في الحديث مع الدبلوماسيين العاملين على الملفّ اللبناني، تحديداً الملفّ الأمنيّ المرتبط بالحرب الدائرة في جنوب لبنان بين الحزب وإسرائيل، يمكن استنتاج خلاصة أولى فوراً، وهي التالية: “المزاج الإسرائيلي تغيّر. وأصبح أكثر خطورة ممّا كان عليه خلال الحقبات السابقة. وهو ما يعني أنّ هذه المرحلة لا ولن تشبه مراحل سابقة على الإطلاق”.
هذا الكلام الصادر عن مرجع دبلوماسي رفيع لا يأخذه الحزب على محمل الجدّ. فأيّ كلام عن خطر حقيقي بأنّ هناك حرباً آتية يعتبره الحزب “تهويلاً” و”حرباً نفسية”. لذلك دأبت الوفود الدولية منذ فترة على إقناع الحزب بأن لا يعوّل على التفاوض الأميركي الإيراني هذه المرّة، وأن لا يعوّل على ما يعتبره “خسائر لاحقة بإسرائيل سيحتملها بنيامين نتنياهو”، لأنّ القرار قد اتُّخذ. ونتنياهو يريد ضمانات حول أمن الحدود و”المستوطنين” في شمال إسرائيل، أو الحرب.
في الكواليس الدبلوماسية قلقٌ بالغ من احتمال تصعيد إسرائيلي قريب في جنوب لبنان. ويقول أحد أرفع الدبلوماسيين الغربيين في لبنان أمام مجموعة من الصحافيين: “نحن نعرف أنّ الحرب واقعة مئة في المئة. لكنّنا نحاول أن نمنع وقوعها”. ويتابع: “لذلك نحن قلقون، ونعمل يوميّاً، ونكرّر القول إنّ علينا مسابقة الوقت، وألّا نخاطر بتضييع المزيد من الوقت لأنّ العمل الدبلوماسي لا يزال متاحاً، لكن ليس لوقت طويل”.
هذا الكلام تُجمع عليه الدول الخمس العاملة على الملفّين اللبنانيَّين، الرئاسي والحدودي. وتحديداً في ضرورة فصل الملفّين عن أحداث الحرب الدائرة في غزة. وليس فقط فصل الملفّ الرئاسي عن ملفّ الحرب في جنوب لبنان. إذ تقول أجواء قريبة من الحزب إنّه “أنجز هذا الفصل”.
ربّما فرنسا وقطر من بين الدول الخمس هما الدولتان الوحيدتان اللتان يسهل التفاوض بينهما وبين الحزب في لقاءات مباشرة. لأنّ الجانبين الأميركي والسعودي رسائلهما تذهب بالواسطة، “من إلى عن على…”.
أيّ كلام عن خطر حقيقي بأنّ هناك حرباً آتية يعتبره الحزب “تهويلاً” و”حرباً نفسية”
أميركا: الحرب.. أو السلم
بالنسبة إلى الجانب الأميركي فقد سبق أن أرسل رسالته الواضحة: “أمن الحدود بالحُسنى أو بالقوّة”. وهنا لا بدّ من التمييز بين الموقف الأميركي الرسمي وبين ما حاول أن يقوم به الموفد الرئاسي الأميركي العامل على هذا الخطّ، آموس هوكستين. وذلك قبل مغادرته لبنان في زيارته الأخيرة.
ينطلق الأميركيون في مقاربتهم هذه من إدراكهم أنّ الجانب الإسرائيلي لا عودة في قاموسه عن تصفية كلّ ما يعتبره خطراً على حدوده. فملفّ أمن “المستوطنين” في شمال فلسطين المحتلّة أصبح ملفّاً ملحّاً بعدما تحوّل ضغطاً عليه من جنوب لبنان. وبالتالي لن يوقف الإسرائيلي الحرب قبل التوصّل إلى استقرار تامّ في تلك المنطقة. هذا الكلام يعبّر عنه مرجع دبلوماسي رفيع بالقول: “أمن إسرائيل أصبح من أمن لبنان. وبالتالي هما بلدان مرتبطان باستقرارهما. لذلك ما نشهده اليوم لا يشبه أيّاً من الحروب السابقة.”
السّعوديّة: تكوين السّلطة… والإصلاحات
أمّا الجانب السعودي فهو الذي ينطلق من فكرة إعادة تكوين السلطة، والعمل من خلال مؤسّسات الدولة، والاستقرار، وتطبيق اتفاق الطائف، والإصلاحات. فلبنان بلد مفلس. وهذا ليس سرّاً. ولا جهة قادرة على إعادة إعماره سوى أموال الخليج وضماناته. وبالتالي فإنّ وقف حالة الفوضى والانهيار له طريق واحد.
يدرك الحزب هذا. وعليه تقول مصادر مطّلعة على موقفه إنّه يفضّل رئيساً تُفتح له أبواب الخليج. لأنّ لبنان، وجنوب لبنان تحديداً، بحاجة ماسّة إلى ذلك. في عام 2006 تكفّلت قطر والسعودية بإعادة الإعمار. اليوم لا تستطيع قطر إحراق إجماع الخماسية على وحدة المسار الدولي تجاه لبنان. وبالتالي لا مال من الخليج قبل الحلّ السياسي.
بناء على كلّ ما سبق، يقول مصدر دبلوماسي إنّ “عدم قناعة الحزب حتى الساعة بأنّ تهديد الحرب جدّي واحدة من العراقيل التي تعترض محاولات الحلّ الدبلوماسية. واعتقاد الحزب بأنّ الجيش الإسرائيلي منهك اعتقاد في غير مكانه. بل هو جيش جاهز، وسيحصل على الدعم في حال تدحرجت الأمور. لذلك على إسرائيل وعلى الحزب أن يتعقّلا لأنّ نتيجة المكابرة ستكون خطيرة”.
بالنسبة إلى الجانب الأميركي فقد سبق أن أرسل رسالته الواضحة: “أمن الحدود بالحُسنى أو بالقوّة”
سوابق إسرائيليّة مع المجتمع الدوليّ
يروي أحد الدبلوماسيين أكثر من رواية عن سوء تقدير الدبلوماسية الدولية للقرارات الإسرائيلية على مرّ الأحداث الكبرى السابقة. في قانا تحديداً، خلال عدوان “عناقيد الغضب” في نيسان من عام 1996، سارع وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر إلى المنطقة لضبط الوضع. لأنّ إسرائيل باغتت أميركا بهذا العدوان.
كذلك في حرب تموز 2006، لم تكن عواصم القرار مستعدّة أو بالأحرى في جوّ وقوع حرب على هذا القدر. بل إنّ ردّة فعل إسرائيل فاجأت حلفاءها. وتدهور الوضع إلى حرب الـ33 يوماً. وهي لم تكن في حسبان أحد.
وفي تموز 2014 هرع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة، لمحاولة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة في ذلك العام. وهو عدوان فوجئت به واشنطن.
إقرأ أيضاً: جنبلاط وبرّي يراسلان الحزب: لتسوية مقبولة… أو الخراب
لذلك على كلّ من يعمل على عدم وقوع الحرب أن يتنبّه إلى هذه السوابق. وأن يعلم أنّ الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي ليسوا قادرين على ضبط جنوح إسرائيل إلى حرب مدمّرة .
لمتابعة الكاتب على X: