كتب الصحافي الأميركي توماس فريدمان بعدما انتقل بين واشنطن والرياض، مقالاً تحت عنوان “إسرائيل لديها الخيار: بين رفح والرياض”. وفيه يقول فريدمان إنّ على إسرائيل أن تمتنع عن دخول رفح لما في هذا الأمر من تأثير على علاقتها بالدول العربية، ولما في ذلك من نتائج سلبية على مسار السلام. وفي كلام فريدمان أنّ إسرائيل عليها أن تختار الرياض التي تضغط لمنع دخول نتنياهو رفح. لا سيما أنّ المملكة تقدّم مساراً آخر متقدّماً في العلاقات مع إسرائيل في حال التوصّل إلى حلّ سياسي عنوانه الدولة الفلسطينية. توافقها بذلك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يحتاج إلى “إنجاز” في فلسطين يترافق مع حجم الاحتجاجات في شارع حزبه الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية قبيل الانتخابات الرئاسية.
انطلاقاً ممّا تقدّم، فإنّ قراءة المشهد العربي اليوم تشير إلى أنّنا كلبنانيين وعرب نعيش ساعات فاصلة. بين تمدّد الحرب الإسرائيلية إلى رفح وتأثيراتها المختلفة، وبين التوصّل إلى اتفاق جدّي بين إسرائيل وحماس للبناء عليه في مسار جدّي لمفاوضات السلام المقبلة بقيادة المملكة العربية السعودية على أساس مبادرة بيروت عام 2002.
في هذا الوقت، تعيش المنطقة على وقع الضغوطات الأميركية على إسرائيل من جهة. والضغوطات العربية والخليجية على حماس من جهة أخرى، للخروج باتّفاق على هدنة طويلة وتبادل الأسرى.
تنطلق هذه الضغوطات من خطورة عدم حصول الاتفاق، ودخول نتنياهو رفح على اعتبار أنّ ذلك سيُدخل مصر في مأزق حقيقي. بسبب تأثيره على حدودها مباشرة، ولِما في ذلك أيضاً من تأثير على القرار العربي الخليجي برفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم والدعوة إلى قيام دولة فلسطينية على أساس المبادرة العربية للسلام.
وصل وزيرُ خارجية أميركا أنتوني بلينكن إلى الرياض في زيارة هي السابعة للمنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة
في الرياض: اجتماع ٥+٥+ فلسطين
حول هذا العنوان الذي سيحدّد مسار الأحداث في الأسابيع المقبلة. تشهد المملكة العربية السعودية عقد اجتماعات في الرياض على هامش المنتدى الاقتصادي. وأهم هذه الاجتماعات هو اجتماع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. كما أنّ أهم ما في اجتماعات الرياض هو الاجتماع التشاوري الذي نتج عن لقاء مجموعة الخمس بمشاركة أمينِ سرِّ اللجنةِ التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ في القاهرة في 21 آذار الماضي.
خماسية السعودية ومِصر والأردن والإمارات وقطر سَبَق لها أن اجتمعت بمشاركة منظّمةِ التحرير. ووضَعت خريطةَ طريقٍ لحلّ القضية الفلسطينية بَدءاً من وقف إطلاق النار وصولاً إلى إقرار حقّ الفلسطينيين بدولة وَفقَ المبادرة العربية للسلام .
عادت اليوم واجتمعت في الرياض في لقاء تمهيدي للقاءات تُعقد تباعاً مع خماسيّةِ الولاياتِ المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتّحادِ الأوروبي. هي اجتماعات تُعقد على مستوى وزراءِ الخارجية بعدما وصل وزيرُ خارجية أميركا أنتوني بلينكن إلى الرياض في زيارة هي السابعة للمنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة، ووصل إلى الرياض أيضاً مباشَرةً من لبنان وزيرُ خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه. وسط معلومات عن وصول ووزيرَي خارجية بريطانيا وألمانيا وممثّلين عن الاتحاد الأوروبي. وربّما أهمّ ما صدر عن بلينكن وسيجورنيه في كلامهما من الرياض. هو الدعوة إلى وقف إطلاق النار في مفاوضات لا تزال تتّسم بالحذر.
سبقت هذه الاجتماعات معلوماتٌ عن أنّ الرياض بدأت تَستشعر تغيُّراً في المُناخ الأوروبي. لجهة تبلور اتجاهٍ في أروقة الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وبالتالي تهدف إلى السعي مع الدولِ الأخرى إلى الضغط لعقد مؤتمرٍ دولي لمناقشة القضية الفلسطينية والاعترافِ بفلسطين دولةً مستقلّة.
ليس هذا الكلام بعيداً عن الدول الإسلامية. فهي حاضرة أيضاً في الرياض في اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمّة العربية الإسلامية التي انعقدت في تشرين الثاني الماضي، والتي دعت فيها إلى حلّ الدولتين.
قراءة المشهد العربي اليوم تشير إلى أنّنا كلبنانيين وعرب نعيش ساعات فاصلة بين تمدّد الحرب الإسرائيلية إلى رفح وتأثيراتها المختلفة
نتنياهو يترقّب الجنائيّة وحماس لدولة 67
يوم الثلاثاء ينتهي الفصح اليهودي الذي تمتنع فيه إسرائيل عن القيام بعمليات حربية. في هذا الوقت يترقّب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إمكانية إصدار مذكّرة بحقّه من المحكمة الجنائية الدولية.
أمّا حماس فوافقت على حدود 1967 وأعلنت استعدادها لإلقاء السلاح والانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية في حال قيام هذه الدولة.
اليوم أيضاَ اتّسمت مفاوضات القاهرة بالطابع المصيري، وفد إسرائيلي بقيادة رئيس الموساد ديفيد برنيع يصل اليوم الثلاثاء إلى القاهرة. يرافقه ممثل الجيش الاسرائيلي في المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى نيتسان آلون. وسيجتمع الوفد برئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، لمناقشة ما دار في اجتماعه مع وفد حركة حماس الذي جرى في القاهرة. وبالتالي سيعلن قريباً عن نجاح أو فشل المفاوضات حول الهدنة وصفقة تبادل الاسرى.
مصادر مطلعة على لقاءات الرياض تقول أنّ النشاط السياسي الذي تشهده المنطقة دليل ضغط لنجاح هذه الصفقة.
وتضيف المصادر الدبلوماسية أنّ نجاح الصفقة وحصول الهدنة، أو عدم حصولها. قد لا يؤثر على قرار نتانياهو بضرب رفح من دون اجتياح المدينة. فإذا حصلت الهدنة، يكون نتايناهو قد أجّل الضربة إلى ما بعدها، وإذا فشلت المفاوضات فإنّ ضرب رفح سيكون قريباً.
لا شكّ أنّ تطوّرات المنطقة تحمل الكثير من إعادة التوازنات السياسية التي ستحكم هذه الدول على المدى المتوسط
البحرين تحضّر لقمّة قد تكون تاريخيّة
يجول وزير خارجية البحرين في عواصم الدول تحت عنوان دعوتها إلى المشاركة في القمّة العربية التي ستُعقد في 16 أيار المقبل. على أن تَطرحَ القمّةُ القضيّةَ الفلسطينية وَفقاً للتطوّرات من اليوم حتى ذلك التاريخ. في هذا التوقيت تحافظ إيران بموقفها بشأن الحرب على حماس بعدما شاركت في القمّة العربية الإسلامية في الرياض التي وافقت على حلّ الدولتين. لا ردّة فعل لإيران بعد على انتقال ورقة فلسطين منها إلى الدول العربية والخليجية. لا بل إنّ الخارجية الإيرانية أصدرت موقفاً مستجدّاً قالت فيه إنّ مستقبل قضية فلسطين يحدّده الشعب الفلسطيني وحده. وفي ذلك إقرار بأنّ موافقة حماس على حدود 67 لا تناقضه إيران ولم تعد فلسطين من البحر إلى النهر.
إقرأ أيضاً: ورقة فرنسا: أميركا تصرّ على “الانسحاب” وليس “إعادة التموضع”
لا شكّ أنّ تطوّرات المنطقة تحمل الكثير من إعادة التوازنات السياسية التي ستحكم هذه الدول على المدى المتوسط. ولبنان أمام مفصل مصيريّ، بين وقف إطلاق النار الذي يمكن أن يمهّد لتسويات تصل إلى لبنان وبين الحرب.
لمتابعة الكاتب على X: