ستقدّم فرنسا ورقة منقّحة عن الورقة التي قدّمتها “بشكل غير رسمي” خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مطلع شباط الماضي إلى بيروت. تغيّرت الورقة التي جاءت ملاحظات الحزب عليها بأنّها تميل لمصلحة إسرائيل. تمّ تعديلها بناء على ملاحظات من لبنان ومن إسرائيل. سيقدّمها سيجورنيه أو يتولّى ذلك وفد مشترك سياسي أمنيّ فرنسي. إلا أنّ هذه الورقة التي تحدّد فيها فرنسا كيفية تطبيق الـ1701 لا تزال تطرح إشكالية أساسية. فعلى الرغم من تأكيد الفريق الفرنسي أنّها تأتي بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنّ البند المعدّل والمتعلّق بإعادة تموضع المجموعات المسلّحة لا يزال بنداً إشكالياً مع الأميركيين والإسرائيليين قبل أن نتحدّث عن موقف الحزب منه.
تحاول فرنسا من خلال دبلوماسيّتها على تحضير الأرضية للحظة وقف الحرب في جنوب لبنان. وذلك من خلال ورقتها التي تجول بين لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. والهدف تنفيذ القرار 1701. في هذه الورقة المنقّحة وضعت ثلاث مراحل تحدّد فيها كيفية تنفيذ القرار الأممي. على اعتبار أنّه لا يمكن تنفيذه “دفعة واحدة”:
– المرحلة الأولى: يفترض أن تنفَّذ في المدى القصير. وتنصّ على وقف الأعمال الحربية على الحدود في جنوب لبنان. غير أنّ تحديد المدى الزمني لتنفيذ ذلك مرتبط بالحزب. فهو الذي ربط وقف العمليات في الجنوب بوقف حرب غزّة. وتنفيذ هذه المرحلة مرتبط أيضاً بإسرائيل. وهي تتوعّد بالتصعيد على لسان وزير دفاعها يوآف غالانت الذي أعلن تحضير عملية هجومية على لبنان .
– المرحلة الثانية: يفترض أن تنفَّذ في المدى المتوسّط. عدّل الفرنسيون بند انسحاب المجموعات المسلّحة، أي الحزب، عشرة كيلومترات الذي كان موجوداً في الورقة الأولى. واستبدلوه بعبارة “إعادة تموضع كلّ الجماعات بما فيها الحزب وغيره من المجموعات”. من دون تحديد المسافة الجغرافية لذلك. ويقابل ذلك وقف إسرائيل الخروقات الجوّية والبحرية والبرّية.
ستقدّم فرنسا ورقة منقّحة عن الورقة التي قدّمتها “بشكل غير رسمي” خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مطلع شباط الماضي إلى بيروت
– المرحلة الثالثة: يفترض أن تنفَّذ في المدى البعيد. وتنصّ على تثبيت الحدود في جنوب لبنان، بما فيها النقاط السبع المتنازع عليها ونقطة الـ1 . وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة. وحلّ النزاع المتعلّق بمزارع شبعا.
تعتبر باريس أنّ تنفيذ المرحلة الثالثة من القرار 1701 بحاجة إلى لجنة مراقبة لضمان عدم تكرار تجربة ما بعد حرب 2006 في عدم تنفيذ القرار كاملاً. وبالتالي يجري النقاش في تشكيل لجنة مراقبة مؤلّفة من الجيشين اللبناني والإسرائيلي وقوات اليونيفيل وممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا.
إلا أنّ وجود هذه اللجنة ليس وارداً في نصّ القرار 1701. وبالتالي فإنّ تشكيلها يحتاج:
– إمّا إلى التصويت على قرار جديد في مجلس الأمن.
– وإمّا الإبقاء على القرار 1701، وإعلان الاتفاق على اللجنة في حينه. تماماً كما حصل في تفاهم نيسان إثر حرب “عناقيد الغضب” عام 1996. وهو الخيار المرجّح في حال تمّ الاتفاق على هذه الصيغة.
انفتاح الحزب والوقت الضائع
رغم الكلام عن ان كل هذه المبادرات تأتي في الوقت الضائع لان الحرب الاسرائيلية في غزة لا تزال مستمرة . وبالتالي فان انفتاح الحزب وتجاوبه مع اي طرح لا يمكن ان يحصل الا بعد الحرب كما يؤكد في خطابه. ولكن، تتحدث مصادر مقربة من الحزب انه سيتعامل مع هذه الورقة بايجابية. وسيقدم ملاحظاته تماما كما فعل في المرة السابقة. لان الحزب يعتبر ان التعامل مع طروحات فرنسا بجدية وايجابية يمكن ان يحافظ على نوع من التوازن بينها وبين الولايات المتحدة الاميركية. وبالتالي يسعى الى عدم تحييد باريس على اعتبارها الاقرب اليه والتي لم تقطع خط التواصل معه كل التطورات التي حصلت في المنطقة. والدليل على ذلك انها استبدلت كلمة انسحاب في نسختها الاولى، باعادة التموضع في النسخة الثانية.
المصادر الدبلوماسية تؤكّد أنّ العملية العسكرية في غزّة لم تنته بل إنّ معركة رفح مقبلة وبعد رفح ستستكمل إسرائيل عملياتها بطريقة مختلفة
تنسيق مع واشنطن أم اتّفاق؟
تؤكّد مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى لـ”أساس” أنّ ورقة فرنسا، منذ نسختها الأولى، منسّقة مع أميركا. ولا تأتي في سياق المنافسة معها. يأتي هذا التأكيد بعد لقاءات واشنطن الأخيرة بين سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو والموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وبين وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن والموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين.
لكن يبدو أنّ للأميركيين وجهة نظر مختلفة في البند الذي عدّلته فرنسا. حيث أصبح الانسحاب “إعادة تموضع”. تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ التنسيق الفرنسي الأميركي لا يعني اتفاقاً كاملاً على كلّ البنود. لأنّ الفريق الأميركي لن يرضى بأقلّ من تنفيذ كامل للقرار 1701 ولو على مراحل. لكن تنفيذه يجب أن يكون بتعابير واضحة لا تحتمل المراوغة. وبالتالي فإنّ بند “الانسحاب” لا يمكن للفريق الأميركي أن يستبدله بأيّ تعبير آخر. سيما أنّ الإسرائيلي مصرّ على إغلاق ملفّ الحدود كاملاً لضمان أمن سكّان المستوطنات الشمالية في إسرائيل.
تؤكّد مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى لـ”أساس” أنّ ورقة فرنسا، منذ نسختها الأولى، منسّقة مع أميركا
تباين أميركي – فرنسي
وعليه، يبدو أنّ خلف الكلام عن تنسيق بين الفريقين تبايناً على مسافة الانسحاب ولو في المراحل الأولى. في معلومات “أساس” أنّ وفد نواب المعارضة الذي زار واشنطن الأسبوع الماضي سمع من الإدارة الأميركية كلاماً يؤكّد أنّها مصرّة على تنفيذ القرار الأممي “بالحسنى أو بالقوّة”. وبالتالي في حال عدم نجاح المفاوضات الحالية فإنّنا ذاهبون إلى الحرب حتماً. وسمع الوفد من الإدارة خطّة التنفيذ التي تنقسم إلى مراحل، لكنّها لا تتحدّث عن إعادة تموضع. بل عن انسحاب الحزب لمسافة تُحدَّد وفق المفاوضات وبشكل تقبل به تل أبيب أيضاً.
يأتي كلّ هذا الكلام في الوقت الضائع. لأنّ المصادر الدبلوماسية تؤكّد أنّ العملية العسكرية في غزّة لم تنته. بل إنّ معركة رفح مقبلة. وبعد رفح ستستكمل إسرائيل عملياتها بطريقة مختلفة، لكنّها لن تتوقّف قبل ذلك. وبالتالي إذا استمرّ الحزب بربط وقف عملياته بغزّة فإنّ كلّ هذا الكلام يصرَف في الوقت الضائع مساعي دبلوماسية تحضيرية لوقف الحرب.
إقرأ أيضاً: الغداء الرئاسي الفرنسي؟
فهل تنجح باريس في ملء هذا الوقت ضامنة نجاح مبادرتها؟ أم الولايات المتحدة الأميركية، التي تحاور الحزب عبر الرئيس نبيه بري، وإيران عبر العمانيّ والقطري، ستقطع عليها الطريق في الوقت المناسب؟
لمتابعة الكاتب على X: