قبل 11 شهراً حذّر المبعوث الأممي الخاصّ إلى سوريا غير بيدرسون من أن تصبح سوريا “أزمة منسيّة”. في 21 آذار الجاري أبلغ مجلس الأمن أنّ “الواقع المأساوي هو أنّ التطوّرات كلّها في بلاد الشام تسير في الاتّجاه الخاطئ”.
داعبت دمشق رغبة دول عربية بتقليص نفوذ طهران في سوريا، حيث يتعرّض “حرس الثورة” وحلفاؤه للقصف الإسرائيلي والأميركي اليوميّ. عرضت سوريا على السعودية رعاية الحوار السوري بين النظام والمعارضة.
ينتظر حكام سوريا انتهاء حرب غزة التي تجنّب الانخراط فيها خلافاً لمنطق “وحدة الساحات”. هو يأمل بتسوية يمكن دعوته إلى طاولتها. لذلك يجدّد مساعيه من أجل الانفتاح العربي عليه من البوّابة السعودية لفكّ العزلة والأزمة الاقتصادية الخانقة. فحليفاه الرئيسيان، الروسيّ والإيراني، غير قادرين على مزيد من الإنفاق لمساعدته، نتيجة صعوبات كلّ منهما الاقتصادية. موجبات التحالف أجبرته حتى على الاتفاق مع طهران على إعفاء كلّ البضائع التي تصدّرها إلى سوريا من الرسوم. لهذه الأسباب يفتح النظام السوري الباب أمام المملكة لرعاية الحوار السوري.
بيدرسون لوقف النّار على الصعيد الوطنيّ
القناعة البديهية هي أنّ إخراج سوريا من أزمتها مستحيل من دون الحلّ السياسي، ولو التدريجي. هذا ما اقترحته المبادرة الأردنية قبل أكثر من سنة، والتي شملت الحوار السوري بين النظام والمعارضة. لكن حتى بعض حلفاء النظام يردّ تعذّرها إلى عناد قيادته برفض الإصلاحات.
إخراج سوريا من أزمتها مستحيل من دون الحلّ السياسي، ولو التدريجي. كما اقترحت المبادرة الأردنية قبل أكثر من سنة. من خلال الحوار السوري
برزت في الأسابيع الماضية محطّات تشير إلى عمق المأزق السوري، أبرزها:
– أوّلاً: مرّت الملاحظات التي أدلى بها بيدرسون أمام مجلس الأمن مرور الكرام نظراً إلى تركيز الأنظار على حرب غزة. لكنّ الدبلوماسي الدولي المكلّف تطبيق القرار الدولي 2254، والمتّهم أحياناً بالمسايرة، تجنّب لبس الكفوف هذه المرّة، كالآتي:
– قال إنّه بعد 13 عاماً “لا يزال الصراع مستمرّاً”. أشار إلى “العنف الشديد على العديد من الجبهات. وامتداده على المستوى الإقليمي”. وهذا مخالف للانطباع السائد بأنّ المواجهات الداخلية هدأت نسبياً. فهو دعا إلى البناء على ترتيبات وقف إطلاق النار الحاليّة والسعي إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني. يشير بذلك إلى الاشتباكات التي تحصل بين المعارضة وقوات النظام في شرق سوريا وإدلب وريف حلب وفي درعا والسويداء.
المعتقلون والمفقودون… والنازحون
– بيدرسون تحدّث عن “تقارير مقلقة عن اعتقالات تعسّفية واختطاف، فضلاً عن التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي. في أماكن الاحتجاز في عدّة أجزاء من سوريا”. أشار إلى تقديرات بأنّ “أكثر من 100 ألف شخص محتجزون تعسّفياً أو مختفون قسرياً أو مفقودون”.
– نصف عدد السكّان ما زالوا يعانون من التشرّد أو المنفى لأكثر من عقد من الزمن. قال إنّهم “لا يعودون بأعداد كبيرة، لأسباب تتعلّق بالحماية وسبل العيش. ولا يتمّ التعامل مع هذه المخاوف”.
سوريا تعرض على المملكة العربية السعودية أن ترعى الحوار السوري بين النظام والمعارضة. على أمل أن يصل إلى “الحلّ السياسي”
- 6 جيوش وتقسيم سوريا
– ذكّر بأنّ السوريين ينقسمون عبر مناطق السيطرة حيث تنشط ستّة جيوش أجنبية، علاوة على عدد كبير من الجهات المسلّحة. يضاف إليها الجماعات الإرهابية المدرجة في قائمة مجلس الأمن.
– اعتبر أنّه كلّما طال أمد الوضع الراهن، يخشى أن تنجرف المناطق المختلفة إلى مزيد من التباعد. هذا يعمّق التحدّيات التي تواجه استعادة سوريا سيادتها ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها. وهناك قلق عميق بشأن تأثير تقسيم سوريا تحت سلطات مختلفة لمدّة جيل كامل تقريباً. بذلك يشير بيدرسون إلى مظاهر الحكم الذاتي في الشمال حيث سيطرة المكوّن الكردي. وفي إدلب حيث السيطرة لتنظيم “فتح الشام”. إضافة إلى اتّجاهات نحو نوع من الحكم الذاتي في درعا والسويداء. ولدى أوساط متابعة معطيات بأنّه قد يلقى تشجيعاً دولياً وإقليمياً لإقامة منطقة جنوبية عازلة على الحدود مع الأردن ومع الجولان المحتلّ من إسرائيل.
روسيا تهدّد بانسحاب جيشها..
– ثانياً: فيما يرى بيدرسون الحاجة إلى تنازلات من اللاعبين السوريين والدوليين، أبدت روسيا، الدولة الأقوى في سوريا، ملاحظات حيال النظام. وهي شديدة الانزعاج من إفشال دمشق مشروع الرئيس فلاديمير بوتين للمصالحة. حِرصُ الكرملين على العلاقة مع أنقرة، ربطاً بالتفاهمات معها في شأن الحرب في أوكرانيا، هو ما يعزّز تعاونه معها في سوريا. ملاحظات هذه الأوساط الروسية عديدة:
– منذ سنة يشترط الرئيس بشار الأسد انسحاب تركيا من الشمال قبل لقاء الرئيس رجب طيب إردوغان. القيادة الروسية ترى بحث هذا الأمر بعد المصالحة. في إطار صيغة أستانا التي تضمّها إلى تركيا وإيران.
أبرز أسباب الخيبة استمرار تهريب الكبتاغون من سوريا إليها. إضافة إلى الامتناع عن السير في أيّ خطوة نحو الحوار السوري
– إذا انسحبت تركيا من الشمال فلن تقاتل روسيا إلى جانب النظام لاستعادة المنطقة من المعارضة الموالية لأنقرة. ولا ضدّ الأكراد والجماعات الإرهابية. والقواعد الروسية في سوريا هي “لمحاربة الإرهاب وليس لمقاتلة الشعب السوري”. تسخر موسكو من سردية الأسد بأنّ منح روسيا امتيازات القاعدة البحريّة في طرطوس كان لمساعدتها على استعادة نفوذها في وجه الغرب. يذهب البعض إلى القول إنّ موسكو قد تفكّر بسحب قوّاتها من بلاد الشام إذا استمرّ النظام على موقفه.
– لا تتردّد الأوساط الدبلوماسية في الحديث عن “عناد سلطات سوريا في عرقلة الحلّ السياسي للأزمة السورية”. وعن “تمسّك الحكّام بالسيطرة على بلد مأزوم ومدمّر وضعيف”.
– التعاون الاقتصادي الروسي مع سوريا انخفض إلى أدنى مستوياته.
الانفتاح على السعوديّة… والكبتاغون
– ثالثاً: سعت القيادة السورية إلى الانفتاح على السعودية بعد سنة على حضور الأسد القمّة العربية في جدّة في أيار الماضي. شعرت دمشق أنّ الانفتاح العربي عليها تراجع بحكم الخيبة الأردنية والخليجية من عدم إيفائها بوعودها. أبرز أسباب الخيبة استمرار تهريب الكبتاغون من سوريا إليها. يضاف إلى ذلك امتناع النظام عن أيّ خطوة نحو الحوار السوري والحلّ السياسي.
من عوامل وخلفيّات هذا الانفتاح:
– حتّى الدولة الخليجية السبّاقة إلى الانفتاح على نظام الأسد، الإمارات العربية المتحدة، تعاطت ببرودة مع ما يأمله منها من مساعدات ماليّة.
تتريّث السعودية في تعيين سفير لها في سوريا. نظراً إلى أنّ الفترة الاختبارية بعد القمّة العربية الأخيرة لم تكن مشجّعة
– الأردن الذي أملت قيادته ضبطاً لعمليات التهريب، وخطوات رمزية تجريبية لتدابير إعادة نازحين سوريين… بات متشدّداً حيال دمشق. كشفت عمليات إحباط التهريب إلى الداخل الأردني، تشمل الأسلحة، ضلوع ضبّاط في المخابرات السورية. ولم تنفع محاولات رأب الصدع من خلال تنسيق رئيس المخابرات اللواء حسام لوقا وغيره مع مسؤولين في عمّان.
– اللجنة العربية السداسية، المنبثقة عن قمّة جدّة في السعودية قبل سنة للتواصل مع سوريا، كان يتوقع أن تجتمع. لكن ذلك لم يحصل على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل أسبوعين، بحجّة أن “لا جديد” يتطلّب ذلك.
– تريّثت السعودية في تعيين سفير لها في سوريا. لأنّ الفترة الاختبارية بعد القمّة العربية الأخيرة لم تكن مشجّعة. هذا على الرغم من تعيين سوريا معاون وزير الخارجية السوري السابق أيمن سوسان سفيراً لها لدى السعودية. والأخير صاحب خبرة. سعى إلى نسج علاقات مع المسؤولين السعوديين، ونقل في الآونة الأخيرة رسائل إيجابية من القيادة السورية. فحواها أنّ سوريا تتمنّى أن تلعب السعودية دوراً في حلّ أزمتها لأنّها “الشقيقة الكبرى”.
يعتقد الجانب السوري أنّ تطوّرات المنطقة وتعرّض طهران للضربات في سوريا فرصة للجانب السعودي كي يدخل الملفّ السوري ويرعى حواراً بين السوريين
عروض المقداد والاستماع السعوديّ
– مهّد سوسان لطلب وزير الخارجية فيصل المقداد زيارة السعودية. فاستقبله نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، في 14 آذار. شرح المقداد ما اعتبره صعوبات تواجهها سوريا في مكافحة تهريب الكبتاغون على الرغم من الجهد الذي تبذله في ضبط المهرّبين. منها:
- أنّ الدولة وأجهزتها أصيبت بالضعف جرّاء الحرب، وإمكانياتها متواضعة. يوحي بذلك بأنّ اشتراك ضبّاط في التهريب ناجم عن الظروف الاقتصادية والمعيشية المتردّية.
- أنّ هناك مناطق لا سيطرة فيها للدولة السورية عليها. والمقصود أنّ هناك مناطق تحت السيطرة الإيرانية، (أو تنظيمات معارضة).
- أنّ الفقر والعوز في سوريا أدّيا إلى نشوء عصابات التهريب وازدهارها.
- أنّ العقوبات الأميركية ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية وفي لجوء البعض إلى الطرق غير الشرعية.
- في معرض دعوته السعودية إلى لعب دور في الحلّ السياسي للأزمة السورية، أكّد الاستعداد للعودة إلى خريطة الطريق العربية. وهي تشمل الحوار السوري بين النظام والمعارضة.
يعتقد الجانب السوري أنّ تطوّرات المنطقة وتعرّض طهران للضربات في سوريا، فرصة للجانب السعودي كي يدخل الملفّ السوري ويرعى حواراً بين السوريين. حجّة المقداد أنّ العمل من خلال اللجنة الدستورية التي يرعاها بيدرسون، ولم تنعقد، أمر تؤيّده سوريا. والجانب الروسي على علاقة جيّدة مع السعودية. سبق لدمشق أن رفضت انعقادها في جنيف وأيّدتها موسكو. وكانت هيئة التفاوض السورية المعارِضة قبلت بالرياض بديلاً، لكنّ دمشق لم تقبل بها إلا عند زيارة المقداد.
إقرأ أيضاً: أميركا: غزّة تُشظّي الحزب الديمقراطيّ إلى 4 أجنحة
– ردّة الفعل السعودية وفق المصادر كانت الاستماع والترحيب بما نقله الوزير السوري، على أن تدرس اقتراحاته وأفكاره. لكنّ الجانب السوري يعتبر أنّ السعودية تتأنّى في خطواتها.
لمتابعة الكاتب على X: