ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر إلى ما هو آتٍ في الأيام المقبلة. فالتصعيد الإسرائيلي أصبح واقعاً لا عودة عنه. ولا ربط بينه وبين أيّ هدنة في غزة. لا بل إنّ المعلومات الدبلوماسية تتحدّث عن حرب وشيكة ستكون أشدّ خطورة من حرب تموز 2006. هذا المعطى، القديم من جهة، الجديد فيه أنّ المهلة الإسرائيلية انتهت. ولبنان أمام احتمالين لا ثالث لهما: الحرب أو إعلان جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح.
فهل يتجنّب لبنان الحرب ما دام ذلك ممكناً؟
في جولتها الأولى على القيادات السياسية في لبنان، حرصت السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون على القول بصراحة أمام من التقتهم: “بالحسنى أو بالقوّة، القرار قد اتُّخذ ولا عودة عنه. على الحزب الانسحاب لإعلان جنوب الليطاني منطقة معزولة السلاح”.
في المقابل خرج الأمين العامّ للحزب في خطاب قائلاً إنّ من الأسهل نقل نهر الليطاني من مكانه على نقل الحزب إلى شمال الليطاني. وبالتالي ستنفجر هذه المواجهة قريباً. حتى بات الكلام الدبلوماسي عن أنّ الوقت يداهم لبنان، وما هي إلا أسابيع ـو أشهر قليلة حتى ينفجر الوضع إلى نقطة اللاعودة في جنوب لبنان.
لبنان أمام احتمالين لا ثالث لهما: الحرب أو إعلان جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح
الدبلوماسيّة الدوليّة: الحرب المقبلة… مقبلة
في زمن الحرب الأهليّة، كانت أغنية خالد الهبر خير معبّر عن هشاشة الوضع اللبناني عندما غنّى: “في زحمة الحلول يتحدّث الزعماء عن حرب قادمة. ولكنّ الزعماء ويا أسفي لا يعلمون أنّ الحرب القادمة، قادمة”.
هكذا هي الحال اليوم. يتحدّث الزعماء عن حرب آتية وكأنّهم يراهنون على معجزة في اللحظة الأخيرة تفرملها. لكنّها للأسف آتية حتماً ما لم يتّخذ لبنان ومعه الحزب إجراءً فوريّاً بالانفتاح على التفاوض على تطبيق الـ1701.
بعيداً عن منطق التخوين أو الاستسلام الذي يمكن أن يواجَه به هذا الكلام، لا بدّ من نقل الوقائع على الأقلّ كما تَرِد إلى لبنان. وهي حتماً وقائع يدركها الحزب أكثر من غيره. فمن يراهنون على عدم توسيع الحرب، سيجدون أنفسهم أمام حرب مدمّرة من جنوب الليطاني إلى كلّ لبنان. وعليهم أن يجدوا مخرجاً دبلوماسياً لائقاً.
صاحب النفوذ الأقوى في البلد أصبح مطالَباً اليوم بإنقاذ البلد من حرب لن تشبه حرب الـ2006. هذا ما أوضحته بشكل مباشر كلّ الرسائل الدبلوماسية التي توالت إلى مسامع المسؤولين. بل ستكون حرباً أكثر تدميراً تهدف إلى تدمير قوّة الحزب وإعادته سنوات إلى الخلف.
لدى الحزب قوّة عسكرية وأمنيّة ولوجستية ليضرب من جهته إسرائيل ويوجعها في صميمها. لكن في مقارنة بسيطة فإنّ حسابات الإسرائيلي مختلفة تماماً. هو ومن يدعمه من ترسانة دولية سيكونون جاهزين للنهوض في لمحة بصر. بينما لبنان سيصبح منكوباً ينتظر منّة ووصاية جديدة ترفعانه من تحت الأنقاض.
ما هو المطلوب؟
بين ما تؤكّده المطالب الدولية وبين ما يُنشر في الصحف عن سحب سلاح الحزب، فوارق كثيرة.
مصادر دبلوماسية غربية تؤكّد لـ”أساس” أنّ سحب سلاح الحزب ليس موضوعاً على الطاولة. فالمعنيون يدركون أنّ هذا مسار طويل لا يبدأ ولا ينتهي في المرحلة التي نمرّ بها. لا بل إنّ القرار الأممي 1701 منطلق من اتفاق الطائف في نصّه. وبالتالي فإنّ السلاح هو شأن لبناني يعالَج في استراتيجية دفاعية وطنية داخلية.
بحسب مصادر دبلوماسية سيتمّ تثبيت الحدود الجنوبية البرّية بما يرضي لبنان والحزب
إذاً ما هو المطلوب من الحزب؟
الجواب: أن تكون منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح. لا مقاتلين منظّمين فيها.
في المقابل، يدرك المسؤولون الأمميون أنّ من المستحيل اقتلاع العائلات الجنوبية من أرضها. وهي التي تشكّل بيئة الحزب. وليس هذا هو المطلوب. بل نزع كلّ المظاهر المسلّحة المستترة تحت ستائر جمعيات بيئية أو غيرها. والاتّفاق على تثبيت الحدود الجنوبية بما يحفظ أمن المنطقة إلى أمد طويل.
ماذا سيأخذ الحزب في المقابل؟
مشهد جنوب لبنان لن يُصرف في الرئاسة بالتأكيد. لا بل سيُصرف على الحدود نفسها. فبحسب مصادر دبلوماسية سيتمّ تثبيت الحدود الجنوبية البرّية بما يرضي لبنان والحزب. وسيتمّ التعامل مع الأراضي المحتلّة بالشكل الذي سيُظهر الحزب “منتصراً” في انتزاع مكاسب من حربه الحالية.
خلاصة القول أنّ الدعوة لا تزال مفتوحة. لكنّها لن تبقى كذلك في المدى القريب. فإمّا الذهاب إلى الاتفاق حول جنوب الليطاني من موقع القوّة، وإمّا فرض الاتفاق سيكون حتميّاً لاحقاً.
إسرائيل تتحضّر جنوباً
في كلّ يوم يقول مسؤول إسرائيلي إنّ القوات العسكرية تتحضّر لمعركة الشمال، أي جنوب لبنان. هناك مقولة تنتشر مفادها أنّ الحرب عندما يكثر الحديث عنها يكون ذلك دليلاً على عدم حصولها. لأنّ الحرب تكون داهمة. غير أنّ ذلك كان قبل 8 تشرين الأول الماضي. حين اندلعت المواجهات بين الحزب والجيش الإسرائيلي جنوب الليطاني وشماله وصولاً إلى البقاع وصيدا وصور.
مرجع سياسي لـ”أساس”: إذا بحث الحزب جيّداً فسيجد الحلّ أقرب ممّا يعتقد. لأنّ العودة إلى حصانة الداخل ليست صعبة بقدر ما هو متوقّع
عمليّاً انتهت عشيّة 8 تشرين الأوّل قواعد الاشتباك التي وُلدت في عدوان صيف 2006. بالتالي ليس الكلام الإسرائيلي مناقضاً لسلوكيّات جيشه ومسؤوليه. في الجنوب حرب. والبقاع في حرب. ولا لزوم للكلام عن أنّ كلّ المؤشّرات، من كلام وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت إلى تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي، تتحدّث عن اقتراب الساعة.
أمّا إيران فكان قائد الحرس الثوري إسماعيل قاآني الأكثر تعبيراً عن الطوق الذي يعاني منه الحزب في أيّ حرب مقبلة. حين سرّب لرويترز أنّه سمع من نصر الله أنّ الحزب سيقاتل وحده ولا يريد مساعدة إيران. وبالتالي تلتقي الدعوات الإيرانية مع الدعوات الدولية إلى حصر الحرب والخروج منها ما دام الأمر ممكناً.
ما هو المخرج الممكن؟
براغماتيّ هو الحزب. لطالما كان كذلك. بغضّ النظر عن كلّ الكلام الذي رافق زيارة مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا للإمارات. إلا أنّ الحزب بدأ يعرف طريق الخروج جيّداً. ويعرف أنّ الباب لا يزال مفتوحاً أمام الحلول الدبلوماسية قبل نقطة اللاعودة.
إقرأ أيضاً: هل يتّجه لبنان إلى الحرب الأهليّة؟
ألمح في بيانه الأخير إلى أولوية المصلحة الوطنية في الداخل اللبناني. وعليه يقول مرجع سياسي لـ”أساس”: “إذا بحث الحزب جيّداً فسيجد الحلّ أقرب ممّا يعتقد. لأنّ العودة إلى حصانة الداخل ليست صعبة بقدر ما هو متوقّع”. وكلمة السرّ: جنوب الليطاني.
لمتابعة الكاتب على X: