مع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لجلسة نيابية في 15 الجاري لمناقشة ملفّ الهبة الأوروبية تفيد معلومات “أساس” أنّه لن يُقرّ أيّ قانون ملزم للحكومة حيال هبة المليار، بل ستصدر توصيات لن تُسهِم في التخفيف من وطأة كارثة لا تنفع معها الاستفاقة النيابية المتأخّرة جداً على الصلاحيّات والواجبات.
أهمّ ما في “جلسة النزوح” أنّها ستُكمل نصاباً رئاسياً في الحضور والتصويت (بالثلثين) تفتقده انتخابات رئاسة الجمهورية منذ 31 تشرين الأول 2022، ويُظهر البوانتاج الأوّلي مشاركة الكتل النيابية الكبيرة، بما في ذلك “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” و”الكتائب” ونواب الحزب وحركة أمل والحزب الاشتراكي.
لكنّ هذه المشاركة تأتي في ظلّ معطيين اثنين: انتفاضة سياسية يصلح معها تعبير “فات الأوان” بعدما بات نحو مليونيين سوري “يقيمون” بشكل ثابت على الأراضي اللبنانية بغطاء دولي حديدي سيوفّر لهم وفق العرض الأوروبي الأخير إقامة مريحة حتى عام 2027 من خلال دعم الدولة اللبنانية ماليّاً بما يدعم نسبياً قدرتها على تحمّل “واجبات الضيافة” تجاه السوريين.
أمّا المعطى الآخر هو الحصار السياسي الكامل لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي سبق النواب بالدعوة إلى هذه الجلسة “من أجل وقف الاستغلال السياسي الرخيص”، كما قال، لكنّه تعاطى وفق مصادر نيابية مع هبة المليار يورو المقدّمة من المفوضية الأوروبية كانتصار لحكومته مروّجاً للعرض الأوروبي بالهجرة اللبنانية الموسمية إلى أوروبا بدلاً من الطلب من رئيسة المفوّضية الأوروبية إبقاء شيك المليار في جيبتها ورفض أيّ مساعدة مالية لا تكون وجهتها الوحيدة تمويل عودة السوريين إلى “مناطق آمنة” تُحدّد خريطتها دولياً بالتزامن مع فكّ الحصار عن سوريا.
برّي لم يكن يعلم!
وصل الأمر إلى حدّ تأكيد عضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم في حديث إعلامي أنّ “الرئيس برّي لم يكن على علم بالعرض الأوروبي ولم يُناقِش مع رئيسة المفوضية الأوروبية هبة المليار التي وصفها بالفضيحة الموصوفة وتصرّف غير لائق بحقّ اللبنانيين وبأنّها مرفوضة بالمطلق”.
مع دعوة بري لجلسة نيابية في 15 الجاري لمناقشة ملفّ الهبة الأوروبية تفيد معلومات “أساس” أنّه لن يُقرّ أيّ قانون ملزم للحكومة حيال هبة المليار
يقول مصدر مطّلع على ملفّ النازحين: “هناك أعباء مالية واقتصادية ضخمة تكبّدها لبنان منذ عام 2011 بسبب التدفّق السوري إلى مناطقه، وتجاوزت حتى الآن عتبة 55 مليار يورو. لذلك بالتأكيد يمكن القول إنّ مبلغ المليار هو مبلغ زهيد مقارنة بالدين المتراكم على الدول الأوروبية حيال دولة منهارة أسهَمَ النزوح السوري في تعميق فجوة انهيارها و”دخولها التاريخ” لجهة قبولها الضمني بتدفّق أعداد هائلة من النازحين السوريين بما يكاد يوازي بعد بضع سنوات عدد سكّانها”، مشيراً إلى أنّ المبلغ المعروض راهناً (250 مليون يورو بالسنة) يبدو فعلاً كحبّة تخدير، وإذا كانت أوروبا توهمنا بأنّه يُسهم أيضاً في مشروع العودة، فهو لا ينفع في إعادة 10% من النازحين على مدى أربع سنوات”.
من جهتها تقول أوساط قريبة من ميقاتي لـ “أساس”: “ليتفضّل مجلس النواب ويلتئم وستلتزم الحكومة بما يقرّره البرلمان من توصيات. مع العلم أنّ عشرات محاضر الاجتماعات الوزارية المُخصّصة لمعالجة ملفّ النزوح السوري التي كان يحضرها وزراء من جميع الأطياف السياسية وكلّ الأمنيّين تشهد على كلام واضح من أعلى سلطة سياسية، أي رئيس الحكومة، بضرورة قيام الوزارات، خصوصاً الداخلية والبلديات، بواجباتها حيال ترحيل كلّ نازح غير شرعي. والأمر نفسه يسري على الأمنيين بوجود تعليمات واضحة بالترحيل الفوري. فما المطلوب أكثر من ذلك؟”.
تضيف الأوساط: “أمّا لجهة هبة المليار فالحكومة ستنتظر موقف مجلس النواب والتوصيات الصادرة عنه وستلتزم بها مهما كانت وجهتها، ولذلك لن تقرّ هبة المليار بمرسوم بمجلس الوزراء وفق ما يقتضيه قانون المحاسبة العمومية قبل أن تأتي التوصيات من مجلس النواب”.
هبة المليار
حتى الآن لم تقدّم الحكومة جواباً على سؤال طرحه أكثر من طرف سياسي: “ما هي حصّة دعم عودة السوريين من أصل المليار يورو؟”.
وفق المعلومات، في جلسة النزوح سيتقدّم نواب من “التيار الوطني الحر” باقتراح قانون يُلزِم الحكومة اللبنانية ترحيل كلّ شخص سوري موجود في لبنان بصورة غير شرعية
يوضح مصدر وزاري لـ “أساس”: “طوال الفترة الماضية جرت مفاوضات بين الجانب الأوروبي واللبناني لاستئناف المساعدات التي كانت تُمنح للسوريين وتوقّفت طوال الفترة الماضية، وهو ما كبّد لبنان مزيداً من الخسائر”.
لكن هذه المرّة حين وافق الاتحاد الأوروبي على الدفع، اقترح رئيس الحكومة أن تخصّص للبنان فقط، مع تمويل عودة السوريين وليس تمويل “تثبيت” بقائهم كما كان يحصل في السابق. حتى إنّ وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار المحسوب على الفريق السياسي لجبران باسيل كان يضغط لاستئناف هذه المساعدات محذّراً من مشروع دمج السوريين بالمجتمع اللبناني.
اقتراحات قوانين
وفق المعلومات، في جلسة النزوح سيتقدّم نواب من “التيار الوطني الحر” باقتراح قانون يُلزِم الحكومة اللبنانية ترحيل كلّ شخص سوري موجود في لبنان بصورة غير شرعية، فيما يدرس نواب القوات فكرة تقديم اقتراح قانون يفرض على الحكومة رفض أيّ هبة مرتبطة بملفّ النزوح السوري والتوطين.
مع العلم أنّ هناك عدّة اقتراحات قوانين مقدّمة من التيار الوطني الحر تنتظر إقرارها في مجلس النواب وتشمل اقتراح قانون تعديل بعض موادّ قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 تموز 1962، واقتراح قانون تنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين، والقانون الرامي إلى عدم منح الجنسية اللبنانية لمكتومي القيد من مواليد 2011 وما بعد بشهر تشرين الأول 2021.
نائب في التيار الوطني الحر لـ “أساس”: “لو طبّقت الحكومة اللبنانية القوانين الموجودة المرعيّة الإجراء لما كنّا وصلنا إلى هذه الكارثة
يقول نائب في التيار الوطني الحر لـ “أساس”: “لو طبّقت الحكومة اللبنانية القوانين الموجودة المرعيّة الإجراء لما كنّا وصلنا إلى هذه الكارثة، وهي تشمل قانون العمل حول المنافسة غير المشروعة، وقانون البلديات الذي يمنحها سلطة ممارسة صلاحيّاتها ضمن نطاقها للحفاظ على المصلحة اللبنانية العليا للمواطنين وليس المصالح الفردية للناخبين بإيجارات المساكن والأراضي، وقانون تنظيم الدخول إلى لبنان من خلال الصلاحيّات المعطاة للأمن العامّ بالترحيل الفوري، وقرار مجلس الدفاع الأعلى في 15 نيسان 2019 الذي قضى بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية”.
سفن آمنة للترحيل
كما سيقترح وزير المهجّرين عصام شرف الدين إصدار مرسوم بترحيل خمسة آلاف نازح سوري أسبوعياً عبر سفن آمنة تتوافر فيها مواصفات السلامة العامّة ليس إلى قبرص فقط بل إلى كلّ الدول المعنيّة بالاتفاقيات الدولية حول الترحيل، خصوصاً كندا التي يقول شرف الدين إنّ لديها مناطق شاسعة تمكّنها من استضافة عدد كبير من النازحين.
إقرأ أيضاً: حبّة “المورفين” الأوروبيّة توحّد الغضب على ميقاتي
لمتابعة الكاتب على X: