دبلوماسيّ فرنسيّ: بوتين الرابح الأكبر في حرب غزّة!

2024-05-13

دبلوماسيّ فرنسيّ: بوتين الرابح الأكبر في حرب غزّة!

لا يرى الدبلوماسي والأكاديمي الفرنسي البروفسور جان بيير فيليو طرفاً منتصراً حتى اليوم مع استمرار الحرب في غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، غير “سيّد الكرملين” فلاديمير بوتين الذي استغلّ على مدى ربع قرن من الزمان، وما يزال يستغلّ أخطاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لإعادة بناء قوّة بلاده بشكل منهجي في تلك المنطقة، لكن أيضاً في أوروبا حيث ستكون عودة دونالد ترامب بمنزلة سيناريو كارثي لا سبيل لتجنّبه إلا في استئناف المحادثات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على أساس اتفاقية الاعتراف المتبادل عام 1993.

 

في رأي فيليو كما يكتب في مقاله الأسبوعي في صحيفة “لوموند” الفرنسية، أنّ الرئيس الروسي يستفيد من أخطاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فهو برّر في عام 2001 حملته القمعية الشرسة للقومية الشيشانية من خلال ربطها بـ”الحرب العالمية على الإرهاب” التي شنّها جورج دبليو بوش. وبعد عشر سنوات، أطلق “حربه على الإرهاب” ضدّ الثورة السورية بدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعندما رفض باراك أوباما، في عام 2013، ضرب بشار الأسد، على الرغم من القصف الكيميائي لدمشق، أدرك سيّد الكرملين أنّه يستطيع، بعد ستّة أشهر، شنّ هجوم ضدّ أوكرانيا، أوّلاً عن طريق ضمّ شبه جزيرة القرم، ثمّ بدعم الحرب في دونباس. وعندما قرّر بوتين التدخّل مباشرة في سوريا في عام 2015، عمّق تعاونه مع إيران، لا سيما في ما يتعلّق بالطائرات بدون طيّار، وهو التعاون الذي بات ثميناً بالنسبة له في عام 2022، خلال الغزو الواسع النطاق لأوكرانيا. إذ إنّ تقنيّات الحرب التي تمّ تطويرها في سوريا أثبتت قدرتها على التدمير أيضاً في أوكرانيا.

قرّر بوتين التدخّل مباشرة في سوريا في عام 2015، عمّق تعاونه مع إيران، لا سيما في ما يتعلّق بالطائرات بدون طيّار

تحييد نتنياهو دون صدّ إيران

ينتقد فيليو “استمرار قادة الغرب بالتعامل مع أوروبا والشرق الأوسط باعتبارهما مسرحين مختلفين تماماً، على الرغم من أنّ بوتين كان يعرف كيف يلعب في كلّ منهما بمهارة كبيرة”. وفي رأيه أنّ “واشنطن لم تدرك في هذا السياق الفخّ الذي نصب على الحدود الشمالية لإسرائيل، فقد كان بنيامين نتنياهو مقتنعاً بأنّ موسكو وحدها هي القادرة على احتواء تدخّل طهران في سوريا، قبل أن يدرك، لكن بعد فوات الأوان، أنّ على إسرائيل أن تتصرّف بشكل مباشر وأنّها أصبحت الآن تعتمد على تأييد روسيا لتنفيذ الضربات ضدّ إيران”.

يعتبر فيليو أنّ ما يصفه بـ”هذا الضعف غير المسبوق لإسرائيل، منذ عام 2022″ يفسّر “غياب أيّ دعم عسكري إسرائيلي لأوكرانيا، على الرغم من الطلبات الملحّة من كييف في مواجهة موجات القصف الروسي للبنية التحتية المدنية بطائرات بدون طيار إيرانية الصنع. لكن على الرغم من تأكيد فولوديمير زيلينسكي تضامنه الثابت مع إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بعد هجمات حماس، رفض نتنياهو بعد ذلك الترحيب به، حتى لا يزعج بوتين مرّة أخرى، بل حتى إنّه لم يثنِ حلفاءه “المسيحيين الصهاينة” في الكونغرس الأميركي عن الاستمرار بمنع المساعدات عن أوكرانيا، والتصويت في الوقت نفسه لمصلحة مساعدة استثنائية لإسرائيل.

استفاد الجيش الروسي كثيراً من هذا الحصار الذي دام ستّة أشهر، فكثّف ضغوطه على أوكرانيا على كلّ الجبهات. وسمح في الوقت نفسه لإسرائيل بتكثيف ضرباتها ضدّ أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، بلغت ذروتها بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان. فكان الردّ الإيراني على نطاق غير مسبوق، استنسخ موجات الهجمات المتعدّدة الأوجه التي شُنّت حتى ذلك الحين ضدّ أوكرانيا، لكن تمّ إحباطها بنسبة 99% بسبب تعبئة الولايات المتحدة وحلفائها، في حين أعرب زيلينسكي عن أسفه لأنّ مثل هذه التعبئة لم تظهر بهذه الفعّالية لمصلحة أوكرانيا”.

بوتين، مثل نتنياهو، يأمل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض”. ويرى أنّ “السبيل الوحيد لتجنّب مثل هذا السيناريو الكارثي بالنسبة لأوروبا هو في استئناف المحادثات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية

دبلوماسيّة قتاليّة

يعتقد فيليو أنّ روسيا “بالإضافة إلى هذه الإنجازات التكتيكية والعمليّاتية الهائلة، تمكّنت من وضع نفسها في الشرق الأوسط كمناصر متناقض مع القانون الدولي، بعدما انتهكت هذا القانون لفترة طويلة في سوريا وأوكرانيا. فلم تجد صعوبة كبيرة في تسليط الضوء على “المعايير المزدوجة” للخطاب الغربي عن الحرب في غزة.. في حين تقوّض العمل الصبور الذي بذلته الدبلوماسية الأوكرانية لتعميم قضيّتها خارج أوروبا، وبشكل أساسي في العالم العربي، وتعرّض للخطر”.

“كذلك الأمر بالنسبة للدبلوماسية الأميركية”، يضيف فيليو، “فبعد عرقلة الدعوات إلى “هدنة” في غزة في مجلس الأمن الدولي، وافقت واشنطن أخيراً على مبدأ وقف إطلاق النار في 22 آذار، لكنّها واجهت هذه المرّة الفيتو الروسي ضدّ نصّ اعتُبر “منافقاً”، ثمّ بعد شهر وجدت نفسها وحيدة في معارضة قبول فلسطين في الأمم المتحدة، وكان حقّ النقض الذي أكّد عزلتها الدبلوماسية. وهنا مرّة أخرى، لا يجد الكرملين مشكلة في التأكيد على تناقضات البيت الأبيض في ما يتعلّق بـ “حلّ الدولتين”.

يتوقّع فيليو “أن تواجه أوكرانيا صعوبة كبيرة في مقاومة ضربات الغزاة الروس إذا استمرّ هؤلاء الأخيرون في إحراز تقدّم في الشرق الأوسط حيث ستتمثّل الخطوة الأخيرة للكرملين، باسم “المصالحة” بين الفلسطينيين، في تعزيز اندماج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية. فعلى الرغم من التزام الحركة حتى الآن دعم أدنى تقدّم دبلوماسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن مع تركها وحدها للتفاوض، فإنّ مثل هذا الدمج قد يعرّض للخطر إعادة إطلاق عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية”.

إقرأ أيضاً: الفوضى والفقر في لبنان… أضعفا ردّ الحزب على إسرائيل

ينبّه فيليو أخيراً إلى أنّ “موسكو تراهن أيضاً على الهجوم الإسرائيلي على رفح، المدمّر بلا شكّ، والذي سيؤدّي إلى زيادة تشويه سمعة جو بايدن، داخل الولايات المتحدة وخارجها. لأنّ بوتين، مثل نتنياهو، يأمل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض”. ويرى أنّ “السبيل الوحيد لتجنّب مثل هذا السيناريو الكارثي بالنسبة لأوروبا هو في استئناف المحادثات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في أقرب وقت ممكن، وبأكبر قدر من التصميم، على أساس اتفاقية الاعتراف المتبادل التاريخية التي تمّ التوصّل إليها في عام 1993 قبل فوات الأوان”.

 

جان بيير فيليو: أكاديمي فرنسي ودبلوماسي ومؤرّخ وباحث في الشؤون العربية، ومتخصّص في الإسلام المعاصر، وهو حالياً أستاذ دراسات الشرق الأوسط في معهد العلوم السياسية في باريس.

انضمّ إلى وزارة الخارجية الفرنسية في الفترة من 1988 إلى 2006، بعد بعثات إنسانية في أفغانستان (1986) ولبنان (1983-1984). خلال مسيرته الدبلوماسية، تمّ تعيينه في عمّان، قبل أن يصبح نائب رئيس البعثة في دمشق وتونس. كما شغل منصب مستشار رئيس الوزراء (2000-2002)، ووزير الدفاع (1991-1993)، ووزير الداخلية (1990-1991).

 

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…

ماذا تفعل إسرائيل في قلب آسيا الوسطى؟

بينما تتّجه الأنظار إلى الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة ولبنان وتتفاقم المخاوف من حرب أوسع نطاقاً تشمل إيران والولايات المتحدة الأميركية، تبرز القوقاز وآسيا الوسطى كساحة…

إسرائيل وأخطاؤها الخمسة.. الطريق نحو الهاوية

“إسرائيل في ورطة خطيرة. مواطنوها منقسمون بشدّة، وهي غارقة في حرب لا يمكن الفوز بها في غزة. جيشها منهك وكذلك اقتصادها ولا تزال الحرب الأوسع…

هل من نهاية للصّراع الإسرائيليّ مع الحزب؟

سيظلّ الحزب يشكّل تهديداً لإسرائيل حتى بعد الحرب المحتملة، بحسب دانييل بايمان أحد كبار الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والأستاذ في كلّية الخدمة الخارجية…