كيف يفكّر نتنياهو في قرارة نفسه؟ وما هي العناصر الحاكمة التي تعتبر مفاتيح شخصيّته والتي تحكم قانون الفعل وردّ الفعل لديه؟
من الصعب جدّاً الولوج في دقائق النفس البشرية لشخصية مركّبة مثل شخصية بيبي نتنياهو.
مفهوم الخير والشرّ عنده ببساطة: الخير هو كلّ ما فيه مصلحته حتى لو انهار ودمّر بقية العالم. والشرّ هو كلّ ما يمسّ مصالحه مهما كان ذلك محقّاً.
الرجل ببساطة كما يصفه معارضوه، يرى نفسه وحده دون سواه محور هذا الكون.
ولد في تشرين الأول 1949 في عائلة دون المتوسطة، ليكون أوّل رئيس وزراء يولد على أرض الدولة العبرية.
أكبر تأثير نفسي تعرّض له كان فقدان شقيقه الأكبر يوناثان الذي قتل في عملية عنتيبي. تعلّم مهارات المناورة السياسية منذ أن خدم في الكنيست كعضو منذ عام 1988. ثمّ كنائب وزير الخارجية فمنصب وزير المالية.
عدّة سمات يمكن رصدها من خلال سلوكه وتصرّفاته:
1- الذاتية والأنانية: سلوك ملازم له منذ الصغر. يقدّم مصلحته الشخصية فوق أيّ مصلحة أخرى مهما كان ثمن تلك التضحية بالآخَر أو المبدأ.
2- الوصول إلى حافة الهاوية: سلوك يتبعه دائماً في التصعيد الذي لا سقف له. يرغم الآخرين على الرضوخ لسقف مطالبه خوفاً من سياسة التصعيد التي يهدّد بها.
3- الإيمان بأنّ الانطباع هو الحقيقة: صفة تأتي من إقامته في بروكلين بنيويورك حيث تأثّر بسياسة التسويق والعلاقات العامة التي تجعلك قادراً على بيع أيّ فكرة زائفة أو أيّ بضاعة مغشوشة. تكتيك اتّبعه في تجارته بالأدوات الكهربائية في بروكلين. كان عليه أن يقنع الزبائن بصفات استثنائية غير موجودة في البضائع المعروضة.
4- اكذب، اكذب، اكذب، حتى يصدّقك الناس: سياسة يتّخذها علماء التسويق التجاري شعاراً يقوم على مبدأ أنّ الكذب التكراريّ المستمرّ سوف يؤثّر في الطرف الآخر نتيجة التكرار وليس نتيجة الصدق والمصداقية والأحقّية.
الشخصية المفتاح في تكوين عقل نتنياهو السياسي هي شخصية والده بنزيون
5- كن عمليّاً وتحرّر من أيّ مبدأ: في كلّ مواقفه يتأرجح نتنياهو بين العلمانية السياسية والتحزّب السياسي الديني اليميني. لا يأبه أبداً لمشاعر ومصالح اليمين الصهيوني الأميركي أو الإدارة الديمقراطية أو المعارضة الجمهورية في الكونغرس، مطبّقاً شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”.
براغماتيّ حتى الانتهازيّة
الرجل ببساطة براغماتي حتى الانتهازية، سياسي حتى المكيافيلية، وفرديّ حتى الأنانيّة المدمّرة. كاذب دون أيّ خجل سابق أو حالي أو لاحق. هكذا أصبح الرجل صاحب أطول فترة في رئاسة الوزراء في تاريخ إسرائيل.
الشخصية المفتاح في تكوين عقل نتنياهو السياسي هي شخصية والده بنزيون. فمنذ سنّ العشرين والأب عنصر فاعل للغاية في مدرسة اليمين المتشدّد الإسرائيلي.
قبل سنّ الـ20 تأثّر نتنياهو بالفكر الصهيوني حسب الرؤية الأكثر تطرّفاً للمفكّر فلاديمير جابوتنسكي، التي قامت على ضرورة التعامل بوحشية مع العرب الذين هم أعداء تاريخيون لليهود الذين يتعاملون معهم باستعلاء وحقد.
كان جابوتنسكي يرى أنّ الحرب عمل يحتاج إلى قدرات سياسية ومالية ليس مؤهّلاً لها سوى الإنسان الغربي.
كانت رؤية الرجل عنصرية عرقية لأنّه يؤمن إيماناً مطلقاً بأنّ جوهر الأمّة اليهودية أوّلاً وأخيراً ينجلي في تركيبة صفتها العرقية.
بناءً على ما سبق يتعيّن على إسرائيل من وجهة نظره أن تبني جداراً حديدياً من الحراب.
وبناءً عليه أيضاً وتأسيساً على ما سبق فإنّ أسلوب الوحشية في التعامل مع العرب هو عنصر أساسي لاستقرار وبناء مشروع الدولة العبرية.
المؤثّر الثاني الفاعل على السلوك الاستثنائي لنتنياهو هو شخصية زوجته سارة التي ولدت في عام 1958 في مدينة حيفا، ونتنياهو زوجها الثاني. زواجها الأوّل دام من 1980 إلى 1987. وتزوّجت بنتنياهو في عام 1991.
درست في الجامعة العبرية بالقدس. عملت كاختصاصية نفسية. يقال إنّها امرأة مسيطرة تعشق الامتلاك، جشعة للسلطة وقابلة للفساد المالي. تمّ توجيه اتّهامات لها بالاشتراك مع زوجها في استغلال السلطة وبالفساد والتستّر على حسابات شخصية له.
الرجل لا يضع أبداً مسألة مصالح الدولة العبرية فوق مصلحته الشخصية. هو من أنصار مدرسة “أنا ومن بعدي الطوفان”،
أشارت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنّها أنفقت كثيراً من المال العام وأموال المانحين لإسرائيل في مشتريات شخصية ومظاهر بذخ دخيلة على أسلوب الساسة الإسرائيليين.
يذكر الإسرائيليون أنّ غولدا مائير كانت تعيش في منزل مساحته 120 متراً وهي رئيسة لحكومة الدولة العبرية.
نتنياهو ونجله
يلام بيبي نتنياهو على أنّه فور حدوث عمليات 7 أكتوبر (تشرين الثاني)، أرسل نجله إلى مدينة ميامي في فلوريدا. أقام هناك بحماية فريق من الأمن الرسمي بموافقة مجلس الوزراء حتى يجنّبه الاستدعاء إلى التجنيد في زمن الحرب.
يدرك نتنياهو أنّ صبيحة انتهاء الحرب الحالية سوف يبدأ العدّ التنازلي لنهاية مستقبله السياسي. لذلك خطّ عمْر الصراع والحرب مرتبط لديه شرطيّاً وحكماً مع عمره في السلطة.
الرجل لا يضع أبداً مسألة مصالح الدولة العبرية فوق مصلحته الشخصية. هو من أنصار مدرسة “أنا ومن بعدي الطوفان”، دون أيّ شعور بوخز الضمير، حتى لو قامت حرب نووية، ما دام ذلك يحافظ على بقائه في سدّة الحكم.
يدرك أنّه إن أفلت من مسؤولية التقصير في ملفّ 7 أكتوبر، فلن يفلت من تهمة إتلاف كلّ الوثائق الرسمية التي حذّرته بشكل مباشر من مخاطر سحب القوات من غزة لاستخدامها في حماية المستوطنين في الضفة والقدس. وإن نجا من هذا وذاك فهو لن يفلت من توجيه تهم جنائية له ولزوجته مثبتة بالأدلّة بالتورّط بفساد مالي واستغلال للسلطة.
باختصار نحن أمام شخصية سامّة (toxic) نفسياً مستعدّة أن تدمّر أيّ شيء وكلّ شيء من أجل مصالحها الذاتية الضيّقة.
إقرأ أيضاً: المعركة الأشرس بعد غزّة
أذكر أنّني حينما كنت أعدّ لحوار صحافي تلفزيوني مع نتنياهو عام 1996 في تل أبيب، نصحتني صحافية أميركية زميلة قبل إجراء الحوار: “لا تصدّق حرفاً واحداً ممّا سيقوله لك، هذا الرجل يكذب أكثر ممّا يتنفّس”!
لمتابعة الكاتب على X: