يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس حكومة في سنوات لاحقة. ويقول الحاضر إنّ أقصر فترة في رئاسة الوزراء هي التي قضاها الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح على رأس حكومة استمرّت حوالي 81 يوماً فعليّاً فقط، وكانت الأولى في عهد الأمير الشيخ مشعل الأحمد الذي تولّى مقاليد الحكم في منتصف كانون الأول 2023.
مع اعتذار الدكتور محمد، “خرّيج جامعة هارفرد”، عن عدم الاستمرار في منصبه لفترة ثانية. وقع الاختيار على الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح، “خرّيج جامعة إيلينوي”، فأصبح رئيس الوزراء الـ11 على رأس الحكومة الجديدة، التي تؤكّد المعطيات بنسبة 99 في المئة أنّها ذاهبة باتّجاه “الصِدام الحتميّ” مع مجلس الأمّة الجديد.
كما كان متوقّعاً، طبقاً لما نشر “أساس” في 12/4/2024 بعنوان “أزمة الكويت… “الطبل” قبل “العرس”، عُيّن الشيخ أحمد عبدالله الصباح رئيساً لمجلس الوزراء، وتمّ تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. تمهيداً لانعقاد أولى جلسات مجلس الأمّة المُنتخب في 14 أيار المقبل، التي تتخلّلها كلمة الأمير وانتخاب رئيس جديد للمجلس واللجان البرلمانية.
في ذلك التاريخ، يظهر “الخيط الأبيض من الخيط الأسود” في ما يتّصل بالأزمة مع قرار الحكومة الجديدة بشأن التصويت بانتخابات الرئاسة أو عدمه. وقبل ذلك الموعد، ستظهر بوادر مستقبل العلاقة بين السلطتين من خلال أسماء الوزراء، الذين يُعتبر اختيارهم مهمّة شاقّة في الكويت لسَببَيْن:
– الأوّل: أنّ منصب الوزير بات منذ سنوات منصباً طارداً وغير مرغوب، لأنّ من يتولّاه ربّما “يحترق سياسياً” في أسابيع أو أشهر قليلة، فيخسر منصبه أو رصيده الشعبي أو الاثنين معاً. ويُصبح “سياسيّاً متقاعداً” حتى لو كان في الثلاثينيات من عمره.
يُعدّ رئيس الوزراء الجديد من الاقتصاديين الخبراء وهو الابن الخامس للشيخ عبدالله الأحمد الصباح، من مواليد 5 أيلول عام 1952
– الثاني: أنّ النواب سارعوا بُعيد تكليف رئيس الوزراء الجديد إلى تكبيله بجملة شروط ومطالب و”أمنيات”، على رأسها “اختيار الوزراء الأكفّاء الذين يُحسنون القيام بمسؤوليّاتهم”. المقصود هنا ليس أن يكون الوزير متمرّساً أو خبيراً أو حامل شهادات عليا في المضمار الذي سيتولّاه. وإنّما ألّا يكون من الأسماء “المحروقة سياسياً” في السابق، أو التي تدور حولها علامات استفهام، أو المحسوبة على أحد أطراف أو أقطاب الصراع السياسي. ومن الأفضل طبعاً أن يكون محسوباً على مجاميع نيابية.
انتخاب الرّئيس
السؤال المهمّ حالياً: هل تُواصل الحكومة الوليدة السُنّة التي استنّتها الحكومات في عهد الأمير السابق الراحل الشيخ نواف الأحمد بالتنحّي جانباً في انتخابات رئيس مجلس الأمّة واللجان النيابية. أم تدعم بأصواتها (15 أو 16 صوتاً) أحد المرشّحين، فتُساهم بشكل حاسم في فوزه؟
في الدستور الكويتي، يُعتبر الوزراء أعضاء في مجلس الأمّة، بعد أدائهم اليمين الدستورية في المجلس مباشرة. وهو ما يرفع أعضاء البرلمان من 50 مُنتخبين، إلى 64 أو 65 ما بين نواب ووزراء.
يحتاج الرئيس للفوز إلى الحصول على غالبيّة أصوات النواب:
– إذا كان عددهم 50، من دون الوزراء، يحتاج إلى 26 صوتاً.
– إذا كان عددهم 64 أو 65 مع الوزراء، يحتاج إلى 34 صوتاً.
في الحالة الأولى، الرئاسة محسومة لرئيس المجلس السابق المخضرم أحمد السعدون، وإن كان قد يواجه منافسة مع النائب فهد بن جامع، ابن أمير قبيلة العوازم، الذي أعلن عزمه الحاسم على خوض المعركة. وفي هذه الحالة ستكون المرّة الأولى منذ سنوات، التي يصل فيها السعدون للرئاسة عبر انتخابات لا بالتزكية.
في الحالة الثانية، تصبح الاحتمالات أكبر، ومن بينها أن تصبّ الحكومة أصواتها لمرشّح مُعيّن (قد يكون الرئيس الأسبق للمجلس مرزوق الغانم). في هذه الحالة سيكون الغانم بحاجة إلى حوالي 18 أو 19 نائباً فقط ليعتلي المنصّة.
ستظهر بوادر مستقبل العلاقة بين السلطتين من خلال أسماء الوزراء، الذين يُعتبر اختيارهم مهمّة شاقّة في الكويت لسَببَيْن
في كلتا الحالتين، سيتّضح التوجّه الجديد لأنّ الحكومة السابقة برئاسة محمد صباح السالم لم تخُض هذا الاختبار. إذ لم تُشكّل بعد انتخابات، فيما ستخوضه الحكومة الثانية في العهد الجديد.
العلاقة الشائكة
ستشكّل أسماء الوزراء وموقف الحكومة من انتخابات رئيس البرلمان، المحكّ الرئيسي للعلاقة المُستقبلية بين السلطتين:
– إن جَنَحت السلطة التنفيذية للتعاون والمهادنة من خلال عدم التدخّل في الانتخابات، وتوزير أسماء جديدة أو خبيرة من خارج المشهد لا تُغضب النواب. فثمّة فسحة أمل، لكنّ مؤشّراتها ضئيلة أو شبه معدومة، لأنّ بعض النواب مصمّمون على التصعيد أيّاً كانت الخيارات.
– أمّا إذا مالَت الحكومة نحو التصويت بالانتخابات، متمسّكة بحقّها الدستوري، و/أو ضمّت أسماء يراها بعض النواب مُستفزّة مثل وزير الدفاع والداخلية الحالي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، فإنّ الصدام سيكون حتمياً وسريعاً.
في انعكاس جليّ لحجم الصراع، لم يكَد يصدر الأمر الأميري بتسمية رئيس الوزراء الجديد، حتى بدأت حملة شعواء عليه، مُستحضرة مواقف سابقة عندما تولّى مناصب وزارية بين 1999 و2010.
من بين هذه المواقف انتقاده للنواب واعتباره أنّ كلّ شيء “له ثمن” في مجلس الأمّة، وقوله في تصريحات عام 2008 إنّ “هناك نوّاباً متديّنين وملتحين يذهبون إلى دبي كلّ ويك إند”، وإنّ “نواباً يقولون إنّهم على المعاش وعندهم مكاتب في نيويورك… أي معاش؟ أي بلّوط؟”، وصولاً إلى اعتباره أنّ “السؤال البرلماني له سعر والاستجواب له سعر ورفع الصوت خلال الجلسة له سعر”.
أصبح نادي رؤساء الحكومات في الكويت يضمّ 11 اسماً
لكنّ كثيرين أيضاً أكّدوا أنّه لا يجوز الحكم على الرجل بماضيه السياسي أو مواقفه السابقة قبل أكثر من 15 عاماً. فكلّ مرحلة محكومة بظروفها وتوازناتها، داعين إلى تقويمه وفق خياراته ومواقفه السياسية، وقدرته على نسج خيوط متينة في العلاقة الشائكة مع مجلس الأمّة “المتوثّب”، الذي وضع “تحسين معيشة المواطن” (أي زيادة التقديمات المالية للكويتيين) على رأس قائمة الأولويّات، فيما سيكون صعباً انتزاع موافقة حكومية على مثل تلك القوانين في الفترة الحالية، مع إمكانية الموافقة الجزئية على بعض التقديمات (مثل زيادة قيمة القرض الحسن). إذ تقول مصادر مطّلعة أنّ عدم التزام الأمير بما وعد به من زيادة لرواتب المتقاعدين هو بسبب اعتذار الشيخ محمد صباح السالم عن تشكيل الحكومة بعد جلسة له مع الشيخ مشعل اتسمت بالتوتر.
من اللافت أنّ الخبرات الأكاديمية للدكتور محمد صباح السالم استُخدمت ورقة ضدّه من قبل بعض النواب الذين اعتبروا أنّ “خرّيج هارفرد لا يُحسن التعامل مع المواضيع المعيشية”. ويبدو الآن أنّ البعض بدأ يعتبر “شهادة إيلينوي” نقطة ضعف أيضاً.
الرّئيس الاقتصاديّ
على غرار سلفه، يُعدّ رئيس الوزراء الجديد من الاقتصاديين الخبراء. وهو الابن الخامس للشيخ عبدالله الأحمد الصباح، من مواليد 5 أيلول عام 1952.
– درس في المدرسة الشرقية، ثمّ الداخلية الأميركية في لبنان، وسافر إلى الولايات المتحدة والتحق بجامعة إيلينوي وتخصّص في دراسة تمويل البنوك والاستثمارات وتخرّج عام
– عمل في المركز المالي الكويتي حتى عام 1978، ثمّ عمل حتى عام 1987 في البنك المركزي. وكان آخر منصب شغله فيه هو مدير إدارة الرقابة المصرفية.
– شغل رئاسة مجلس إدارة بنك برقان في الفترة ما بين عامَي 1987 و
– في تموز 1999 عيّن وزيراً للمالية ووزيراً للمواصلات.
– في 14 شباط 2001 عيّن وزيراً للمواصلات.
– في 14 تموز 2003 عيّن وزيراً للمواصلات ووزيراً للتخطيط ووزير دولة لشؤون التنمية الإدارية.
– في 15 حزيران 2005 عيّن وزيراً للمواصلات ووزيراً للصحّة.
يُعتبر الوزراء أعضاء في مجلس الأمّة، بعد أدائهم اليمين الدستورية في المجلس مباشرة
– في 9 شباط 2009 عيّن وزيراً للنفط.
– في 29 أيار 2009 عيّن وزيراً للنفط ووزيراً للإعلام.
– في 20 أيلول 2021 عيّن رئيساً لديوان وليّ العهد (الأمير الحالي) بدرجة وزير.
رؤساء حكومات الكويت من 1962 إلى 2024
أصبح نادي رؤساء الحكومات في الكويت يضمّ 11 اسماً، هم:
1- عبدالله السالم المبارك الصباح (حكومة واحدة: 1962 – 1963).
2- صباح السالم المبارك الصباح (3 حكومات: 1963 – 1965).
3- جابر الأحمد الجابر المبارك الصباح (5 حكومات: 1965 – 1977).
4- سعد العبدالله السالم المبارك الصباح (11 حكومة: 1978 – 2003).
5- صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح (حكومة واحدة: 2003 – 2006).
6- ناصر محمد الأحمد الجابر المبارك الصباح (7 حكومات: 2006 – 2011).
7- جابر مبارك الحمد المبارك الصباح (7 حكومات: 2011 – 2019).
إقرأ أيضاً: أزمة الكويت … “الطبل” قبل “العُرس”
8- صباح خالد الحمد المبارك الصباح (4 حكومات: 2019 – 2021).
9- أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح (4 حكومات: 2022 – كانون الثاني 2024).
10- محمد صباح السالم المبارك الصباح (حكومة واحدة: كانون الثاني 2024 – نيسان 2024).
11- أحمد عبدالله الأحمد الصباح (نيسان 2024).