كَسَرَت حرب غزة الجرّة بين ميشال عون وجبران باسيل وحليفهما الأمين العامّ للحزب. باتت الرسائل المُتطايرة بين المقلبين تنبئ بتموضعات جذرية لن تكون انتخابات رئاسة الجمهورية أولى ترجماتها ولا مصير جبران السياسي آخرتها.
ردّ النائب جبران باسيل خلال إفطار رمضاني في جبيل مباشرة على كلام الأمين العام للحزب في ذكرى إحياء يوم القدس الذي سَبَق بساعات قليلة رسائل رئيس التيار الوطني الحرّ “الناريّة”.
ذَهَب باسيل إلى حدّ اتّهام الحزب بـ “منح بنيامين نتنياهو حرباً لا يريدها سوى هو ليقتل ويدمّر. فيما يرفضها الجميع من لبنان إلى أميركا وإيران”، وإجبار اللبنانيين على “ربط أنفسهم بصراعات ما إلنا فيها وبحرب لا نعرف متى تنتهي ومدى انعكاسها علينا”.
كما حذّر من تفريط الحزب بـ “قيمة” كبيرة هي توافق اللبنانيين على الوقوف بوجه إسرائيل “كرمال مين وكرمال شو وخدمة لأيّ مشروع مشبوه”. مكرّراً مطلبه من الحزب بـ “فصل لبنان عن غزة والحفاظ على معادلة القوّة والردع في لبنان وتعزيزها”.
المفارقة أنّ الإفطار في جبيل لم يُشارك فيه أيّ مسؤول في الحزب، فيما لبّت قيادات “حركة أمل” المدعوّة “العزيمة”. لكنّ الرسالة الأهمّ وصلت إلى الضاحية حين قال باسيل: “من يعتقد أنّ بإمكانه التحكّم ببقيّة إخوانه المواطنين والانتصار على إسرائيل هو واهم. فكيف يمكن الانتصار عليها ودولتنا منهارة وشراكتنا على المحكّ”، سائلاً: “هل ينتظرون تسوية كبيرة تفرض علينا رئيساً؟ لن يكون هناك تسوية آتية قريبة، وليس من منتصر كبير في الحرب الدائرة. والواجب اليوم انتخاب رئيس وليس انتهاء حرب غزة لانتخابه”.
عون: يجرّنا الحزب إلى حرب خاسرة
يَسمَع هذا الكلام نفسه زوّار رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي لا يتردّد بالقول: “يجرّنا الحزب إلى حرب خاسرة بسبب الفارق في موازين القوى. ماذا سيقول لنا السيّد نصرالله حين يصبح لبنان غزة 2؟ وهل ينتظر منّا موقفاً مماثلاً لحرب 2006 والحرب ضدّ التنظيمات الإرهابية؟ حرب غزة تختلف تماماً ولا شأن لنا بها سوى القيام بتحصين جبهتنا الداخلية”.
كَسَرَت حرب غزة الجرّة بين ميشال عون وجبران باسيل وحليفهما الأمين العامّ للحزب
السيّد لحلفائه: أعيدوا حساباتكم
كلام النائب جبران باسيل من جبيل أعقب مقاربة عسكرية-سياسية مناقضة تماماً قدّمها السيد حسن نصرالله عن “إنجازات حرب غزة على مستوى الكيان الإسرائيلي، والتهديد بحرب شاملة الذي لم ينفع في إيقاف جبهة المساندة في جنوب لبنان”.
قال نصرالله: “عندما نقاتل في جبهة لبنان أو العراق أو اليمن، إسناداً للميدان الأصلي. نحن نقاتل برؤية نصر واضحة ومُشرِقة، والموضوع فقط هو موضوع وقت”، مؤكّداً “جهوزية المقاومة للحرب… فأهلاً ومرحباً بالحرب”.
في سياق رسالة محض داخلية قال السيّد: “يللي مفكّر هذه المعركة سنذهب فيها إلى هزيمة أنا أدعوهم إلى أن يعيدوا حساباتهم في لبنان وفي المنطقة. محور المقاومة في هذه المعركة ذاهب إلى انتصار كبير وتاريخي”.
أمّا الربط المُحكَم مع الساحة الداخلية فأبرزه نصرالله من خلال تأكيد حتمية الردّ الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا. وطرح تساؤلات “حول ردّ الفعل الإسرائيلي وردّ الفعل على ردّ الفعل. لذلك قد يكون هناك مرحلة جديدة، والكلّ يجب أن يُرتّب ويُحضّر نفسه ويحتاط بالحدّ الأدنى. يجب أن نكون جاهزين فيها لكلّ الاحتمالات”.
تُسمَع “جلبة” مواقف نصرالله لدى حليفيه، عون وباسيل، أكثر بكثير من خصومه الآخرين. وتفيد المعلومات أنّ جبران باسيل سيطلق مواقف إضافية خلال مؤتمر صحافي سيلي اجتماع المكتب السياسي يوم غد الثلاثاء الذي سيتطرّق فيه إلى موضوع الحرب في الجنوب ورئاسة الجمهورية وملفّ الحوار. خصوصاً لجهة الرفض المسيحي المطلق لانتخاب فرنجية.
سانَدَ غزّة ولم يُسانِدنا
لم يعُد سرّاً الكلام عن مساحة التباعد بين حليفَي مار مخايل. لكنّ التركيز الأكبر على نتائجه المحتملة في مرحلة ما بعد غزة ووقف العمليات العسكرية. فالمقاربة الباسيليّة باتت تحمّل الحزب وزر أخطاء بالجملة ارتكبها نصرالله بحقّ حليفه المسيحي الأوّل لناحية الوزن التمثيلي.
تفيد المعلومات أنّ جبران باسيل سيطلق مواقف إضافية خلال مؤتمر صحافي سيلي اجتماع المكتب السياسي يوم غد الثلاثاء
يقول قريبون من حلقة باسيل الضيّقة: “جبهة المساندة من جنوب لبنان لحرب غزة كلّلت سلسلة خطايا اقترفها الحزب بحقّنا. فقد “سانَد” حكومة ميقاتي في استباحتها الكاملة لصلاحيات رئيس الجمهورية وصولاً إلى محاولة سحب عناصر الحماية المفروزين للرئيس عون ولباسيل، و”سانَد” من تحت الطاولة التمديد لقائد الجيش وللمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي، وفتح جبهة مساندة لميقاتي للتنسيق في كلّ ما يتعلّق بمهامّ الحكومة وتثبيت استاتيكو الفراغ الرئاسي، و”سانَد” محاولة الحكومة تعيين 234 خفيراً جمركياً ليس من بينهم أيّ مسيحي، ويحاول فرض سليمان فرنجية رئيساً علينا بقبضة غزة، وتركيب بعض الأزلام بالإدارات من خلف ظهرنا”.
بالمقابل، يضيف هؤلاء، “ماذا فعل الحزب ليساندنا في ملفّ النزوح السوري الموازي لخطورة العدوّ الإسرائيلي؟ وماذا فعل حيال مدّ اليد على الشريك الآخر؟ وهذان ملفّان يشكّلان تهديداً مباشراً للكيان اللبناني وللشراكة… الأرجح أنّ الحزب لم ينتبه لما قاله جبران باسيل في 17 آذار الماضي من أن ليس هناك تحالف ثابت مع أحد. بل تفاهم حيث ممكن ذلك، وهذا ما نفعله اليوم في علاقتنا مع الرئيس نبيه بري”.
تلاقٍ مع برّي
أمس أكّد نائب التيار الوطني الحر سليم عون في حديث إذاعي: “قنوات التواصل مع الحزب لا تزال قائمة، لكن يجب أن تكون أكثر متانة. والانفتاح على الرئيس بري يمكن أن يشكّل عاملاً مساعداً في ذلك. فلطالما كان للرئيس بري دور في بروز نقاط خلافية بين التيار والحزب الذي ينحاز إلى جانب الرئيس بري عند كلّ تباين. وعلى الرغم من الاختلاف في وجهات النظر مع بري تمكّنّا من التوصّل إلى بعض نقاط التلاقي”.
لمتابعة الكاتب على X: