كيف تعامل الإسلاميّون مع التحوّل الكبير في الكويت؟

مدة القراءة 7 د

بعد مرور نحو 3 أسابيع على القرارات الكبرى التي اتّخذها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بحلّ مجلس الأمّة ووقف بعض موادّ الدستور المرتبطة حصراً بالسلطة التشريعية، بدأ المشهد ينجلي مع إرساء قواعد جديدة للعمل الحكومي والسياسي والاقتصاديالتنموي.

السواد الأعظم من النواب السابقين لم يُدلِ بدلوه واختارَ الصمت، فيما أعلنت غالبية المكوّنات المجتمعية صراحة تأييدها للقرارات الأميرية. أمّا تيّاراتالإسلام السياسيفلم تُعارض وتراوحت مواقفها بين التأييد العلني والصمت والنقد الناعم غير المباشر.

كيف توزّعت المواقف في الخريطة التفصيلية لتلك التيّارات السُّنّية والشيعية؟ وعلى أيّ أساس ارتكزت في بناء مواقفها؟ وكيف واصلت جماعةالإخوان المسلميناستراتيجيّتها المُفضّلة القائمة علىتوزيع الأدوار”؟

 

بعض التواريخ حفرتها الوقائع في مسيرة الكويت، مثل تاريخ الغزو العراقي (2 آب 1990) وتاريخ التحرير (شباط 1991) وتاريخ الاستقلال (حزيران 1961) وتاريخ الاضطرابات السياسية ربطاً بما يسمّى “الربيع العربي” (2012)، وانضمّ إليها أخيراً تاريخ 10 أيار 2024، وهو اليوم الذي ألقى فيه أمير الكويت خطابه الشهير، معلناً وقف موادّ في الدستور لمراجعة المسيرة برُمّتها، مع حلّ مجلس الأمّة الذي لم يكن مضى على انتخابه أكثر من 36 يوماً.

مع انتهاء خطاب الأمير في تلك الليلة حوالي الساعة التاسعة والنصف مساء، خيّمت الصدمة على الأجواء واستمرّت خلال الأيام والأسابيع التالية، فكان المشهد كالتالي:

ترقّب شديد ثمّ انتظارٌ لمواقف معيّنة ربطاً بمواقف سابقة، تلاه هدوء حذر ثمّ مواقف فردية مؤيّدة لخطوات الأمير، أعقبتها مواقف مماثلة من تيّارات دينية وسياسية، وأخيراً مواقف تأييد من عائلات مؤثّرة عبر بيانات وإعلانات.

خرقت الصمت النيابي شبه الشامل بضعة مواقف من نواب سابقين، مثل الشخصية البارزة جنان بوشهري التي أكّدت أنّ “الإخلاص للوطن وللأمير من الثوابت التي لا يمسّها أيّ إجراء أو قرار”.

جماعة “الإخوان المسلمين” الأقوى حضوراً وتأثيراً بين التيارات الإسلامية

كذلك عبّر النائب السابق أحمد الفضل عن تأييده للإجراءات الأميرية، حيث “جاء حلّ مجلس الأمّة (…) بعدما طغى التهوّر والتطاول من بعض الأعضاء الجدد”.

الإخوان

وفيما تُعبّر بوشهري عن جزء لا يُستهان به من “الشيعة الليبراليين” ويعكس الفضل وجهة نظر جزء كبير ومؤثّر من “السُّنّة الليبراليين”، فإنّ التيارات الإسلامية قاربت الأمور من زوايا مختلفة.

جماعة “الإخوان المسلمين” الأقوى حضوراً وتأثيراً بين التيارات الإسلامية اختار جناحها الدعوي الممثّل بـ”جمعية الإصلاح” (المظلّة الضخمة لمجموعة كبيرة من الجمعيات الخيرية والدعوية الناشطة في الكويت وعشرات الدول في الخارج)، التصريح علناً بتأييد قرارات الأمير، حيث قال رئيس مجلس إدارتها الشيخ خالد المذكور: “يمرّ البلد هذه الأيام بظروف تستوجب الالتفاف حول قيادة صاحب السموّ الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح وهو واجب شرعي والتزام وطني”.

بذلك، اختار الجناح الدعوي لـ”الإخوان” التصريح العلني بلا تلميح أو مواربة، فيما اعتصم الجناح السياسي ممثّلاً بـ”الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس) بالصمت، ولم يُصدر أيّ موقف، سواء عبر بيان رسمي أو عبر ممثّله الوحيد في مجلس الأمّة المنحلّ عبد العزيز الصقعبي. وفي ذلك استمرار للعبة تبادل الأدوار التي يحترفها “الإخوان”، حيث يتّخذون مواقف ليّنة عبر ممثّليهم الدينيين، ويتركون هامشاً لممثّليهم السياسيين، تحسّباً لأيّ تطوّرات مستقبلية.

على الرغم من صمت غالبيّتهم في داخل الكويت (باستثناء بعض الأصوات غير المؤثّرة)، فإنّ بعض “الإخوان” غير الكويتيين في الخارج عبّروا عن مواقف معارضة لحلّ مجلس الأمّة وأدلوا بمواقف معارضة، لكنّ هؤلاء لا قيمة لمواقفهم، على اعتبار أنّ “إخوان الكويت” دائماً ما يُفاخرون بأنّهم لا يرتبطون بأيّ تنظيمات خارجية، أو بالتنظيم الأمّ لـ”الإخوان”، وهو ما يعني أنّهم لا يتبنّون أيّاً من مواقف الخارج.

بعد مرور نحو 3 أسابيع على القرارات الكبرى التي اتّخذها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بحلّ مجلس الأمّة بدأ المشهد ينجلي

السّلف

المشهد السلفيّ لا يختلف كثيراً، لكنّ التلاوين كثيرة.

التيار السلفي في الكويت ينقسم إلى أحزاب وتجمّعات وقوى متنوّعة متعدّدة. بعضهم يتمثّل بجمعية “إحياء التراث” (الجناح الدعويّ للسلف) التي أعلنت في بيان أنّ “واجبنا الشرعي يقتضي منّا الوقوف صفّاً واحداً مع حضرة صاحب السموّ أمير البلاد (…) في كلّ ما يراه مناسباً للحفاظ على أمن الكويت واستقرارها”.

أمّا ما يُعرف بـ”السلفية العلمية” التي ظهرت في الثمانينيات إبّان حرب أفغانستان، فقد جَنَحَ أحد ممثّليها النائب السابق وليد الطبطبائي وكتب تغريدة على منصّة “إكس” بُعيد خطاب الأمير انتقد فيها بشدّة القرارات ثمّ مسحها وكتب تغريدة أخرى تتضمّن موقفاً منتقداً لكن أقلّ حدّة.

الكويت

النتيجة كانت أنّه تمّ تحويله إلى القضاء وتوقيفه بتهمة “التدخّل والطعن في صلاحيّات الأمير”، ورفضت المحكمة إخلاء سبيله والردّ على الاتّهام الذي أدلى به بأنّ التغريدة الأولى كانت “فوتوشوب”، وحدّدت جلسة جديدة في قضيّته بتاريخ 3 حزيران المقبل.

باستثناء الطبطبائي، لم تصدر أصوات سلفية أو غير سلفية معارضة للأمير. وكان لافتاً عدم صدور أيّ موقف من “تجمّع ثوابت الأمّة” الذي يمثّله النائب البارز محمد هايف المطيري، في حين صدر موقف معارض وحيد من رئيس “حزب الأمّة” حاكم المطيري، الهارب إلى تركيا والذي سُحبت جنسيّته قبل أشهر.

هذه التيارات الثلاثة (السلفية العلمية، ثوابت الأمّة، حزب الأمّة) هي عملياً سلفيّة العقيدة بالنهج الديني ولا تؤيّد معارضة الحاكم أو الخروج على السلطة، وتعتبر ذلك غير متوافق مع الشرع، لكنّها في الأعوام القليلة الماضية وما رافقها من أحداث باتت مُعجبة بتجربة “الإخوان”، سواء في الانتخابات الطلابية التي تُظهّر أسماء وشخصيات تتحوّل لاحقاً إلى شخصيات سياسية، أو في الانتخابات النيابية، فقرّرت الخوض في هذه التجربة “التي راقت لها”، بحثاً عن تعزيز المكاسب والتأثير، لكن من دون تجاوز الخطوط الحمر.

التيار السلفي في الكويت ينقسم إلى أحزاب وتجمّعات وقوى متنوّعة متعدّدة

هناك أيضاً “السلفية الجامية”، وأبرز رموزها الشيخ سالم الطويل، التي تعارض “الإخوان” تماماً وترفض الخروج على وليّ الأمر، إضافة إلى مجموعة تضمّ سلفيين متفرّقين سبق لهم أن ظهروا على السطح مع ترويجهم في 2022 لما عُرف حينذاك بـ”وثيقة القِيَم” الهادفة إلى التضييق على الحرّيات وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، وفق معاييرهم.

لكنّ هؤلاء أيضاً غير مؤثّرين ولم يعارضوا الإجراءات الأخيرة، وهم أصلاً لا يتصدّرون المشهد عادة، بقدر ما يدفعون بالعربة من الخلف.

الشّيعة

في المقلب الشيعيّ، صدرت مواقف مؤيّدة وعلنية من التجار والليبراليين، الذين يقفون بوضوح وبشكل فعليّ مع الحُكم.

كما أنّ ما يعرف بـ”خطّ الإمام” أو “حزب الله – الكويت” الذي يضمّ تجمّعات سياسية لديها ثقل نيابي، فاختار الصمت، شأنه في ذلك شأن “الإخوان”.

إقرأ أيضاً: الكويت… ما حدَثَ وما سيحدُث

التيارات الأخرى مثل “الشيرازيون” (تجمّع العدالة والسلام) لم تصدر عنها أيّ مواقف معارضة، باستثناء النائب السابق صالح عاشور الذي يُصنّف في خانة المعارضة، حيث نشر تغريدتين، الأولى انتقد فيها صمت التيارات الليبرالية قائلاً “إلى الآن لم أفهم ولم أستوعب الليبرالي والعلماني بالكويت وكيفية تأقلمه مع الوضع السياسي (…) وتبيّن لي أنّهم أصحاب شعارات أكثر منهم أصحاب مبادئ وقيم”.

ونشر قبلها بأيام تغريدة أخرى مضبوطة الإيقاع والكلمات، كتب فيها: “نذكّر الشعب الكويتي الكريم بأنّ الديمقراطية (…) ليست شمّاعة لفشل الحكومات السابقة”.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…