ما قصّة سحب الجنسيات في الكويت؟

مدة القراءة 7 د

ما بين تأييد الحفاظ على الهويّة الوطنية الكويتية والخشية من استخدام “الجنسيّة” لتصفية الحسابات السياسية. يتصاعد الانقسام في الكويت حيال الخطوات التي بدأت الحكومة اتّخاذها منذ مطلع شهر آذار الحالي. من خلال سحب الجنسيات من العشرات حتى الآن وسط توقّعات بارتفاعهم إلى مئات وربّما آلاف. فما هي القصّة؟ وأين تكمن “الحبكة”؟

يُعدّ ملفّ الحفاظ على الهويّة الكويتية. من خلال مكافحة تزوير الجنسية وملاحقة مزدوجي الجنسية. واحداً من أكثر الملفّات تعقيداً وحساسيّة في الكويت. ويظهر بين الحين والآخر ليكشف وقائع مُذهلة عن حالات لمزوّرين من جنسيات عربية استخدموا أساليب احتيالية للحصول على الجنسية والاستفادة من امتيازاتها الكبيرة (سكن، قروض، بدلات، رواتب، دعم مادّيّ…).

هناك عشرات القصص التي تُروى عن شخص أدخل أشخاصاً في ملفّه كأولاد أو أشقّاء أو أقارب. وأخذ هؤلاء الجنسية بأوراق مزوّرة، ثمّ أصبح لديهم أولاد وأحفاد، وكلّهم حصلوا على الجنسية بلا وجه حقّ.

من الروايات المتداولة عن واحدة من طرق التزوير أنّ شخصاً يذهب إلى إحدى دول الجوار. ثمّ يعود ومعه أوراق مزوّرة لأولاد أنجبتهم زوجته في تلك الدولة. فيتمّ تسجيلهم على أنّهم أبناؤه، ثمّ يكبرون ويحصلون هم وأولادهم على المزايا. فيما هم بالفعل يحملون جنسية أخرى ولا علاقة لهم بالكويت، أو أصلاً هم أشخاص غير موجودين على أرض الواقع.

مثل هذه الحالات غالبيّتها ليست حديثة نسبياً، إذ إنّ بعضها يعود إلى 4 عقود أو أكثر. ومَن تتمّ محاسبتهم حاليّاً عبر سحب الجنسية منهم، هم الأبناء أو الأحفاد.

حظر الازدواج

يُعرّف قانون الجنسية الصادر في عام 1959 الكويتيين بأنّهم “المتوطّنون في الكويت قبل سنة 1920. وكانوا محافظين على إقامتهم العاديّة فيها إلى يوم نشر هذا القانون”.

يحذّر أصحاب هذا الرأي من أنّ سحب الجنسيات سيؤدّي إلى “أزمة وطنية كبرى” مع خلق فئة رابعة في المجتمع الكويتي

يُحدّد هذا القانون، الذي خضع لتعديلات كثيرة على مرّ السنوات، آليّة الحصول على الجنسيّة وفقدانها. من مثل حصول الزوجة الأجنبية على الجنسية الكويتية، وفقدانها عند انتهاء الزوجية (الطلاق أو الوفاة) في حالتين: إذا استردّت جنسيّتها الأصلية (لأنّها مُلزمة بالتنازل عنها للحصول على الكويتية) أو كسبت جنسيّة أخرى.

لا تسمح الكويت بازدواج الجنسية، وفقاً للمادّة 11 من هذا القانون، التي تنصّ على أنّ الكويتي “يفقد الجنسية إذا تجنّس مختاراً بجنسية أجنبية”. وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام ملفّ “المزدوجين”. وهم من لديهم جنسيات عربية (غالبيّتها سعودية) وتُقدّر أعدادهم بعشرات الآلاف. أو من لديهم جنسيات غربية (غالبيّتها أميركية وبريطانية) وتقدّر أعدادهم بالآلاف.

المواطن الخفير

اعتباراً من 4 آذار الحالي، صدرت سلسلة مراسيم وقرارات سحب الجنسية من مجموعة من الرجال والنساء. بينهم شخصية واحدة معروفة، هو حاكم المطيري المدان بأحكام قضائية في الكويت. وذلك على إثر قضية عُرفت بـ”تسريبات القذّافي”، اتّهم خلالها بطلب التمويل من الزعيم الليبي الراحل لإثارة الاضطرابات في دول الخليج.

فيما كانت القرارات تتوالى، أعلنت وزارة الداخلية، الأسبوع الماضي، تخصيص خطّ ساخن “للإبلاغ عن مزوّري ومزدوجي الجنسية”. على قاعدة أنّ “كلّ مواطن خفير”. متعهّدةً “التعامل مع جميع البلاغات بسرّية”.

أثار “الخطّ الساخن” غضب الكثير من السياسيين والنواب السابقين، وأوجَدَ “مادّة انتخابية” للمرشّحين الذين يستعدّون للانتخابات النيابية المقرّرة في 4 نيسان المقبل. فتعرّضت الداخلية ووزيرها لهجوم حادّ واتّهامات بأنّها تريد “تجنيد” المواطنين بعضهم ضدّ بعض، ودفعهم للتجسّس ونقل المعلومات لأجهزة الدولة.

رأى البعض أنّ هذه الخطوة “تشجّع ضعاف النفوس على التجسّس أو الافتراء على الناس”، واعتبر النائب السابق البارز عبيد الوسمي أنّه “لا يليق بوزارة الداخلية أن تجعل من الهويّة الوطنية مادّة للسجال”، وأن تقوم بتحويل جزء من الشعب إلى “مُخبرين”.

سحب الجنسيات

في موقف أكثر تشدّداً، اعتبر المعارض البارز مسلم البراك أنّ خطوة وزارة الداخلية “كارثيّة وتهدم قِيَم الدولة. وتؤجّج العنصرية، وتمزّق المجتمع وتثير الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن الواحد”.

حذا حذوه المرشّح مرزوق الخليفة الذي توعّد باستجواب وزير الداخلية بعد فوزه بالانتخابات وأدائه القسم. منبّهاً إلى أنّ سحب الجنسيات “سيُحدث شرخاً

من جهته، ذهب النائب السابق محمد هايف أبعد من ذلك بتحذيره من تحوّل الكويت إلى “دولة بوليسية”. واصفاً “الخطّ الساخن” بأنّه “عبث وقرار ارتجالي استفزازي غير مدروس”. ملمّحاً إلى أنّ “المزدوجين” المقصودين بالمحاسبة هم “البسطاء” الذين يحملون جنسيات عربية محدّدة. في حين أنّ الذين يحملون جنسيات أميركية إلى جانب جنسياتهم الكويتية لا يجرؤ أحد على استدعائهم أو الحديث معهم.

حذا حذوه المرشّح مرزوق الخليفة الذي توعّد باستجواب وزير الداخلية بعد فوزه بالانتخابات وأدائه القسم. منبّهاً إلى أنّ سحب الجنسيات “سيُحدث شرخاً في جدار الوحدة الوطنية”.

سحب الجنسيات والانقسام العموديّ

بهذه الطريقة، قفزت قضية الجنسيات إلى الواجهة واستحوذت على المشهد السياسي، ليظهر الانقسام الحادّ بين فريقين:

– الأوّل يشدّد على ضرورة الحفاظ على الهويّة ومحاسبة المزوّرين والمزدوجين أيّاً تكن النتائج. لا بل ذهب بعضهم إلى المطالبة بتأجيل الانتخابات حتى الانتهاء من الملفّات المطروحة وإكمال عملية سحب الجنسيات.

– الثاني يخشى من أن يتحوّل “السحب” إلى “أداة غليظة” بيد الحكومة ضدّ بعض معارضيها تستخدمها عند الحاجة. ويشدّد على ضرورة فرض رقابة القضاء على مسائل الجنسية، وعدم تركها بيد السلطة التنفيذية منفردة.

يُحاجج الفريق الأوّل بأنّ “الجنسيات المزوّرة أثرها خطير على الهويّة الوطنية وتُحمّل الدولة أعباء كبيرة بحصول غير المستحقّين على خدمات هي بالأصل مخصّصة للكويتيين”. فيما لا يُجادل الفريق الثاني بأحقّية محاسبة المزوّرين، بيد أنّه يرى ضرورة أن تمتدّ إلى كبار المسؤولين الذين سهّلوا للمزوّرين الحصول على الجنسية مقابل المال. مع تمكين مَن سُحبت جنسياتهم مِن الذهاب إلى القضاء للدفاع عن أنفسهم، إن كانوا مظلومين.

يحذّر أصحاب هذا الرأي من أنّ سحب الجنسيات سيؤدّي إلى “أزمة وطنية كبرى” مع خلق فئة رابعة في المجتمع الكويتي. إلى جانب المواطنين، المقيمين بصورة غير قانونية، أي البدون، والوافدين العرب والأجانب.

تبرز فئة تدعو الحكومة إلى عدم الاكتفاء بسحب الجنسيات “المزوّرة” باعتباره حلّاً لمشكلة التزوير التي عانت منها “الهويّة” لعقود

ما بين الفريقين، تبرز فئة تدعو الحكومة إلى عدم الاكتفاء بسحب الجنسيات “المزوّرة” باعتباره حلّاً لمشكلة التزوير التي عانت منها “الهويّة” لعقود. وإنّما التعامل مع الموضوع بنظرة شمولية من خلال خطوات مختلفة. منها على سبيل المثال، استحداث  حقوق محدّدة الجنسية، بخصائص (مثلاً لا يسمح لحاملها بالتصويت أو تقلُّد مناصب عليا). خاصة أنّ من اقترفوا جريمة التزوير ماتوا قبل سنوات طويلة، والتعامل الحالي هو مع أبنائهم وأحفادهم الذين لم يرتكبوا أيّ جرم.

إقرأ أيضاً: أمير الكويت ودول الخليج: اقتصاد بلا نفط.. ولا تطرّف

في خضمّ الجدل الدائر، كتبت ناشطة على منصّة “إكس” من باب التندّر والفكاهة: “أسهل طريقة للوافدة الأجنبية: تزوّجي الكويتي للحصول على الجنسية، ثمّ اطلبي الطلاق واحصلي على الحضانة ومعاش المطلّقة. وقومي برفع قضية نفقة وإيجار مسكن وسائق وخدّامة، ثمّ تزوّجي في الخارج لكن لا توثّقي العقد… وعيشي حياتك”.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…