يعتبر كثير من النوّاب السابقين والمرشّحين أنّ مجلس الأمّة الذي ستُفرزه انتخابات الكويت المقبلة هو “مجلس حُكم”. لأنّ من المحتمل أن يكون مُقرِّراً بشأن هويّة وليّ العهد المقبل. فيما يرى آخرون أنّ المسألة أعمق من ذلك بكثير. وتتعلّق بالحياة السياسية برمّتها. على اعتبار أنّ التغيير لا يُتوقّع أن يكون كبيراً إلى الحدّ الذي يُغيّر المشهد. وهو ما يعني أنّ الرهان على “تغيير السلوك” لا تغيير الوجوه.
ما الجديد الذي ستقدّمه انتخابات الكويت المقبلة؟ وما علاقته باختيار وليّ العهد الجديد؟
تولّى الأمير الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم في الكويت في 16 كانون الأول 2023، وهو اليوم نفسه الذي توفّي فيه الأمير السابق الشيخ نواف الأحمد، وأدّى اليمين بعد 4 أيام، في 20 من الشهر نفسه.
وفق الدستور، فإنّ الموعد الأقصى ليختار وليّاً للعهد هو 16 كانون الأول 2024. لكنّ أيّاً من الحُكّام السابقين لم يستغرق المدّة إلى أقصاها. ولطالما كان تعيين وليّ العهد إجراءً سريعاً يتمّ إنجازه بعد تولّي الأمير مسند الإمارة.
تنصّ المادّة الـ 4 من الدستور على ما يلي: “يُعيّن وليّ العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير. ويكون تعيينه بأمر أميريّ بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمّة تتمّ في جلسة خاصة. بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألّف منهم المجلس.
وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكّي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقلّ من الذرّية المذكورة فيبايع المجلس أحدهم وليّاً للعهد“.
بناء على ذلك، فإنّ مجلس الأمّة الذي ستفرزه انتخابات الكويت في 4 نيسان المقبل، سيكون له دور أساسيّ “نظريّاً” في اختيار وليّ العهد. لأنّه في حال لم يحظَ الاسم الذي يختاره الأمير في المرّة الأولى بـ”المبايعة”، أي الموافقة بالإجماع، سيكون للمجلس الجديد دور مُقرّر في اختيار اسم من ثلاثة يختارهم الأمير.
تشير التوقّعات إلى أنّ التغيير في المجلس قد يراوح بين 6 إلى 10 أو 12 مقعداً كحدّ أقصى
ومع عدم وجود سابقة في تاريخ الكويت برفض مجلس الأمّة خيار الأمير لمنصب وليّ العهد، فإنّ هذا السيناريو من الصعب توقّع حدوثه. لكنّ احتمالاته قائمة دستورياً ونظريّاً. وهو ما يجعل انتخابات الكويت مصيرية هذه المرّة من وجهة نظر البعض. ويُسخّن الأجواء الانتخابية ويُحيلها معركة استقطاب بين لاعبين، بعضهم من الأسرة الحاكمة.
نوعان من الأغلبيّة
صحيح أنّ الكويتيين اعتادوا الذهاب إلى مراكز الاقتراع، لكن عندما يذهبون هذه المرّة إلى انتخابات الكويت، وهي الثالثة خلال 3 سنوات، سيقترعون بحذر شديد لأنّ وصول النواب أنفسهم يعني تكرار المشهد نفسه.
عمليّاً لا مجال لكثير من التغيير، إذ إنّ 47 نائباً من المجلس الأخير المنتخب في 2023 و27 نائباً من مجالس سابقة، سيخوضون المعركة، ومن غير المرجّح حدوث اختراقات واسعة.
تشير التوقّعات إلى أنّ التغيير في المجلس قد يراوح بين 6 إلى 10 أو 12 مقعداً كحدّ أقصى. في حين أنّ الغالبية الذين كانوا في المجلس الأخير سيعودون إلى مقاعدهم.
ما يسعى إليه النواب السابقون في مجلس 2023 هو الوصول إلى “أغلبية تشريعية” مكوّنة من 33 نائباً (من أصل 50) على الأقلّ. وبذلك يملكون الأغلبية المطلقة (وهو ما يبدو مرجّحاً) . لكنّهم يخشون التراجع إلى “الأغلبية الرقابية” المكوّنة من 25 نائباً، أي النصف. وهي ستفرض عليهم إقامة تحالفات (مع الحكومة أو مجموعات نيابية) لتمرير التشريعات أو تعطيلها.
لا عودة للماضي
على هذا النحو الافتراضي، وفق السيناريو التقليدي، فإنّ الغالبية ستكون معارضة والأقلّية ستكون موالية. وبلعبة الأرقام، تتحالف الأقلّية مع الحكومة التي تمتلك 16 صوتاً في المجلس (الوزراء في الكويت يُعتبرون أعضاء في البرلمان)، لتشكّلا أغلبية قادرة على تعطيل أجندة المعارضة. لكنّها عاجزة عن إرساء الاستقرار. وهو ما يعني العودة إلى “دوّامة التأزيم” و”لعبة الاستجوابات” نفسيهما. خصوصاً أنّ بعض المرشّحين أعلنوا منذ الآن نيّتهم استجواب وزير الداخلية الحالي الشيخ فهد اليوسف، إذا بقي في منصبه بالحكومة الجديدة. التي ستشكَّل بعد حوالي أسبوعين من الانتخابات. بل ذهب بعضهم إلى التلويح باستجواب رئيس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم.
مصير مجلس الأمّة الجديد بعد انتخابات الكويت سيكون رهن سلوك الغالبية من نوّابه
هذا وفق التقليد العاديّ، لكنّ البعض يهمس أنّ الماضي لن يتكرّر مع الأمير الجديد الذي يمتلك رؤية حازمة لسلوك الكويت قطار التنمية. ولن يسمح للصراعات والأزمات بتعطيل المسار.
تقول مصادر واسعة الاطّلاع لـ”أساس” إنّ “الرهان الأساس في الانتخابات المقبلة هو على تغيير سلوك النواب، وليس تغيير شخوصهم. والتعويل على فهمهم لحقيقة أنّ المماحكات والحسابات الضيّقة أعاقت مسار التنمية والتقدّم والتطوّر طوال السنوات الماضية. وأنّ عليهم تغيير سلوكهم وفهم الحدود الجديدة للّعبة السياسية. لا سيما أنّ رئيس الحكومة الحالي مُرجّح أن يبقى في منصبه. وهو يحظى بثقة كاملة من الأمير. إذ عيّنه نائباً له إلى حين تعيين وليّ العهد”.
حدثان حاسمان
تشير المصادر إلى حدثين أساسيَّين:
الأوّل: كيفية تعاطي النواب مع الحكومة في الأيام والأسابيع الأولى. لجهة التعامل بهدوء معها أو سلوك طريق التحدّي والمواجهة من بوّابة ملفّ زيادة معاشات المواطنين.
الثاني: يتمثّل بالخيار الذي سيسلكه النواب مع قرار الأمير بشأن منصب وليّ العهد، وما إذا كان بعضهم سيمتنع عن تأييد خياره.
إقرأ أيضاً: ما قصّة سحب الجنسيات في الكويت؟
استناداً إلى هذه المعطيات، فإنّ مصير مجلس الأمّة الجديد بعد انتخابات الكويت سيكون رهن سلوك الغالبية من نوّابه. وفق رأي المصادر التي تختم بأنّ “السيناريوهات البديلة تراوح بين الذهاب لانتخابات جديدة، وربّما واحدة تلو الأخرى حتى يتعب النواب، وبين تغيير شامل ينقل الكويت إلى مرحلة جديدة من تاريخها”.