يخطئ من يعتقد أنّ قرار الرئيس بايدن بتجميد إرسال صفقة الذخيرة الثقيلة لإسرائيل هو “متغيّر حقيقي” أو “عامل ضغط فعّال” أو “موقف اعتراضي مؤثّر” على إسرائيل.
وحتى لا يبدو أنّ في موقفنا تحاملاً على الرئيس الأميركي فإنّ الوقائع الثابتة تؤكّد عدم فاعلية هذا القرار وعدم تأثيره على أرض الواقع في مسائل ثلاث:
1- إيقاف إطلاق النار بناء على مسوّدة القاهرة الأخيرة التي وافقت عليها حماس.
2- لا تأثير لهذا القرار على قرار وزارة الحرب الإسرائيلية التي اتّخذت قراراً بالإجماع لشنّ عملية عسكرية في رفح. بصرف النظر عن التحذيرات الأميركية والدولية ومدى حجم خسائر المدنيين الفلسطينيين المتوقّعة.
3- عدم تأثير هذا القرار في مسألة تدفّق المساعدات الإنسانية اللازمة. والذي حدث أخيراً هو العكس تماماً: الإغلاق الكامل لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني، والإغلاق المتقطّع لمعبر “كرم أبو سالم”.
هل القرار كافٍ؟
أمّا مسألة تحليل وصلاحيّات القرار فيمكن ملاحظة العناصر التالية:
1- إنّ القرار جاء بعد 7 أشهر من الدعم العسكري غير المسبوق للجيش الإسرائيلي بكلّ وسائل القتل والتدمير على الرغم من ملاحظة أيّ مراقب عسكري مبتدئ أنّ هذه الأسلحة استُخدمت في تدمير أكثر من 80% من البنية الأساسية للسكان وقطاع غزة (360 كلم2) وقرابة 2 مليون نسمة يعيشون على أكبر مساحة تكدّس لسكّان في العالم على المتر المربّع الواحد.
2- إنّ القرار لم يشمل أيّ سلاح أو صواريخ أو قطع غيار أو ذخيرة، لكنّه اقتصر فقط على نوع تلك الذخيرة الثقيلة.
3- إنّ هذا النوع من الذخيرة ليس وحده الذي استُخدم ضدّ المدنيين. بل استُخدمت صواريخ جوّ أرض، وقذائف هاون وذخيرة دبّابات ومدفعية ثقيلة وصواريخ وذخيرة طائرات مسيّرة، ولم يتمّ منع أو التلميح بتجميد إرسالها.
أكّد البيت الأبيض أنّ هناك إعادة نظر في مسألة كيفية استخدام السلاح الأميركي لسبع دول
4- جاء القرار بعد 7 أشهر من القتل الوحشي وحرب الإبادة الإسرائيلية وبعد خمسة قرارات فيتو في مجلس الأمن واعتراضات ضدّ مشروع الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة، وبعد موافقتين في الكونغرس على ما مجموعه 40 مليار دولار على مرحلتين لدعم إسرائيل، الأولى ضدّ حماس والثانية ضدّ إيران.
ما هي أسباب القرار؟
تقول المصادر المطّلعة في واشنطن إنّ لقرار بايدن الأخير 3 أسباب داخلية:
– الأوّل: اشتداد حركة الاعتصامات والمعارضة بين الطلاب الأميركيين وفي شريحة الشباب التي تمثّل داعماً تقليدياً للحزب الديمقراطي.
– الثاني: تململ الكثيرين من أجنحة الوسط واليسار داخل الحزب الديمقراطي في شهور اقتربت فيها حسابات الانتخابات الرئاسية. خاصة أنّ استطلاعات الرأي داخل الحزب تشير إلى عدم رضاء 68% من العيّنة على أداء الرئيس، سواء في ملفّ غزة أو ملفّ أوكرانيا.
– الثالث: يدرك الرئيس وهو يصدر هذا القرار أنّه لن يلاقي دعماً له، سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، ولذلك لن يدخل أبداً في حيّز التمييز الفعليّ على إسرائيل.
يقول مصدر خليجي مطّلع على ملفّ مفاوضات القاهرة والدوحة وتل أبيب الأخيرة. التي تحرّك فيها ويليام بيرنز المدير العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بكلّ ثقله وخبرته وعلاقاته القويّة إنّ الطرف الحاسم الذي كان تتكسّر عنده أيّ عناصر أو تفاصيل لإنجاز أيّ اتّفاق هدنة هو إسرائيل، وإنّ قدرة تأثير الأميركيين عليها تقريباً شبه معدومة، وإنّه كلّما رفضت إسرائيل نصّاً أو بنداً حاول الجانب الأميركي تحويل الضغط على الجانب الفلسطيني عبر الوسيطين المصري والقطري اللذين كانا يرفضان ذلك.
تقول المصادر المطّلعة في واشنطن إنّ لقرار بايدن الأخير 3 أسباب داخلية
الحدّ الأدنى من لوم نتنياهو
الذين يعرفون في مقاصد القرارات في البيت الأبيض يهمسون بأنّ قرار الرئيس فيه أدنى درجة ممكنة من اللوم أو الاحتجاج على سلوك نتنياهو… لماذا؟
يقولون إنّ القرار يعتمد على خمسة أركان:
– أوّلاً: يحجب شحنة لا كلّ المبيعات.
– ثانياً: تبرير القرار بأنّ بعض هذا النوع من القنابل استخدم ضدّ المدنيين.
– ثالثاً: في هذه الحالة يتمّ تشكيل لجنة أميركية عسكرية فنّية للتحقيق في مبدأ. هل تمّ استخدام سلاح أو ذخيرة أميركية ضدّ مدنيين. سواء كانت رصاصة من أدنى عيار أو أكبر مقذوف مدمّر يزن أطناناً؟
وذلك لم يحدث ولم يتمّ التوجيه به.
– خامساً: الأهمّ أنّ القرار سياسي ولم يتمّ إلحاقه ببنود “قانونية تقنية”. في مثل هذه الحالات تكون بمنزلة الصيغة القانونية التنفيذية التي يعتمد عليها التشريع المطلوب من مجلس الشيوخ والنواب. خاصة أنّ بيان البيت الأبيض يقول إنّه لا دلائل كافية لاتّهام إسرائيل بالمخالفة!
إسرائيل.. وسبع دول
حتى لا يصبح الملفّ حسّاساً لإسرائيل وأنصارها أكّد البيت الأبيض أنّ هناك إعادة نظر في مسألة كيفية استخدام السلاح الأميركي لسبع دول.
يخطئ من يعتقد أنّ قرار الرئيس بايدن بتجميد إرسال صفقة الذخيرة الثقيلة لإسرائيل هو “متغيّر حقيقي” أو “عامل ضغط فعّال”
لم تتوقّف الاتصالات اليومية بين رئاسة الأركان الأميركية ونظيرتها في رئاسة الأركان الإسرائيلية. من أجل الاستمرار في تأمين كلّ احتياجات التسليح اللازم. شريطة أن لا يكون من زنة الوزن الثقيل وألّا يكون القتل في اقتحام رفح زائداً على الحدّ!
هذه هي طريقة بايدن في عقاب نتنياهو في عام الانتخابات الرئاسية!
إقرأ أيضاَ: كيف يفكّر نتنياهو؟
إنّها رسالة حنونة “سوفت” بلا أنياب ولا رغبة في الضغط السياسي أو التأثير التشريعي القانوني أو إغضاب اللوبي اليهودي الصهيوني. لكنّه قرار متأخّر جداً لإنقاذ صورة الحزب الديمقراطي وإدارة بايدن الأخلاقية في زمن انخفضت فيه شعبية الرئيس إلى أكثر من النصف داخل جماعات المصوّتين المرتقبين.
يحصل هذا وهناك عدم رضاء عن سياسة بايدن في ملفّ المهاجرين وأوكرانيا وغزة والصين وتكاليف المعيشة.
لذلك كان ذلك القرار “شديد السوفت”!
لمتابعة الكاتب على X: