ليطمئنّ الجميع إلى أنّ الحرب الأهلية لن تقع يوم الثلاثاء. سنذهب جميعاً، صغاراً وكباراً ونساءً ورجالاً إلى قاعة الرئيس صائب سلام في المنارة لنحتفل ببيروت ونصفّق لبيروت ونهلّل لأبناء بيروت. الفريقان المتنافسان، الرياضي والحكمة، ناديان من بيروت. يحملان اسمها ويسعيان إلى تحقيق الإنجاز لها وعبرها لكلّ الوطن. لطالما كانت بيروت تختصر كلّ الوطن.
لن تقع الحرب
لن تقع الحرب الأهلية. القاعة التي ستجمعنا اسمها قاعة الرئيس صائب سلام، رجل التعايش والاستقلال، القائل يوماً: “لبنان أصغر من أن يُقسّم وأكبر من أن يُبلع”، والقائل أيضاً أيّام الحرب وخطوط التماسّ: “لو تركوا اللبنانيين على سجيّتهم لاختنقوا من شدّة العناق حبّاً لبعضهم وشوقاً إلى اللقاء”.
لم يكن الرياضي يوماً فريق السُّنّة ولن يكون. كما لم يكن الحكمة يوماً فريق الموارنة ولن يكون. في الرياضي نجم اسمه “هايك جيوكشيان” وآخر اسمه “كيكو” لا يذهبان إلى مسجد ولا يؤدّيان الصلوات الخمس، لكنّهما يدعوان ربّهما راسمين الصليب على وجههما أن يوفّقهما في تحقيق النصر للرياضي. في الحكمة كريم عزّ الدين وعمر جمال الدين لا يذهبان نهار الأحد إلى قدّاس الكنيسة. بل هما فخوران بدينهما وبانتسابهما إلى نادي الحكمة ويطلبان من الأولياء والصالحين والتابعين أن ينصروا فريقهما الأخضر في كلّ المواجهات.
بيروت بنواديها وأهلها وناسها كطائر الفينيق في الأسطورة الذي لا يجيد إلا العودة إلى الحياة
كلّ بيروت مع بيروت
في المصيطبة والمزرعة وراس بيروت مَن يشجّع نادي الحكمة، وكذلك مَن يشجّع الرياضي. في الأشرفية والمدوّر ومار مخايل من يحمل علم الرياضي ويلوّح به في كلّ مباراة. كرة السلّة لا تجيد الصلاة، ولا تكليف شرعياً بها في كلّ الديانات. ملاعبها ليست مساجد ولا كنائس ولا حسينيّات ولا خلوات. ملاعبها باحات للنصر والفرح والإنجازات. ملاعبها باتت الواحة الوحيدة في صحراء بلد أنهكته الويلات. اطردوا الساسة والسياسيين منها وقولوا لهم لا مكان لكم على المدرّجات. هي مدرّجات أبنائنا وصبايانا، مدرّجات الأناشيد الحماسية والروح الرياضية وتكريس أنّ لبنان بلد الحياة. قولوا لهم المنصّة في الملعب غير مخصّصة لالتقاط الصور والسِلفيات. لا مكان في تلك المدرّجات للمندسّين وللطائفيين، فالداخل إليها يترك صليبه أو هلاله داخل الخزانة في أجمل البيوتات. جنّة الطائفيين والمذهبيين بيوتهم. هكذا في بيروت نكتب على دعوات الأعراس لتجنّب فوضى الأولاد. الداخل إلى الملعب لا يعترف بسياسي ولا بحزب ولا بتيّار، ولسان حاله يقول: لقد أتخمنا هؤلاء بالمصائب والأوجاع والفقر والمذلّات.
رائع رئيس اتّحاد كرة السلّة أكرم الحلبي، وهو يخاطب السياسيين والأحزاب مزمجراً: “ابتعدوا عن كرة السلة. اتركونا نفرح ونحتفل ونفتخر بكلّ هذه الإنجازات. اتركوا اللعبة لأهلها. لا تشوّهوا لنا ما بقي من جمال هذه البلاد”.
يسيء كلّ سياسي إلى نفسه، إلى الوطن، إلى حزبه، عندما يحشر أنف الطائفية في مناسبات كهذه. يسيء إلينا وإلى تاريخه وتاريخ بلاده. فما هكذا كنّا وما هكذا سنكون. نحن شعب مصمّم على أن يتعاقد مع الحياة، عقداً لا ينفضّ في مباراة ولا عند صفّارة حكم، ولا في فوز فريق أو خسارة آخر. عقدنا مع الحياة أبديّ أزليّ لا يحتمل القسمة على اثنين. بيروت بنواديها وأهلها وناسها كطائر الفينيق في الأسطورة الذي لا يجيد إلا العودة إلى الحياة.
لمتابعة الكاتب على X: