اغتيال قادة “الحرس” يطرح وجود إيران في سوريا؟

مدة القراءة 7 د

التحوّل في المواجهة بين إسرائيل و إيران على الأراضي السوريّة له تداعيات عسكرية وسياسية في المرحلة المقبلة. قصف الأولى مبنى قنصليّاً في دمشق، ومقتل سبعة من قادة “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، ينبئان بدينامية جديدة في الصراع. في ردّها على قصف “المقاومة الإسلامية في العراق” لميناء إيلات، تتعدّى إسرائيل باستباحتها الميدان السوري هذا الهدف.

قناعة أوساط مواكبة لتداعيات حرب غزة بأنّ الضربة التي نفّذتها إسرائيل الإثنين الماضي لطهران في قلب دمشق، تفتح مرحلة جديدة. تراوح أهدافها بين قطع الطريق على استفادتها من الميدان السوري إذا توسّعت الحرب، وبين طرح الانسحاب الإيراني منه. وهذه حسابات مرتبطة بجبهة جنوب لبنان، أي بقطع شريان السلاح للحزب. تستند هذه الأوساط إلى تسلسل استهدافات إسرائيل للوجود الإيراني في الأشهر الماضية:

تسلسل اغتيالات قادة “الحرس”

– لم تكن المرّة الأولى التي يقتل فيها الجيش الإسرائيلي قادة كباراً في “قوّة القدس”. هي المرّة الأولى التي يقصف فيها موقعاً دبلوماسياً وسط التباس حول ما إذا كان المبنى للقنصلية أم ملاصقاً لها ولسكن القادة. لكنّ اغتيال هؤلاء يحصل منذ بداية الحرب:

  • في 25 كانون الأول الماضي اغتالت إسرائيل “رفيق قاسم سليماني” رضي الموسوي في شقّة في منطقة السيّدة زينب. وكان المسؤول اللوجستي عن نقل وتوزيع السلاح والمال على عناصر “الحرس” والميليشيات الحليفة في سوريا.
  • قتل مسؤول استخبارات “حرس الثورة” في سوريا (سردار) صادق أوميد زادة، ومعه نائبه واثنان من ضباط “الحرس” في شقّة بمنطقة المزّة. كان مسؤولاً عن تحديد الأهداف الأميركية التي قصفتها الميليشيات الموالية لطهران في سوريا.
  • مطلع شباط قُتل خمسة في منطقة حمص، بينهم إيرانيون وعناصر من “الحزب”، إضافة إلى مدنيين.
  • في الأوّل من آذار قُتل المستشار في “قوة القدس” رضا زارعي في غارة على مدينة بانياس قرب مرفئها. وقُتل معه 3 عناصر من “الحزب”.

باتت إيران تبيع الكهرباء منها للدولة السورية، وهي واحد من استثمارات طهران في بلاد الشام

  • في 27 آذار قُتل المستشار في “الحرس” بهروز وحيدي في غارة على دير الزور. وهو واحد من 13 آخرين من الحزب وميليشيات موالية قضوا… قصف دير الزور تكرّر كثيراً في الأسابيع الماضية.

تدمير مستودعات سلاح وضرب الاستثمارات

– تنوّعت أهداف الغارات الإسرائيلية بين اغتيال قادة واستهداف مواقع لـ”الحزب” ومقتل مسؤولين عن قوّاته في سوريا. شمل ذلك قصف مستودعات أسلحة ومخازن أسلحة تورّدها طهران إلى سوريا ومنها إلى لبنان. قال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إنّه “منذ بداية حرب غزة، هاجمت إسرائيل من الأرض والجوّ أكثر من 50 هدفاً للحزب في سوريا”. صارت الغارات على مواقع الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية الموالية لإيران في منطقة البوكمال شبه يومية. ولم يعد هناك تركيز إعلامي عليها لأنّها باتت روتينية. وشاركت فيها الطائرات الأميركية إلى جانب الإسرائيليين.

  • لكنّ الشهرين الماضيين شهدا تطوّراً لافتاً بقصف مواقع للجيش السوري، على الرغم من تفاهم تل أبيب مع موسكو على تحييده. من الأمثلة على ذلك:

بانياس والقلمون وريف حلب

  • أنّ قصف بانياس أدّى إلى دمار وأضرار في محطة توليد الكهرباء فيها، والتي أهّلتها وتديرها شركة “مبنى” الإيرانية. المحطّة كانت سابقاً بإدارة شركة “سيمنز” الألمانية. باتت إيران تبيع الكهرباء منها للدولة السورية، وهي واحد من استثمارات طهران في بلاد الشام. كما أنّ مرفأ بانياس مصبّ للنفط الإيراني، الذي ينقل إلى مصفاتها لتكريره وبيعه في السوق السوري، واللبناني عن طريق الحزب. باتت المصفاة تحت شبه السيطرة الإيرانية. وتفيد المعلومات أنّ ناقلات النفط الإيرانية المتّجهة إلى بانياس باتت تحمل أحياناً بعض السلاح، وبعض المكوّنات التكنولوجيّة للمسيّرات. استُعيض بهذه الوسيلة، إضافة إلى الطرق البرّية عبر البوكمال بعد تعطيل نقل السلاح عبر مطارَي حلب ودمشق. وسبق أن توقّفت إسرائيل عن قصفهما بطلب من القوات الروسية، التي سيّرت دوريات بمحافظة القنيطرة لمنع الوصول الإيراني إلى حدود الجولان المحتلّ.

التحوّل في المواجهة بين إسرائيل وإيران على الأراضي السوريّة له تداعيات عسكرية وسياسية في المرحلة المقبلة

  • أنّ القصف الذي طاول منطقة القلمون في ريف دمشق في 16 آذار الماضي طاول مستودعات أسلحة للفرقة الثالثة. واللواء 155 في الفرقة يتولّى مسؤولية الصواريخ الباليستية السورية. ميزة هذه الفرقة أنّها ليست كالفرق التي خضعت لهيمنة إيران عليها مثل الفرقة الرابعة وغيرها. أسلحتها بقيادة سوريّة، وتدمير مستودعاتها يشي بأنّ إسرائيل تحتاط لأيّ احتمال أن تتسرّب منها أسلحة للحزب إذا توسّعت الحرب.
  • استهداف مواقع الجيش السوري آخر آذار في ريف حلب خلّف أكبر عدد من القتلى لدى الجيش السوري والحزب. إذ دمّر مستودعات أسلحة مشتركة ونتج عنه مقتل 52 جلّهم من الجيش، إضافة إلى قتلى الحزب.

الهدف الإسرائيلي هو الإفادة من حرب غزة للحؤول دون إعادة تأهيل الجيش السوري بعد الحرب.

إيران

الأهداف تتعدّى ضرب القنصليّة

تعدّت العملية الأخيرة التي قُتل فيها قائد قوة القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي ومعه ستّة من القادة، أهداف الحرب الإسرائيلية في غزة. فإسرائيل تلاحق شحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا والحزب منذ 2017. ولم تركّز قصفها لها أو استهداف قادة “الحرس” كما حصل في الأشهر الأخيرة.

سبق للاغتيالات أن أثارت حفيظة إيران لأنّ الأمن السوري لم يتمكّن من كشف مصادر المعلومات التي تسرّبت عن أماكن وجود القيادات المستهدفة. ولم يخفِ مؤيّدو النظام السوري الرغبة الدفينة بتوظيف الاعتقاد الشائع بأنّ في مؤسّساته من يتعاون بتمرير المعلومات عن الوجود الإيراني. فهؤلاء لا يخفون أنّ على الدول العربية والغربية التي تحاصر النظام بسبب تحالفه مع إيران، أن تستفيد ممّا يحصل للانفتاح عليه.

إقرأ أيضاً: الإيرانيون يشتبهون بـ”سوريين” في اغتيال قياداتهم

مع تكاثر التقارير الإعلامية عن أنّ التوسّع الإيراني في سوريا لا يتمّ برضا بشار الأسد، اضطرّ الأخير إلى الردّ على تساؤلات طهران بإحداث تغييرات في قيادات بعض الأجهزة مطلع العام. بدأت تساؤلات طهران مع اغتيال قاسم سليماني مطلع 2020 في مطار بغداد بعد ركوبه الطائرة من دمشق. وينتظر أن تتفاعل هذه القضية إلى حين جلاء مدى الشراكة السورية في هذه الضربات.

سبق للاغتيالات أن أثارت حفيظة إيران لأنّ الأمن السوري لم يتمكّن من كشف مصادر المعلومات التي تسرّبت عن أماكن وجود القيادات المستهدفة

إلا أنّ تحييد الأسد في الحرب الإسرائيلية على غزة بات مسلّماً به لسببين:

  • أنّه أساساً ضدّ حركة “حماس” وفي كلّ الأحوال لا يملك القدرة على إقحام نفسه في هذه الحرب.
  • إسرائيل منذ بداية الحرب أوصلت رسالة نقلتها أكثر من دولة كلٌّ على طريقتها إلى رأس النظام، من روسيا، إلى الإمارات العربية المتحدة إلى سلطنة عُمان وحتى فرنسا. ويتردّد أنّ الأخيرة نقلت تهديداً بأنّ أيّ تسهيل لاستخدام الميدان السوري في الحرب سيؤدّي إلى قصف القصر الجمهوري مباشرة.

بعض المطّلعين على تداعيات حرب غزة يتوقّعون أن تتدحرج الأمور نحو مرحلة يُطرح فيها الانسحاب الإيراني من سوريا. وهذا لن يتّضح إلا بالمفاوضات الأميركية الإيرانية. فهل تتمّ إثارته مقابل طرح إيران الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق؟

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…