على الرغم من كلّ التسريبات الصادرة عن محيط الثنائي الشيعي بأن لا تراجع عن التمسّك بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ثمّة تأكيدات لدى أكثر من مصدر في اللجنة الخماسية أنّ ترشيح فرنجية قابل للتفاوض لمجرّد سماع سفراء “الخماسية” أنفسهم كما الموفدين المعنيّين بالأزمة أنّ الرئيس نبيه برّي والحزب يقفون عند عتبة فرنجيّة: يَنسحِب… نَنسحِب.
القصّة مسألة وقت
تتصرّف بعض القوى الدولية المعنيّة بحلّ الأزمة الرئاسية على قاعدة أنّ انسحاب فرنجية من السباق حاصل حتماً، لكنّ القصة مسألة وقت. ففي كلّ اللقاءات مع الثنائي الشيعي يبرز توجّه واضح لدى الحركة والحزب مفاده: “نحن ندعم ترشيح فرنجية، وهو مرشّحنا للمرحلة ولا نفرضه على أحد، بل نطلب عقد طاولة حوار للاتّفاق على اسمه أو ربّما نجاح الطرف الآخر بإقناعنا بمرشّح أو أكثر. لكن ما دام فرنجية، وهو للمناسبة المرشّح الوحيد الذي جاهر بترشيحه علناً، موجوداً ضمن السباق الرئاسي ومتمسّكاً بترشيحه، فلن نتخلّى عنه لأنّه يعكس مواصفات رجل المرحلة بالنسبة للثنائي، وهو الأفضل من بين كلّ المرشّحين المعروفين والمُعلَنين وغير المُعلَنين”.
هي نافذة بالنسبة للفرنسيين والأميركيين وباقي دول الخماسية للنفاذ من مرحلة إلى أخرى لمجرّد إلقاء فرنجية سلاح ترشيحه جانباً، وبدء ماراتون التفاوض مع الحزب على اسم آخر.
يقول سفير دولة ناشطة رئاسياً: “في كلّ لقاءاتنا المحدودة مع الحزب والرئيس بري لم نسمع تمسّكاً بترشيح سليمان فرنجية بل سمعنا دعماً لترشيحه وقولهما إنّ قرار الانسحاب أو البقاء عنده وليس عندنا”.
أمّا النقطة الأخرى الأكثر حساسية فهي الموقف المسيحي من المعادلة الرئاسية. فقد سمع لودريان في أكثر من محطّة قادته إلى بيروت كلاماً حاسماً من جانب النائب جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تضمّن “لا” حاسمة ضّد فرنجية، ولكلٍّ منهما اعتباراته. لذلك النتيجة ستقود حتماً نحو الخيار الثالث الذي حَذَف منه التيار الوطني الحر تلقائيّاً اسم قائد الجيش العماد جوزف عون فيما تُدرِجه القوات ضمن لائحة خيارات أخرى قابلة للتفاوض عليها.
تتصرّف بعض القوى الدولية المعنيّة بحلّ الأزمة الرئاسية على قاعدة أنّ انسحاب فرنجية من السباق حاصل حتماً
زيارة التحذيرات المتكرّرة من الفوضى المحتملة بسبب الفراغ الرئاسي المستمرّ و”الدعوة المليون” من جانب لودريان، متحدّثاً باسم “الخماسية”، إلى انتخاب رئيس فوراً، وتذكير الموفد الفرنسي القوى السياسية بالمعايير المرجّحة التي توافق عليها الأضداد، كلّها وقائع لم تُسهِم في كسر جدار التصلّب المتبادل.
سلّة لاءات لا تفتح الباب
أمس كرّرت قناة NBN الناطقة باسم حركة أمل “الموقف المنطقي”، كما سمّته، للرئيس برّي: “تشاور من دون شروط مسبقة حول موضوع واحد هو انتخاب الرئيس، ثمّ الانتقال إلى القاعة العامّة لمجلس النواب للانتخاب بدورات متتالية من ضمن قائمة تضمّ عدداً من المرشّحين”، مع التأكيد أنّ “زيارة لودريان لم تُسهِم في ردم الهوّة الفاصة بين القوى السياسية”.
بتأكيد مصدر مطّلع على محادثات لودريان مع النواب والكتل السياسية عاد الموفد الفرنسي بسلّة لاءات لا تفتح الباب أمام تسييل الزيارة لمصلحة إحراز تقدّم على الجبهة الرئاسية:
– “لا” قويّة من سمير جعجع لأيّ تشاور أو حوار، وهو موقف يعكس رغبة عدد من النواب المستقلّين، بل دعوة إلى جلسة انتخاب رئاسية تتخلّلها لقاءات في الكواليس للاتّفاق على اسم.
– لا حديث عن مرشّح ثالث من جانب الثنائي ما دام فرنجية مرشّحاً للرئاسة، بل حوار حول فرنجية وغيره تحت قبّة البرلمان قبل التوجّه إلى القاعة العامّة لانتخاب رئيس الجمهورية.
ثمّة تأكيدات لدى أكثر من مصدر في اللجنة الخماسية أنّ ترشيح فرنجية قابل للتفاوض
– لا ترجمة عمليّة للإيجابيات التي أغرقت القوى السياسية لودريان فيها لأنّها إيجابيات بعضها مضادّة لبعض ووصفها سفير دولة مؤثّرة في قرار “الخماسية” بـcatch 22، أي المأزق أو المراوحة ضمن فكّي الكمّاشة. هنا يستفيض السفير بالقول: “هذه الكمّاشة العالقة داخلها القوى السياسية اللبنانية والتي تجعلها عاجزة عن التقدّم خطوة إلى الأمام أو التراجع خطوة إلى الوراء لها امتداداتها الخارجية من واشنطن وإيران إلى إسرائيل وباقي الدول المعنيّة. فالقوى الخارجية عالقة ضمن كمّاشة أكبر حجماً لا تستطيع بسببها التقدّم خطوة. الكلّ قلق ويسعى إلى ربح الوقت بانتظار تطوّرات حتى نحن لا نعلم ماهيّتها. وهذا الواقع بحدّ ذاته كفيل بإبقاء الأزمة تراوح مكانها لوقت من غير الممكن تحديد مدّته الزمنيّة”.
لمتابعة الكاتب على X: