“كان تقاعس “الحزب” النسبي عن الردّ بقوّة على الهجوم الإسرائيلي على إيران متعمّداً”، وفقاً للباحث في “مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات” الأميركية ديفيد داوود، الذي يكشف عن أنّه “يبحث عن مخرج من الاشتباكات التي تضرّه أكثر من خصمه إسرائيل”.
في رأي الباحث في “مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات” الأميركية ديفيد داوود، التي مقرّها واشنطن وتتموّل أساساً من المؤتمر اليهودي العالمي، أنّ الحزب منذ مهاجمته شمال إسرائيل يوم 8 تشرين الأول لدعم حماس، انخرط في حرب استنزاف لم يتصوّرها أو يريدها. فكلّفه القتال ما يقرب من 300 رجل، وعرّض ترسانته في لبنان لهجمات إسرائيلية، وشرّد الآلاف من أنصاره. وبات اليوم عالقاً بين خطابه العدائيّ وخوفه من ردّ فعل شعبي عنيف إذا أثار مواجهة أكثر حدّة مع إسرائيل.
على الرغم من تعهّد الحزب، أقوى وكيل لإيران، بالقتال حتى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. يشير داوود في مقال في صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أنّ ردّ الحزب كان ضعيفاً على القصف الإسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان. إذ اكتفى بإطلاق بضع عشرات من الصواريخ على إسرائيل وزعم أنّها كانت ردّاً على غارات جوّية أخرى في جنوب لبنان. وليس على اغتيال الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي. رجل طهران الموثوق به في لبنان وسوريا الذي كان مسؤولاً عن إنشاء قوات بالوكالة للنظام الإيراني في بلاد الشام، وخدم إلى جانب الحزب في السنوات التي سبقت الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار 2000، وخلال الحرب الأهلية السورية، وفي المناوشات المستمرّة مع إسرائيل فأكسبته جهوده شرف كونه العضو الوحيد غير اللبناني في مجلس شورى الحزب، الهيئة العليا لصنع القرار.
على الرغم من تعهّد الحزب، أقوى وكيل لإيران بالقتال حتى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة
الفوضى والفقر في لبنان… فرملا الحزب
أيضاً على الرغم من تعهّد الحزب بالانتقام لمقتل زاهدي. يعتقد داوود أنّ “إصراره على أنّ الانتقام يعود إلى إيران وحدها وليس قراراً يصدر من الحزب. وبالتالي تردّده في الردّ بقوّة، يعود جزئياً إلى حالة الفقر والفوضى التي اجتاحت لبنان في السنوات الأخيرة وكفاح المواطنين اللبنانيين. بما في ذلك أنصار الحزب، للحصول على الغذاء والكهرباء وغيرهما من الضروريات”.
الحزب، يضيف داوود، يتباهى بقدرات عسكرية كبيرة، إلا أنّه مقيّد خوفاً من الانتقام العلني. ويستمرّ تضييق الخناق عليه منذ تشرين الأول 2019، حتى مع تجاوز إسرائيل لخطوطه الحمر بشكل دوري، إمّا عن طريق قتل مقاتلين في سوريا أو بالضرب داخل لبنان. ويشعر قادته بالقلق من الشارع اللبناني، الذي ستتفاقم محنته المالية إذا أدّى قتال الحزب إلى اشتعال النيران مع إسرائيل. ولإخفاء هذا المأزق عن قاعدته السياسية، يبالغ في نجاحاته وفي عرض نقاط ضعف إسرائيل.
في رأي داوود أنّ الحزب “دخل المعركة في 8 تشرين الأول. على أمل أن يؤدّي انشغال إسرائيل بغزّة والمعارضة الغربية لحرب متزامنة في لبنان إلى إضعاف انتقام قوات الدفاع الإسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يسمح لقوات الحزب بإظهار سلطتها دون تكبّد تكلفة متناسبة”.
لماذا تمارس إسرائيل ضبط النفس؟
يشير الكاتب إلى تكرار قادة الحزب مراراً وتكراراً أنّهم لا يريدون حرباً أوسع مع إسرائيل لكنّهم مستعدّون لخوضها. ويعتبر أنّ “إسرائيل لم تقدّر هذه الفرصة النادرة لإملاء قواعد مفيدة للّعبة على حدودها الشمالية. وعلى الرغم من كونها الطرف الأقوى، فقد سمحت للحزب بتحديد شروط الصراع لمصلحته. فقد خاض الحزب المرحلة الأكثر حدّة من الحرب الأهلية السورية بين عامَي 2011 و2017 بينما كان يلقي نظرة حذرة فقط نحو الجنوب. ثمّ شرع في تعويض خسائره في الدماء والمال بسهولة نسبية وتضخّمت ترسانته وقوّته السياسية والاجتماعية”.
مهما حدث في غزة، يجب أن تستمرّ إسرائيل في ضرب الجماعة وأصولها، وخاصة في لبنان
ينتقد داوود “ضبط النفس الذي تمارسه إسرائيل تجاه الحزب” لأنّه يؤكّد حجّة الحزب الكبرى حول الدولة اليهودية. وهي أنّ “الكيان الصهيوني أضعف من شبكة العنكبوت” ليتمكّن بذلك من توسيع قاعدة التأييد الشعبي التي تشكّل حجر الزاوية في قوّته واستدامته، حيث ظلّ الإسرائيليون لسنوات راضين عن إدارة الحزب. وكانوا على استعداد لتأجيل المواجهة المحدودة الضرورية لكسب اليد العليا وتجنّب ازدراء المجتمع الدولي.
إقرأ أيضاً: الكوفيّة الفلسطينيّة على غلاف مجلّة تايم الأميركيّة
لذلك يرى أنّه “يجب على إسرائيل أن تستغلّ أفضليّتها وتستغلّ خطأ الحزب بشنّ حرب استنزاف. ومهما حدث في غزة، يجب أن تستمرّ إسرائيل في ضرب الجماعة وأصولها، وخاصة في لبنان. لأنّها إذا قبلت وقف إطلاق النار مع الحزب فستواصل الجماعة بناء آلتها الحربية إلى أن تصبح مستعدّة لاستخدامها لتعريض الدولة اليهودية للخطر مرّة أخرى”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا