لم يبدِ مسؤولو الحزب حتى الآن أيّ مواقف علنيّة في ما يتعلّق بالتقارب المستجدّ بين “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل”. الحزب “غارق” في حرب غزّة وجبهة الجنوب المفتوحة على حدّي الحرب والتهدئة، لكن في الكواليس يجزم القريبون من الحزب أنّ أيّ تقدّم على هذا المسار سيكون محكوماً بمصلحة متبادلة آنيّة، وبالتأكيد لن يعمّر أكثر من عمر تفاهم معراب!
بالنسبة للحزب، “طوشة رأس” بالناقص حين تتقلّص مسافات التباعد بين حليفَي الضاحية مع كثير من “رشّة” الواقعية: نبيه برّي ليس حسن نصرالله وجبران باسيل ليس ميشال عون. لذلك يقيس بعض القريبين من الحزب مسار التفاهم الآخذ بالتبلور بين عين التينة وباسيل بالمقياس الزمني المحدود لتفاهم معراب الذي سقط فعليّاً لحظة انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وليس بمقياس “تفاهم مار مخايل” الذي قد لا يتكرّر بين “التيار” وأيّ من الأحزاب الأخرى، خصوصاً “حركة أمل”.
عندما يستنجد باسيل ببرّي
يقول مطّلعون على مرحلة صياغة تفاهم مار مخايل بين الحزب والتيار: “أدّى التفاهم في نظر ميشال عون آنذاك مهمّة الاستنجاد بالحزب لمحاربة “حالة نبيه برّي” بوصفها أحد أضلع الدولة العميقة المسيطرة على مفاصل المؤسّسات إلى جانب الهدف الاستراتيجي بوضع اليد مع حليف شيعي سيكون الممرّ الآمن نحو رئاسة الجمهورية. حصل هذا الأمر فعلاً بعد عشر سنوات في ظلّ معارضة شرسة من الرئيس برّي لدخول عون قصر بعبدا”.
أمّا اليوم، يضيف المطّلعون، “فالأمر يبدو سوريالياً، إذ يستنجد باسيل بـ”حكمة” برّي، كما قال، في الحفاظ على الشراكة وتأمين مسار التوافق على رئاسة الجمهورية، بعدما كرّر علناً قبل سنوات أنّ مصلحة المنظومة، وقوامها برّي والحريري وآخرون، تبحث دائماً عن غطاء مسيحي يستعملونه واجهة، وهمّهم خنق الرئيس القويّ والشريك القويّ، الذي لا يتعايش مع مطالبهم” (تصريح تلفزيوني لباسيل في 15 أيلول 2021).
يجزم القريبون من الحزب أنّ أيّ تقدّم على هذا المسار سيكون محكوماً بمصلحة متبادلة آنيّة، وبالتأكيد لن يعمّر أكثر من عمر تفاهم معراب
ترحّب أوساط قريبة من الحزب بكلّ تقارب بين “الخصمين السابقين”، معتبرة أنّ من أولى نتائجه “محاصرة رئيس حزب القوات اللبنانية وخفض مستوى التوتّر بين الحزب نفسه وكلّ طرف من هؤلاء، وذلك بسبب سيل من المآخذ التي كان يسمعها من الطرفين على خلفيّة موقف أو تصرّف يرضي حليفاً على حساب الحليف الآخر. كان يحصل ذلك في التعيينات وفي الملفّات المطروحة على مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وداخل مطابخ القرار”.
لكنّ الواقعية السياسية تدفع الأوساط إلى الجزم أنّ “التقارب بين التيار والحركة يَصعب أن يُصرَف في رئاسة الجمهورية أو الانتخابات النيابية المقبلة. فالأرقام مثلاً تكشف في العديد من الدوائر التي شهدت تحالفاً انتخابياً بين الثنائي أنّ حركة أمل كانت ستخسر نواباً لولا “دَعمة” الحزب أو “تقديمه” بعض المقاعد لها. والأرقام أيضاً تكشف مدى حاجة التيار إلى الحزب في مناطق التماسّ بينهما. أمّا على خطّ رئاسة الجمهورية فرهان باسيل سيكون خاسراً إذا اعتقد أنّ فصل المسارات بين الحزب والحركة في هذه الانتخابات الرئاسية سيكون ممكناً. وبالتأكيد مشهدية انتخابات 2016 الرئاسية غير واردة في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
لكن على الرغم من علامات الاستفهام التي لا تزال ترتسم حيال الحلف الناشئ بين التيار والحركة، يمضي التناغم بين الخصمين السابقين قدُماً ويبدأ من رأس الهرم من خلال الكيمياء التي “رَكبت” فجأة بين باسيل والنائب علي حسن خليل وعدم تعامل باسيل مع الرئيس برّي كـ “بلطجي”، مع العلم أنّ سجلّ باسيل وعلي خليل حافل بجولات التقاتل الكلامي إلى حدّ تسليمهما المتبادل بضرورة وجود كلّ واحد منهما خلف قضبان السجن. ولا ينتهي الأمر بالتعليمات المعطاة لمحازبي التيار والحركة بعدم فتح أيّ سجال على مواقع التواصل الاجتماعي. وما بينهما ربح معركة نقابة المهندسين وتأمين التمديد الثالث للبلديات وتكثيف مناسبات التلاقي مناطقياً والتحضير لمعارك نقابية جديدة.
لم يبدِ مسؤولو الحزب حتى الآن أيّ مواقف علنيّة في ما يتعلّق بالتقارب المستجدّ بين “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل”
من هو خالد مكة؟
في هذا السياق كان لافتاً أنّه في اليوم نفسه لزيارة جبران باسيل مدينة جزّين ودخول دارة خصمه النائب السابق إبراهيم عازار، حليف الرئيس برّي. كان ثمّة حدث آخر يُرصد في النبطية من خلال مشاركة عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر المحامي خالد مكة، ممثّلاً باسيل، في حفل إطلاق مشروع إنارة الطريق التي تربط بلدة الكفور بمدينة النبطية بمصابيح تعمل على الطاقة الشمسية.
حضر مكة إلى جانب نائب حركة أمل هاني قبيسي، وممثّل العمل البلدي في “الحزب” في منطقة جبل عامل الثانية محمد درويش، مع العلم أنّ بلدية الكفور محسوبة على الحزب.
المفارقة أنّ المحامي مكة، ابن قضاء النبطية، كان منسّق التيار في النبطية قبل أن يعيّنه باسيل عضواً في المجلس السياسي. في تلك الحقبة كان “التيار” يُواجَه بتضييق كبير وشبه حصار لتحرّكات محازبي مكتبه في قضاء النبطية، ووصل الأمر إلى حدّ نزع أعلام التيار ومنع رفعها.
إقرأ أيضاً: سيجورنيه لم يَحمل اتّفاقاً مكتوباً: الجميع بانتظار غزّة
أمّا اليوم فثلاثية التيار-الحركة-الحزب في النبطية تأتي في عزّ حاجة الثنائي إلى تسجيل نقاطٍ خدماتية في ملعب الجنوبيين. بعد أكثر من سبعة أشهر على “فتح” جبهة الجنوب بوجه إسرائيل وتهجير آلاف الجنوبيين وتدمير مئات الوحدات السكنية وتضرّر مساحات زراعية كبيرة. وبالتالي كان هناك قرار حزبي، تحديداً من حركة أمل، بالسماح للتيار بتقاسم هذا “الإنجاز” الخدماتي، الذي هو من تقدمة المغتربين محمد رسلان ومحمد جابر، مع الثنائي الشيعي في سياق تدشين مرحلة من التنسيق ستُختبر معركتها الحقيقية في رئاسة الجمهورية.
لمتابعة الكاتب على X: