يثبت بنيامين نتنياهو أنّ البقاء في السلطة في إسرائيل ليس للأفضل ولا للأقوى أو الأكثر شعبية، بل للأكثر مكراً وحيلة وخبثاً. فبعدما صدّق منافسه بيني غانتس نتائج استطلاعات الرأي التي تعطيه تقدّماً كبيراً لحزبه “المعسكر الوطني” بـ37 مقعداً في الكنيست… على حساب حزب “الليكود” الحاكم الذي سيحصل على 19 مقعداً فقط إذا ما جرت الانتخابات اليوم. وتوجّه إلى واشنطن ولندن لتسويق نفسه بديلاً عن نتنياهو وأكثر قدرةً على التفاهم مع الأميركيين. سواء على مستقبل دولة إسرائيل أو شكل مواصلة التعامل مع الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
ما كادت فرحته تكتمل بنتائج الاستطلاعات وبالزيارتين اللتين أغضبتا رئيس الوزراء، حتى جاءته الطعنة في الظهر في بيته ممهورة بختم لئيم من بيبي. شريكه في “المعسكر الوطني”، الوزير بلا حقيبة، جدعون ساعر ينشقّ عنه مع نوابه الأربعة ويؤسّس “حزب اليمين الجديد”. ساعر الذي نافس نتنياهو على زعامة “الليكود” قبل انسحابه منه. ها هو يصفع حليفه الحالي غانتس ويعيد البسمة والأمل لبيبي بالبقاء في السلطة ومواصلة حرب الإبادة.
نتانياهو يُخرج غانتس من مجلس الحرب
أحدث ساعر بهذه الخطوة المفاجئة أزمة غير متوقّعة في هذا التوقيت. ولا سيما أنّ انسحابه تزامن مع مطالبته بالانضمام رسمياً إلى مجلس الحرب. كان غانتس قبل انضمامه إلى هذا المجلس، اشترط الحصول على حقّ النقض لمنع الوزيرين المتطرّفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش من دخوله. وإذا به يضطرّ إلى استخدام الفيتو ضدّ حليفه المنقلب عليه.
يثبت بنيامين نتنياهو أنّ البقاء في السلطة في إسرائيل ليس للأفضل ولا للأقوى أو الأكثر شعبية، بل للأكثر مكراً وحيلة وخبثاً
دخول ساعر مجلس الحرب، إذا ما حصل، سيعني خروج غانتس منه. وفتح الطريق أمام بن غفير للحصول على مبتغاه بدخول المجلس أيضاً. وأن يكون شريكاً فاعلاً في مركز القرار الفعلي في إسرائيل اليوم. وهكذا سيكون في استطاعة نتنياهو التخلّص من غانتس وصوته المعارض، وإخراجه تالياً من موقع القرار. وهو ما قد يضعف تأثيره السياسي تدريجياً. وتالياً يكون بيبي قد كسب على أكثر من جبهة:
– سحب ورقة القوّة من غانتس وعمل على إضعافه في معقله السياسي.
– عزّز رغبته بمواصلة الحرب على الفلسطينيين عبر احتمال ضمّ بن غفير المؤيّد للإبادة الكاملة إلى موقع القرار.
– أبلغ الأميركيين بطريقة غير مباشرة بأنّه الأقوى في إسرائيل وأنّ رهاناتهم على بدائل عنه مثل غانتس أو غيره لا يمكن الاعتماد عليها. وبالتالي بعث رسالة قويّة إلى الرئيس الاميركي جو بايدن.
– وضع نتانياهو عراقيل أمام العودة المحتملة إلى المشهد السياسي لسلفه في رئاسة الحكومة نفتالي بينيت. وأمام رغبة الرئيس السابق لـ”الموساد” يوسي كوهين في دخول مضمار السياسة. الرجلان يطمحان إلى تزعّم كتلة اليمين الوسط في إسرائيل التي تشهد تراجعاً لمصلحة القوميين المتشدّدين والمتديّنين. لكنّ ساعر بخطوته وقراره إنشاء حزب “اليمين الجديد” سبق الاثنين وغرز العلم على التلّ وبدأ بالصعود.
دخول ساعر مجلس الحرب، إذا ما حصل، سيعني خروج غانتس منه. وفتح الطريق أمام بن غفير للحصول على مبتغاه بدخول المجلس أيضاً
نتانياهو يوسّع هامش المناورة
عودة ساعر إلى كتلة اليمين وابتعاده عن غانتس يتيحان لنتنياهو الراغب في التحلّل من قيود المعارضة مجالاً أكبر من المناورة وتقرير وضع غزة في مرحلة الحرب وما بعدها. حتّى لو انسحب غانتس من الحكومة، فساعر سيبقى ويطيل عمر الائتلاف الحالي.
من شأن انقلاب كهذا أن يمدّ نتنياهو بما يحتاج إليه لمواصلة الحرب حتى النهاية التي يتوخّاها. وهو أصلاً يستند إلى عناصر قوّة، أبرزها:
– الصلاحيّات الواسعة التي يتمتّع بها منصب رئيس الحكومة في النظام السياسي الإسرائيلي.
– وانزياح المجتمع الإسرائيلي إلى قيم التطرّف والفاشية.
– والإجماع الإسرائيلي المستمرّ في تأييده للحرب والرغبة في الانتقام من الفلسطينيين وجعلهم يدفعون ثمن ما حصل في غلاف غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
– ويستند نتنياهو أيضاً في تمسّكه بمواقفه إلى استمرار تماسك معسكره خلفه، والدعم الضمني لاستمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها.
– ولا يخفي رهانه على عودة حليفه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الخريف المقبل.
وهذا ما يدفعه إلى اتّخاذ مواقف متشدّدة في المفاوضات غير المباشرة مع حركة “حماس”. وذلك في شأن صفقة تبادل الأسرى ورفض وقف إطلاق النار والانسحاب من القطاع. وهو يدرك أنّ وقف القتال سيوجد أوضاعاً إسرائيلية داخلية وأخرى دولية تجعل من استئنافه صعباً. خصوصاً إذا ما عارضت الإدارة الأميركية ذلك. ويخشى أيضاً أن يتسبّب التوصّل إلى صفقة تبادل إلى خروج حزبَي بن غفير وسموتريتش من ائتلافه، وتالياً إلى انهياره.
إقرأ أيضاً: ميناء بايدن: عودة أميركا… وتهجير أهل غزّة
في الشهر السادس للعدوان، يجد نتنياهو نفسه في وضع يمكّنه من الاستغناء عن حكومة الطوارىء. ومن التفرّد بالسيطرة على صنع القرارات المتعلّقة باستراتيجية الحرب على غزة وما بعدها وعلى رسم سياسات إسرائيل عموماً. وهو في ذلك لا يستند فقط إلى النزعة اليمينية المتطرّفة التي تفشّت في المجتمع الإسرائيلي. بل إلى ثقته بأنّ الإدارة الأميركية لن تتّخذ، في ذروة المعركة الانتخابية المحتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين، أيّ إجراءات صارمة للحدّ من عدوانيّته وجموحه نحو الإبادة.
لمتابعة الكاتب على X: