ليست المواجهة في المشهد اللبناني بين الحزب وإسرائيل فقط. لأنّ الأميركيين منذ ما قبل الانهيار في البلد، قرّروا الاستغناء عن “الدور بالوكالة” ودخلوا بالأصالة لتخليص الملفّات العالقة. الحزب يدرك ذلك جيّداً. وهو في الوقت الحاضر يعاني من أزمة في التعامل مع الملفّات العالقة. فمن جهة هو، وإن كان براغماتيّاً، حريص على إظهار مبدئيّته وفق العقيدة التي هي علّة وجوده. ومن جهة أخرى هو مضطرّ إلى أن يكون هذه المرّة ليناً للدخول بالتسوية. غير أنّ انحناءه للعاصفة سيكلّفه الكثير، ومواجهته العاصفة سيكلّفه أكثر. ما سيختاره الحزب رهن بالقريب من الأيام وليس البعيد منها.
الحزب: الدور الفرنسيّ مطلوب
التوافق بين الأميركيين والفرنسيين على الملفّ اللبناني أصبح أكثر وضوحاً بعد تسوية الخلافات بينهما. لأنّ باريس تدرك أنّ القرار الحقيقي بيد واشنطن. غير أنّ دورها مركزي في تسهيل الحوار على اعتبارها الدولة الأوروبية الوحيدة التي تحافظ على علاقتها المباشرة مع الحزب. لذلك تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب لـ”أساس” عن أنّه حريص على إبقاء الدور الفرنسي في لبنان. وقد أرسل إشارة إلى الفرنسيين بذلك. فمن جهة تربطه علاقة مباشرة معهم، ومن جهة ثانية يمنع بذلك تفرّد الأميركيين.
أمّا الورقة الفرنسية فالحزب سيتعامل معها بإيجابية وسيقدّم ملاحظاته مع تأكيده أنّ أيّ خطوات تنفيذية تنتج عن أيّ اتّفاق سيكون مستعدّاً للقيام بها، لكن بعد انتهاء الحرب في غزة وليس فقط الهدنة.
في المقابل، نقاش حقيقي في كواليس الحزب عن خطورة المرحلة. وفي النقاش تخوّف من الثمن الذي سيدفعه الحزب في المقبل من الأيام. فهو سيدفع ثمن حرب غزة وربّما أكثر. يدرك أنّ القرار 1701 سيطبّق و”أكثر”. لذلك يعيش إرباكاً حقيقياً حول المرحلة المقبلة التي أصبحت قريبة جداً.
يقول مصدر مواكب لهذه التطوّرات العميقة لـ”أساس” إنّ خطورة ما سيحصل ليست فقط في الأثمان التي على الحزب أن يدفعها، بل في عدم تحصين الساحة الداخلية لتلاقيه بمسار سياسي سلميّ، والتخوّف من الاصطدام بهشاشة السلم الأهليّ في الداخل.
تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب لـ”أساس” عن أنّه حريص على إبقاء الدور الفرنسي في لبنان. وقد أرسل إشارة إلى الفرنسيين بذلك
واشنطن: بالحسنى أو بالقوّة
مصادر مقرّبة من واشنطن تراقب خطاب الحزب وكأنّه في موقع واضع الشروط، وهو ليس كذلك. بقربه حرب ضروس لن تتوقّف. وحوله دول عربية بدأت تحضّر لمؤتمر دولي للسلام تحت عنوان إعلان الدولتين على ورق. وعلى حدوده دولة حليفة صامتة. وعليه، تتساءل الأوساط المقرّبة من الأميركيين: ماذا ينتظر الحزب ليدخل في تسوية داخلية لانتخاب رئيس توافقي يخفّف من خلاله التصدّعات في علاقته مع القوى الأخرى، المسيحية منها والمسلمة، ويدخل بعد ذلك في تسوية حقيقية حول الحدود “حفاظاً على ما بقي”، كما قال ميشال عون يوم أدرك أنّه ليس أقوى من القوى الدولية التي اجتمعت يومها على غير ما يريده؟
الحزب ليس في موقع قيادة الأحداث، ومن هذا المنطلق لا بدّ أن ينتبه إلى أنّ الوقت يضيق فعلاً لغير مصلحته، والحاجة أصبحت أكثر من ملحّة لملاقاة العالم إلى منتصف الطريق، وإلّا فإنّ التخوّف أن يجد نفسه مجبراً على الانسحاب حفاظاً على ما بقي، كما تقول المصادر الدبلوماسية المطّلعة على الخريطة الجديدة للمنطقة.
إقرأ أيضاً: سيجورنيه لم يَحمل اتّفاقاً مكتوباً: الجميع بانتظار غزّة
نُقل عن الرئيس ميشال عون قوله إنّ موازين القوى ليست لمصلحة الحزب في هذه المعركة. ونُقل عنه تحذيره للحزب من الدخول في هذه الحرب لأنّ هزيمته فيها حتمية. اليوم وقد أصبحنا في نهاية الطريق ليس على الفاعلين في المشهد السياسي سوى قراءة تطوّر أحداث المنطقة، من السعودية إلى إيران وما بينهما تحديداً سوريا. ولبنان لن يكون بعيداً عنها.
لمتابعة الكاتب على X: