في خطاب تاريخي يشكل مرحلة فاصلة بين حقبتَيْن، ما قبل يوم 10 أيار 2024 وما بعده، قلَبَ أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الطاولة تماماً وأنهى مرحلة التناحر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بقرارات غير مسبوقة شملت حل مجلس الأمة المُنتخب في 4 نيسان الماضي ولم يعقد أي جلسة، وتعليق العمل ببعض مواد الدستور التي تتطلب مصادقة من المجلس، مع تولي الأمير والحكومة الاختصاصات التشريعية المقررة له.
“أساس” أوّل من كشف عن نوايا أمير الكويت بعد مسلسل الأزمات الدستورية والسياسية التي واجهتها الحكومة في وجه مجلس النواب والعكس أيضاً في المقال الأخير المنشور بتاريخ 6 أيار الحالي بعنوان (الكويت .. ارتباك مرحلة الخيارات المفتوحة)، وثبتَتْ دقته مع القرارات التي صدرت ليل الجمعة.
منذ الانتخابات الأخيرة، كل المؤشرات كانت تدل على الانسداد السياسي: من النتائج التي لم تختلف كثيراً عن سابقاتها، مروراً باعتذار رئيس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم عن عدم تولي رئاسة الحكومة مجدداً، إلى العراقيل التي واجهها رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الشيخ أحمد عبدالله الصباح.
من دون سابق إنذار أو مؤشر بسيط، أعلن تلفزيون الكويت الرسمي قبيل التاسعة مساء ليل الجمعة بنحو ربع ساعة، أن هناك خطاباً سامياً للأمير على رأس الساعة.
تسمَّرَ الكويتيون أمام الشاشات وبلغ الترقب أوجه مع تأخر الخطاب لحوالي 10 دقائق. بدأ الأمير خطابه بآيات من الذكر الحكيم تشير لخطورة الفرقة والتناحر، مستشهداً بقول الله تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
في خطاب تاريخي يشكل مرحلة فاصلة بين حقبتَيْن، ما قبل يوم 10 أيار 2024 وما بعده، قلَبَ أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الطاولة تماماً وأنهى مرحلة التناحر
تبرير القرار
بصراحة لافتة ووضوح تام، أسهَبَ الشيخ مشعل الأحمد في سرد الملاحظات الجمّة على المسار في السنوات القليلة الماضية، مشيراً إلى “أوقات صعبة كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة مما خلق واقعاً سلبياً وجَبَ علينا كمؤتمنين على هذه الدولة وشعبها الوفي، أن نقدم النصح تلو النصح والإرشاد تلو الإرشاد لنخرج من هذه الظروف بأقل الخسائر الممكنة، ولكن مع الأسف واجهنا من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تصوره أو تحمله، وسعى البعض جاهداً إلى غلق كل منفذ حاولنا الولوج منه لتجاوز واقعنا المرير مما لا يترك لنا مجالاً للتردد أو التمهل لاتخاذ القرار الصعب إنقاذاً لهذا البلد وتأميناً لمصالحه العليا والمحافظة على مقدرات الشعب”.
قال إن “ديموقراطية الحكم كأسلوب حياة وعمل تفرض قدراً واسعاً من تنظيم السلطات العامة وتوزيع أدوارها ضمن رؤية واضحة تحقق الهدف منها، وهذه الرؤية تفرض العديد من الضوابط على السلطتين التشريعية والتنفيذية (…) هي ضوابط آمرة لا تبديل فيها ولا مهرب منها وليس لأي جهة أو سلطة”.
وفي إشارة إلى تهديد بعض النواب يوم الخميس الماضي باستجواب وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف في حال عودته إلى الحكومة، قال الأمير في خطابه: “لقد لمسنا خلال الفترات السابقة بل وحتى قبل أيام قليلة، سلوكاً وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة، فهناك من هدّد وتوعد بتقديم الاستجواب لمجرد أن يعود أحد الوزراء إلى حقيبته، وآخر اعترض على ترشيح البعض الآخر، متناسين جهلاً أو عمداً أن اختيار رئيس الحكومة وأعضائها حق دستوري خالص لرئيس الدولة، ولا يجوز لأحد اقتحام أسواره أو الاقتراب من حدوده أو التدخل في ثناياه”.
من دون سابق إنذار أو مؤشر بسيط، أعلن تلفزيون الكويت الرسمي قبيل التاسعة مساء ليل الجمعة بنحو ربع ساعة، أن هناك خطاباً سامياً للأمير على رأس الساعة
وانتقد وصول “التمادي إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها (…) فنجد البعض مع الأسف الشديد يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير ويتدخل في اختياره لولي عهده، متناسياً أن هذا حق دستوري صريح وواضح وجلي للأمير. ومتى ما زكى الأمير أحدهم لولاية العهد يأتي دور السلطات الأخرى كما رسم لها الدستور اختصاصها وليس قبل ذلك بأي حال من الأحوال”.
وكان يشير بذلك إلى اعتراض بعض النواب أثناء حملاتهم الانتخابية على بعض الأسماء المرشحة لمنصب ولي العهد.
الفساد عميم
وأعرب الأمير عن أسفه لأن “الفساد وصَلَ إلى أغلب مرافق الدولة وحتى المؤسسات الأمنية (…) والجو غير السليم الذي عاشته البلاد في السنوات الماضية شجّع الفساد على الانتشار”، مشدداً على أنه لن يسمح “باستغلال الديموقراطية لتدمير البلاد”.
كما شدد بنفس القوة على أهمية الأمن مؤكداً أنه والقضاء العمودين الأساسين للدولة، رافضاً بحزم “الإساءة البالغة في الخطاب الذي لا يتفق مع عادات وتقاليد أهل الكويت”.
أعرب الأمير عن أسفه لأن “الفساد وصَلَ إلى أغلب مرافق الدولة وحتى المؤسسات الأمنية (…) والجو غير السليم الذي عاشته البلاد في السنوات الماضية شجّع الفساد على الانتشار”
وبعد استعراض العقبات التي ظهرت خلال تطبيق الدستور على مدى 62 عاماً، أعلن الأمير عن مراجعة شاملة للدستور الذي أكد أنه يجب أن يستجيب للمتغيرات وينسجم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، لتحقيق الاستقرار، مشيراً إلى أن قراراته جاءت من منطلق ضرورة التدخل “قبل فوات الأوان لتصحيح المسيرة ومعالجة الاعوجاج وسد النواقص التي كشف عنها التطبيق العملي للنصوص طوال 62 عاماً دون تعديل”.
ولتحقيق الأهداف المنشودة في “وقف الانحدار والحيلولة دون الوصول إلى مرحلة الانهيار”، أعلن الأمير أنه قرّر حلّ مجلس الأمة، ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات، “يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديموقراطية ورفع نتائج الدراسة والمراجعة لنا لاتخاذ ما نراه مناسباً”.