاف مع رئيسي حول العديد من الملفّات وكيفية إدارتها. فضلاً عن أنّ وصوله يعني احتدام الصراع داخل أجنحة التيار المحافظ. خاصة بين ائتلاف قوى الثورة الذي يمثّله قاليباف أو ما يمكن تسميته الجناح الرسمي للمحافظين وبين جناح أو جماعة “ثابتون” الذين لحقت بهم انتكاسة قاسية بغياب رئيسي الذي نسجوا معه تحالفاً خفيّاً في المرحلة الأخيرة. خاصة في الانتخابات البرلمانية، وحقّقوا في عهده تغلغلاً واسعاً في إدارة الدولة.