لا لزوم للانتظار والاستماع إلى خطابات احتفال الحزب يوم الأربعاء في 3 نيسان من ضاحية بيروت.
لا بل ربما لا لزومَ للخطابات أصلاً.
فكما يقول المثل الشائع، بعض المكتوب يُقرأُ من عنوانه.
واحتفال الحزب هذا مقروءٌ بكل منطلقاته ومضامينه وأهدافه، من مجرد الدعوة إليه.
وفي هذا المقروء أشياء خطيرة جداً. على بلداننا العربية. وعلى لبنان. وربما أكثر.
الدعوة إلى احتفال الحزب بمناسبة “يوم القدس” مختلفة جداً هذه السنة. تكفي البطاقة الرسمية، لفهم كل الأغراض والغايات. وبعضها يدعو إلى قلق شديد. وهذا مفاده:
1- تستهل البطاقة افتتاحاً باستشهاد بعبارة للخميني. لا علاقة لها بالقدس. ولا حتى بفلسطين. بل هي كناية عن شرعة نضال أممي إسلاموي، بحسب المدرسة والرأي والمرجعية الخمينية. عبارة تؤكد أن “يوم القدس هو يوم إحياء الإسلام ويوم قيامة المستضعفين ضد المستكبرين”.
هي دعوة دينية ولائية إذن. والقدس وفلسطين مجرد أداتين لها. مع أن كلمة الخميني يوم تأسيس المناسبة قبل 45 عاماً، تضمنت معاني أخرى. كان يمكن اختيار أحدها لافتتاح بطاقة دعوة هذه السنة.
صحيح أن الخميني طلب من الله في ختام خطابه يومها، “أن ينصر المسلمين على الكافرين”، إلا أنه ضمّن كلامه إشارات فلسطينية معقولة. مثل تشديده على “إعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين”. أو إرادته لهذه المناسبة أن تكون “العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني”.
لكن الحزب اختار لهذه السنة اختزال المناسبة بأنها “إحياء الإسلام”.
وهذه ظاهرة باتت شائعة في سردية الحزب الدعائية منذ أشهر. حيث ساد في مناسباته الأليمة، كلام مقتصر على الغيبيات وعلى الرموز المذهبية والمقدسات. على حساب فلسطين كقضية وطنية أو عربية أو حتى إنسانية. فلم تعد فلسطين في أدبيات المحور قضية الشعب الأكثر اضطهاداً منذ ثمانية عقود. والأكثر تشرداً ونضالاً وصموداً. ولا هي قضية أرض وطنية لجماعة وطنية بمواجهة كيان غاصب مستورد بكل ما فيه.
تستهل البطاقة افتتاحاً باستشهاد بعبارة للخميني. لا علاقة لها بالقدس. ولا حتى بفلسطين
بل تحولت فلسطين كلها، مسألة حرب دينية ببعد مذهبي واضح. حتى كاد يغيب اسمها عن الدعوة. لتبقى فيها مفردة القدس، في دلالتها الدينية. لا في معناها كعاصمة وطنية لفلسطين التاريخية.
والإشكالية ههنا ليست دينية وحسب. بل سياسية سلطوية بشكل مباشر.
إذ كان ثابتاً في تاريخ العلاقات الإيرانية العربية، استخدام طهران للدين مادة شغب واضطرابات في أكثر من مكان ومناسبة مقدسة. وخصوصاً في السعودية. حيث ظل الأمر موضع استنفار للحفاظ على أمن المملكة وناسها وحجاجها. وأبرز تلك الحوادث مأساتا 1981 و 2015 الشهيرتان. فضلاً عن سلسلة طويلة لا تنتهي.
وبالتالي فالثابت تاريخياً أن طهران حين ترفع شعار الإسلام، إنما تقصد نفوذ فارس وسيطرة نظام الملالي وهيمنة امبراطورية الحرس الثوري على منطقة أُريد لها أن تمتد من قزوين إلى المتوسط بأقل تقدير.
وفي المقابل، لم يمنع هذا الخطاب الديني تعامل نظام الملالي مع جهات “كافرة”. منذ فضيحة كونترا غايت، في الثمانينات وصفقة شراء طهران أسلحة أميركية بوساطة اسرائيلية، انتهاء بالاتفاق النووي مع أوباما، يوم أزيلت شعارات “الموت لأمريكا” من قلب العاصمة الإيرانية.
مروراً بصفقة الاحتلال الأميركي للعراق، يوم صار التواصل المباشر بين الأميركيين وقاسم سليماني هي مسألة سلطة ونفوذ إذن أولاً وأخيراً. أما الباقي فذرائع…
2- للمرة الأولى ربما، يكتب الحزب رسمياً لائحة إسمية كاملة بما سماه “قادة محور المقاومة”. وهم خطباء احتفاله. أولهم الرئيس الإيراني. وآخرهم أمين عام حركة “الجهاد الإسلامي”. وبينهما بالترتيب والتراتب: زعيم الحزب وقائد الحوثيين وزعيم “حماس” وممثل “المقاومة العراقية”.
هكذا أسقطت طهران مفهوم الدولة الوطنية بورقة. بل هي ورقة التين المنزوعة عن هياكل الدمار التي أنجزتها في هذه الدول والبلدان والمجتمعات سابقاً. والتوازي في الشكل معبّر جداً لهذه الناحية. فمن إيران – المركز، عاصمة الامبراطورية الجديدة، يتحدث رئيس دولة. أما في ما تبقى، فيتحدث ممثلو الامبراطورية، وكلاؤها في تلك الملحقات الخاضعة، أو المقاطعات التابعة.
ولا خجل أو تورية أو تعمية. بل مفاخرة جهراً وعلناً، بأنْ هذا نحن، وهذا محورنا!
الدعوة إلى احتفال الحزب بمناسبة “يوم القدس” مختلفة جداً هذه السنة. تكفي البطاقة الرسمية، لفهم كل الأغراض والغايات. وبعضها يدعو إلى قلق شديد
3- تبقى نقطة ثالثة لافتة، أن بشار الأسد غير مشارك في الاحتفال. ولا حتى عبر ممثل له فيه. مسألة تثير الكثير من الاستغراب والجدل. اليمن الذي لا قوات إيرانية فيه رسمياً، ضمن المحور. والعراق الذي له دولة ضمنها دول، منها ما تقصفه طهران، ومنها ما يتمنى قصفها، ممثَل أيضاً ضمن المحور. وفلسطين طبعاً بغزتها وحركاتها حاضرة. فضلاً عن اللالبنان المختصر بزعيم الحزب… فيما سوريا حليفة الخمينية منذ 45 عاماً، وحيث جيوش إيرانية رسمية وحزبية وزينبية وفاطمية مشتركة، وحيث تضرب اسرائيل الامبراطورية يومياً، وحيث يمرّ شريان المحور لتغذية أطرافه… سوريا هذه غير ممثلة.
نقطة بارزة، قد تجعل كثيرين من مواطني هذه الدول، من اليمن حتى لبنان، يتمنون ربما لو أن لهم رئيساً مثل بشار. قادر على استجلاب إيران للدفاع عنه. وقادر على عدم الالتحاق بمحورها. ولو علناً على الأقل… نعم إنها لحظة من نكد الدنيا!
اليوم تجري وقائع الاحتفال. وتُلقى الخطابات. وتصدح أصوات وتُقرع طبول…
لكن لا لزوم للاستماع. فالمهرجان مقروء من بطاقته. إنه اليوم الإعلاني، لفعل إنشائي سابق، ممهور بدماء عشرات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين وحتى الإيرانيين. فعلٌ اسمه: “الولايات المتحدة الإيرانية”!