إن كانت خسارة القوات اللبنانية في انتخابات نقابة المهندسين في طرابلس وبيروت يمكن النقاش حولها وتبريرها بالنسبة لمناصري القوات استناداً إلى تمكّن القوات من حصد أكثرية الأصوات المسيحية في بيروت بشكل واضح لا نقاش حوله. وبالتالي خسارتها المعركة أمام الثنائي الشيعي وليس أمام النائب جبران باسيل وتيّاره. فإنّ خسارة تيّار المستقبل في تلك الانتخابات في أكبر المدن الحاضنة للتيّار. أي بيروت وطرابلس، ليست بالتفصيل الصغير الذي يمكن تجاوزه وكأنّه شيء لم يكن. يجب الوقوف عنده ودراسته ومعالجة تداعياته.
خاض تيار المستقبل المعركة في انتخابات المهندسين كعادته في كلّ المعارك الانتخابية المتنوّعة، سواء كانت نيابية أو نقابية أو أهلية، استناداً إلى أمرين:
1- شيطنة المنافسين السُّنّة في اللوائح الأخرى، وصولاً إلى التشكيك في انتمائهم للطائفة السُّنّيّة من بوّابة اتّهامهم بدايةً بالتطرّف أو بالعمالة تارة للحزب وتارة أخرى للنظام السوري.
2- إدارة المعركة عبر رأسين وبشكل متأخّر ومتردّد، استناداً إلى داتا قديمة على قاعدة: “يلّي إلنا بجيبتنا”.
الوصفة الزرقاء خارج الصلاحيّة
الوصفة الثابتة، التي خاض بها المستقبل المعركة، باتت خارج الصلاحية. معزوفة التطرّف والعمالة ولصقها بالمنافسين، لم تعد مسموعة عند كلّ طبقات البيئة السنّية داخلياً وعواصم التأثير السياسي خارجياً. فآخر تحالفات التيار قبل اعتكاف رئيسه وتعليق عمله السياسي كان مع الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر. فيما آخر عداواته كانت مع القوات اللبنانية وصقور السُّنّة كما يحلو للكثيرين تسميتهم، وهم الوحيدون. أي القوّات والصقور، الذين غابوا عن استقبالات ذكرى 14 شباط الأخيرة في بيت الوسط. فيما حضر الكثيرون من حلفاء الحزب والنظام السوري ملتقطين الصور والسِّلْفيات موزّعين الابتسامات.
في انتخابات المهندسين، استفزّ المستقبل الكتلة المتردّدة عبر الاتّهامات الشخصية التي وُجّهت للمنافسين
لم يعد بإمكان تيار المستقبل بعد كلّ ما حصل أن يختصر السُّنّة به، بحيث يكون السُّنّي هو الأزرق، فيما باقي السُّنّة بألوانهم المختلفة ليسوا بسُنّة. لم يعد بإمكان الزرق إسقاط الحرم الديني على باقي الألوان. بل بات هذا الأسلوب يستفزّ الكتلة المتردّدة. وهي كتلة موجودة في كلّ انتخابات، ودائماً الرهان العاقل عليها عبر السعي إلى استمالتها لترجيح كفّة على أخرى.
في انتخابات المهندسين، استفزّ المستقبل الكتلة المتردّدة، عبر الاتّهامات الشخصية التي وُجّهت للمنافسين في سمعتهم وتاريخهم وسلوكهم ومهنيّتهم. هم وجوه بارزة ولهم تقديرهم في عائلاتهم ومناطقهم وبيئتهم. والاختلاف بالسياسة أو بالنقابة يجب أن لا يُفسد للودّ قضيّة. ليس مقبولاً أن يُكَلّفَ البعض ممّن لا يملكون الحيثيّة ويجهلون الجغرافية والتاريخ وما يزالون يتقبّلون التهاني حتى اليوم بحصولهم على الجنسية اللبنانية بشكل أو بآخر بالتطاول على كبار الناس، وعلى كفاءات الناس الأصيلين أبناء العائلات المعروفة المغروسة في لبنان قبل أن تُعلن دولة لبنان الكبير.
منذ إعلان الرئيس سعد الحريري اعتكافه وتعليق عمله السياسي وانتقاله إلى العاصمة الإماراتية “أبو ظبي” للإقامة في أحد فنادقها. يخوض الزُرق الاستحقاقات الانتخابية وكأنّهم تيّاران لا تيّار واحد: تيّار جمعيّتي “بيروت للتنمية” و”إمكان” بقيادة أحمد هاشمية، وتيّار الأمانة العامّة بقيادة أحمد الحريري. كلّ البيانات والصور التي توزّع بين الفينة والأخرى نفياً لما يتمّ تداوله عن خلافات بين الأحمدين. ما هي إلا تأكيد للمؤكّد، وهو أنّ الأحمدين علاقاتهما ليست على ما يرام، من انتخابات اتّحادات العائلات البيروتية، ووصولاً إلى انتخابات المهندسين في طرابلس تحديداً، ثمّ في بيروت على وجه الخصوص، كان المهندسون المحسوبون على التيّار الأزرق يخوضون المعركة على قاعدة أنّ هذا مرشّح هاشمية وذاك مرشّح أحمد الحريري. ولا أحد عمل لمرشّح التيار، وفقط التيار، فلا نجح مرشّح ذاك ولا تألّق مرشّح ذلك.
لم يعد بإمكان تيار المستقبل أن يختصر السُّنّة به بحيث يكون السُّنّي هو الأزرق
شارك 1,100 مهندس من الطائفة السُنّيّة في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت. صوّت منهم 600 للائحة تحالف القوات والمستقبل بعدما تمّ تسديد اشتراكات معظمهم قبيل الانتخابات، فيما 500 مهندس سُنّيّ في بيروت صوّتوا للّائحة الأخرى دون أن يعمد أيّ طرف أو جهة إلى تسديد اشتراكاتهم التي سُدّدت فرديّاً عند استحقاقها. الفرق بين اللائحة الفائزة واللائحة الخاسرة هو 500 صوت، وهم أصوات السُّنّة الذين أدركوا أنّ الأمر يحتاج إلى خيار جديد، و500 مثلهم قاطعوا الانتخابات لأنّهم يعتقدون أن لا جدوى ولا أمل في كلّ ما يحصل.
إقرأ أيضاً: “فيروس حسّان دياب” يصيب سُنّة لبنان
رحم الله رفيق الحريري
أحد المحامين الناشط سابقاً في تيّار المستقبل والذي سبق له أن ترشّح للانتخابات النيابية الأخيرة كتب على صفحته على فيسبوك قائلاً: “نقابة المهندسين في بيروت بالنسبة للرئيس الشهيد رفيق الحريري تكاد تكون أهمّ من رئاسته للحكومة. لم يكن بحاجة إلى تحالفات لأنّه كان يرشّح المسيحي والسُّنّي والشيعي بأيّ مركز ويفوز لمجرّد أنّه قام بتسميته”. وأضاف: “الخسارة في بيروت والشمال ليس سببها استشهاد رفيق الحريري ولا تعليق سعد الحريري لعمله السياسي. بل لأنّ الثقافة تغيّرت وأصبحت مبنيّة على مين بدّو يركب الموجة على حساب التاني. رحم الله رفيق الحريري ورجال رفيق الحريري الذين كانوا يفكّرون صحّ ويحصلون على النتيجة الصحّ”.
لمتابعة الكاتب على X: