دينيس روس: إسرائيل لا تستطيع القضاء على المقاومة الفلسطينية

مدة القراءة 8 د

تحقيق  إسرائيل الانتصار الكامل ضدّ حماس ليس ممكناً. لكنّ تجريدها من السلاح وتحقيق الاستقرار في غزة لا يزالان ممكنين. هذا رأي المبعوث الأميركي السابق إلى المنطقة دينيس روس. وهو أمر يتطلّب في رأيه “استراتيجية إسرائيلية جديدة”.

دينيس روس يُعرَّف بأنّه “الرجل الأوّل لعملية السلام في الشرق الأوسط. واضطلع بدور رئيسي في رسم معالمها كمبعوث للولايات المتحدة إلى المنطقة في عهدَي الرئيسين جورج بوش وبيل كلينتون. وعمل كوسيط في اتفاق أوسلو الثاني لعام 1995. له رؤيته لهذه الاستراتيجية التي تحتاج إليها إسرائيل لضمان ترجمة جهودها العسكرية (وإنجازاتها) في غزة إلى واقع سياسي جديد يضمن عدم تعرّضها بعد الآن للتهديد من قطاع غزة”.

في مقال مطوّل نشرته مجلّة “فورين أفيرز”، يعتبر أنّ “نقطة البداية لاستراتيجية فعّالة هي صياغة الهدف بشكل مختلف. لقد حان الوقت لكي تدرك قيادة إسرائيل أنّها لا تستطيع أبداً القضاء على حماس. ولن تتمكّن من الحفاظ على وجودها في غزة. ولا تريد أن تكون مسؤولة عن 2.3 مليون فلسطيني فيها. علاوة على مواجهة تمرّد سينتج عن إعادة احتلالها”.

لكنّ دينيس روس يؤكّد وجوب عدم مغادرة إسرائيل غزة قبل التأكّد من أنّ حماس لن يمكنها إعادة بناء نفسها وقدراتها العسكرية وسيطرتها السياسية. وهو ما يتطلّب تدمير البنية التحتية العسكرية، ومستودعات الأسلحة، والقاعدة العسكرية الصناعية، ونظم القيادة والسيطرة، والاتّساق التنظيمي للمنظمة إلى حدٍّ كبير. بعبارة أخرى، يرى روس أنّه “يجب أن يكون هدف إسرائيل والولايات المتحدة جعل قطاع غزة منزوع السلاح بشكل دائم، وأن لا يكون مرّة أخرى منبراً للهجمات ضدّ إسرائيل. ويجب إنشاء بديل لحماس قادر على رئاسة الإدارة اليومية وضمان القانون والنظام اللازمين لإعادة إعمارها. وهو ما من شأنه أن ينقذ الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء لأنّ إسرائيل لن تحتاج بعد الآن إلى عزل غزة أو مهاجمتها”.

حان الوقت لكي تدرك قيادة إسرائيل أنّها لا تستطيع أبداً القضاء على حماس

آلية إنسانية: مع أميركا والعرب ورجال أعمال فلسطينيين

الخطوة الأولى في الاستراتيجية، كما يرى دينيس روس، هي في إنشاء آليّة إنسانية، بقيادة الولايات المتحدة. وبالشراكة مع السعودية ودول الخليج. تقدّم مساعدة فورية في مجال الإسكان المؤقّت والمتنقّل للفلسطينيين الذين دمّرت منازلهم. ويدعو دول الخليج، مع مصر والاتحاد الأوروبي والأردن والولايات المتحدة، إلى العمل مع البنية البيروقراطية في غزة التي أنشأتها السلطة الفلسطينية عام 1994. والتي استمرّت في العمل تحت قيادة حماس. ولعبت دوراً إدارياً، غير سياسي، في إدارة الاحتياجات اليومية. كما يدعو إلى إشراك رجال الأعمال الفلسطينيين من داخل غزة وخارجها في إدارة القطاع. وأن تعمل الآلية الإنسانية معهم لتوزيع المساعدات وتحفيز بدايات النشاط التجاري. ويعتبر أنّه يمكن توفير الأمن لتسليم وتوزيع هذه المساعدات الإنسانية بالاستعانة بمقاولين خارجيين وتوظيف فلسطينيين محليين غير تابعين لحماس.

بالتوازي مع إنشاء الآلية الإنسانية، يعتبر دينيس روس أنّه “يجب على إدارة بايدن التوسّط فوراً في تفاهمات بين مصر وإسرائيل لمنع تهريب الإمدادات السرّية إلى حماس واتّباع نهج جديد مع رفح لمنع إعادة تسليح غزة. ويجب عليها تشجيع إصلاح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لأنّ تحقيق إعادة إعمار غزة والتطبيع السعودي مع إسرائيل غير ممكن من دون إعادة التوحيد السياسي بين غزة والضفة الغربية”. فبالنسبة له “يجب أن يكون شرط إعادة الإعمار، علناً، هو وجود إدارة مختلفة حقّاً في غزة. وتجريدها من السلاح بشكل دائم والتعاون مع نهج دولي قويّ لإعادة الإعمار ومراقبة ما يدخل إلى القطاع والسيطرة عليه. وهو أمر يتطلّب تحالفاً دولياً من البلدان لنقل كمّيات كبيرة من الموادّ وإدارة ومراقبة الإمدادات اللازمة لإعادة الإعمار منذ دخولها غزة حتى تخزينها واستخدامها النهائي”.

يعتقد دينيس روس أنّ 7 أكتوبر خلّف مجموعتين مختلفتين من العواقب

التزامات متبادلة

يعتقد دينيس روس أنّ 7 أكتوبر خلّف مجموعتين مختلفتين من العواقب:

– بالنسبة للسعوديين والعرب بشكل عامّ، جعل الموت والدمار في غزة شعوبهم تدرك ضرورة معالجة القضية الفلسطينية. وجعل الحكومات تدرك أنّها لا تستطيع تجاهلها. لذا تري .هذه الدول نهاية واضحة تختلف عن العمليات السابقة. بما في ذلك اتفاقيات أوسلو التي لم تؤدِّ إلى حلّ دائم. لهذا السبب تتحدّث هذه الحكومات عن مسار مضمون لإقامة الدولة الفلسطينية.

دينيس روس

– بالنسبة إلى إسرائيل هناك وجهة نظر معاكسة. وبسبب يوم 7 أكتوبر، أصبح الإسرائيليون مقتنعين بأنّ أيّ دولة فلسطينية ستكون خاضعة لهيمنة حماس أو الجماعات المشابهة لها. فهم لا يرون أيّ تمييز بين حماس والفلسطينيين. أضف إلى ذلك تصميم إيران على استخدام وكلائها لمواصلة مواجهة إسرائيل. علاوة على ذلك، هناك معارضة شديدة لفكرة أنّ نتيجة 7 أكتوبر هي مكافأة للفلسطينيين أو حماس في شكل دولة مضمونة.

لكن إذا كانت المخاوف الإسرائيلية مفهومة، في رأيه، ويجب الاعتراف بها، فمن الخطأ القول إنّ قيام دولة فلسطينية بموجب حلّ الدولتين سيكون مكافأة لحماس. فالمكافأة الحقيقية لحماس ستكون موت حلّ الدولتين. ومن المفارقات أنّ المعارضة في إسرائيل مستمرّة ضدّ قيام دولة فلسطينية ستضمن نتيجة دولة واحدة.

الدولة الفلسطينية لا تهدّد إسرائيل

ويعتبر السياسي والكاتب أنّه يتعيّن على .القادة في إسرائيل أن يفهموا أنّ الدولة الفلسطينية لن تشكّل تهديداً. حتى لو كان واقع الدولة لا يزال بعيداً. فهناك الكثير الذي يتعيّن القيام به قبل إنشاء دولة فلسطينية. واليوم من شبه المؤكّد أنّ الدولة الفلسطينية ستكون دولة فاشلة، وأنّه يجب تلبية عدد من الشروط لقيامها:

– أوّلاً، لا يمكن أن تقودها أو تهيمن عليها حماس أو الجماعات المشابهة لها، ولا يجوز السماح لها بتشكيل تحالفات مع دول معادية لإسرائيل.

الخطوة الأولى في الاستراتيجية، كما يرى دينيس روس، هي في إنشاء آليّة إنسانية، بقيادة الولايات المتحدة

– ثانياً، عليها أن تقبل أنّ هناك دولتين لشعبين. ولم يعترف القادة الفلسطينيون قطّ بأنّ اليهود شعب له الحقّ في تقرير المصير. وهو ما يعني أنّهم لم يقبلوا بشرعية إسرائيل. لقد اعترفوا ببساطة بوجود إسرائيل كحقيقة واقعة. وهذا يجعل تبرير التحريض ضدّها أسهل. وقد حان الوقت لكي يكفّ القادة الفلسطينيون عن التحريض وأن يعملوا لإضفاء الطابع الاجتماعي على العداء.

– ثالثاً، يجب أن تكون الدولة الفلسطينية دولة غير عسكرية. يمكن أن تكون لديها شرطة وقوات أمن، لكن لن يكون لها جيش.

ولكي يقبل الإسرائيليون احتمال قيام دولة فلسطينية، لا بدّ أن يطمئنّوا من خلال:

– بناء غزة جديدة منزوعة السلاح. على أن تلعب الدول العربية دوراً نشطاً في هذه الجهود، فتساعد في تعزيز واستدامة بديل لسيطرة حماس.

– استعداد الدول العربية في مرحلة ما لإدانة ما فعلته حماس في 7 أكتوبر. فالعجز عن القيام بذلك يبعث برسالة إلى الإسرائيليين مفادها أنّ العرب في نهاية المطاف ليسوا على استعداد لنزع الشرعية عن حماس أو الجماعات المشابهة لها.

– تحقيق التطبيع السعودي مع إسرائيل كعنصر أساسي من عناصر الطمأنينة. لأنّه يَعِد بتحويل المنطقة وتوفير الأساس لتحالف يواجه الإيرانيين ووكلائهم. ويدرك الإسرائيليون أنّ هذا يعزّز أمنهم. لأنّه قد يعني أنّ هناك نهجاً جماعياً لمواجهة إيران لا يترك إسرائيل معزولة في التعامل مع وكلاء طهران.

ما هي التزامات إسرائيل؟

في المقابل، يرى دينيس روس أنّ على إسرائيل التزامات أيضاً:

– أن تعترف، من حيث المبدأ، بحقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم. كما لا يجوز لإسرائيل أن تتصرّف على النحو الذي يجعل قيام الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلاً.

– أن توقف التوسّع الاستيطاني، خاصة خارج الكتل الاستيطانية. كما عليها دعم إصلاح السلطة الفلسطينية.

– أن ترفع القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين وتجارتهم واستثماراتهم في البنية التحتية. وخاصة في الطرق والمياه. وأن تسمح لهم بمزيد من النشاط الاقتصادي الفلسطيني في الضفة الغربية.

بالنسبة للسعوديين والعرب بشكل عامّ، جعل الموت والدمار في غزة شعوبهم تدرك ضرورة معالجة القضية الفلسطينية

– عدم التسامح مع الفوضى التي يرتكبها المستوطنون. ومحاكمة أولئك الذين يهاجمون الفلسطينيين أو يهدّدونهم وإدانة المسؤولين عن التحريض.

إقرأ أيضاً: إيهود باراك: لا سلام… إلا بانتخابات في إسرائيل

من صدمة 7 أكتوبر وعواقبها قد تنشأ، كما يعتقد دينيس روس، فرصة لتحويل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة إلى الأفضل. لكنّ ذلك لن يحدث من تلقاء نفسه، يضيف، فإدارة بايدن أظهرت التزامها بالدبلوماسية “التي لا تهدأ”. وكما نظّمت نفسها لدعم أوكرانيا قبل الغزو الروسي وبعده، يجب أن تفعل الشيء نفسه اليوم لدعم غزة والشرق الأوسط. فكارثة 7 أكتوبر وعواقبها لا تتطلّب أقلّ من ذلك.

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…